تقطير الزهر تقليد نسوي تخلده نساء مراكش

"زهرية مراكش" طقس تقليدي نسوي، يبدأ كل عام مع حلول فصل الربيع وتزامناً مع تفتح زهر النارنج في مدينة مراكش المغربية.

رجاء خيرات

المغرب ـ يعد "زهرية مراكش" طقس حضاري تقليدي لا تزال نساء مدينة مراكش تحافظن عليه لتتوارثه الأجيال.

انطلقت فعاليات موسم "تقطير الزهر" الذي يطلق عليه اسم "زهرية مراكش"، في دورته الحادية عشر بمدينة مراكش، أمس السبت 11 آذار/مارس، وينظم من قبل جمعية "منية لصيانة التراث"،

وأوضحت المشرفة على عملية التقطير التي جرت بمقر جمعية "منية لصيانة التراث" التي تنظم الفعالية، مليكة عبادي أن نساء مدينة مراكش وفاس ومكناس وتطوان وغيرها من المدن العريقة تقبلن على عملية تقطير الزهور، سواء داخل المنازل أو في التعاونيات بعد تفتح زهر النارنج في شهر آذار/مارس، وقد يدوم الزهر في المدينة لأربعة أسابيع متتالية أو يزيد.

وعن توارث هذا التقليد السنوي تقول أن النساء في مراكش تحافظن على هذا الموروث الثقافي والحضاري من خلال نقله للأجيال اللاحقة، حيث يقتضي تقطير الزهر إلماماً بفن العيش المغربي ونقل المهارات المتوارثة عبر تلقين الأبناء أصول الصنعة.

وحول كيفية تقطير الزهر تشير إلى أنه يبدأ بجني وجمع الأزهار من داخل البساتين والحدائق التي تنتشر بالمدينة، هذا الزهر الذي يُجمع يتم عرضه بسوق العطارين بالمدينة العتيقة، وقد يجمعه الناس أثناء نزهاتهم الربيعية.

وأضافت "تعمل النساء المراكشيات إما بشكل جماعي أو فردي في عزل الأزهار وإزالة الشوائب منها، ثم تضعنها فوق قماش نظيف لمدة يومين أو ثلاثة حتى تذبل الأزهار قليلاً، لتجفيفها حتى تفقد الماء الزائد، ليكون بإمكانهن استخراج الزيت الأساسي الذي يتم تقطيره بدون ماء من خلال أنابيب التقطير".

وبعد تجفيف الأزهار يتم وضعها في إناء يتكون من ثلاثة أجزاء، يسمى الإناء السفلي بـ "الطنجرة"، وتوضع بها كمية من الماء المغلي، ثم الجزء الأوسط عبارة عن "كسكاس" وهو إناء به ثقوب توضع به الأزهار، ثم الإناء العلوي ويحتوي على صنبورين، واحد لتفريغ الماء الذي ارتفعت درجة حرارته وآخر لملئه من جديد بالماء البارد. هذه الثقوب تمرر البخار المتصاعد من الإناء السفلي إلى الأزهار، وعندما تصل إلى المنطقة العلوية الباردة تتحول إلى ماء الزهر الذي يقطر تدريجياً.

ولفتت إلى أنه "لكي تمر عملية التقطير في أجواء جيدة، ينبغي أن خفض درجة حرارة الماء المغلي حتى لا يصعد إلى الأعلى ويفسد عملية التقطير التي قد تستغرق أكثر من أربع ساعات، بحسب الكمية التي وضعناها، حيث أن كل كيلوغرام من الزهر يمنحنا من لتر إلى لتر ونصف من ماء الزهر المقطر".

وبحسب المنظمين فإن هذا التقليد الذي حافظت عليه النساء لقرون من الاندثار، أصبح اليوم محط اهتمام العديد من الخبراء والأكاديميين والباحثين والعطارين، وقد عملت جمعية "منية لصيانة التراث" على توسيع دائرة المهتمين به، وتعمل منذ أكثر من عقد من الزمن على ترسيم زهرية مراكش كتراث حي ليصبح موسماً سنوياً تحتفل به المدينة ويضمن لها مقاماً ثقافياً جديداً.

ويتضمن برنامج "زهرية مراكش" الذي يستمر حتى الـ 21 من آذار/مارس الجاري، فقرات متنوعة تتوزع بين مراسيم التقطير التي ستجرى في أماكن تاريخية مختلفة، بالإضافة إلى ندوة حوارية ووصلات موسيقية يحييها فنانون في الطرب الأندلسي.