تقرير: أكثر من 3 آلاف جريمة بحق المدنيين في عام واحد في اليمن

كشفت منظمة سام للحقوق والحريات، في تقريرها السنوي، عن استمرار تصاعد وتيرة الانتهاكات الممنهجة ضد المدنيين في اليمن خلال العام 2024، في ظل غياب تام للمساءلة وتواطؤ دولي وإقليمي يصب في خانة إفلات الجناة من العقاب.

اليمن ـ أكدت منظمة سام للحقوق والحريات، على أن أطراف النزاع في اليمن، وفي مقدمتهم الحوثيين، ارتكبوا آلاف الانتهاكات التي طالت المدنيين في مختلف المحافظات اليمنية، مما تسبب في مآسٍ إنسانية متفاقمة وفقدان الثقة بإمكانية تحقيق العدالة على المدى القريب.

بحسب تقرير منظمة سام للحقوق والحريات السنوي الذي صدر أمس الاثنين 14 نيسان/أبريل، فقد تم توثيق ما مجموعه 3 آلاف و472 حالة انتهاك ارتكبتها أطراف النزاع في اليمن، تنوعت بين القتل خارج نطاق القانون، والإصابات الجسدية الناجمة عن القصف أو التعذيب أو المعاملة القاسية، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية التي طالت مدنيين من مختلف الفئات، بمن فيهم نشطاء حقوقيون، وأكاديميون، وصحفيون، وأطفال.

وجاء في التقرير أن الانتهاكات أسفرت عن مقتل 394 مدنياً وإصابة 287 آخرين، بعضهم بإعاقات دائمة نتيجة العنف المفرط والمعاملة اللاإنسانية، مسلطاً الضوء على تنامي ظاهرة الإخفاء القسري، حيث رُصدت 209 حالة خلال العام المنصرم، إلى جانب 99 حالة تعذيب داخل السجون وأماكن الاحتجاز غير الرسمية.

وأكد التقرير تورط الحوثيين بشكل مباشر في الغالبية الساحقة من هذه الانتهاكات، حيث سجلت المنظمة ارتكاب الجماعة لـ 3 آلاف و14 حالة، أي ما يعادل 86% من إجمالي الانتهاكات، في دلالة واضحة على اتساع دائرة العنف والانتهاك الممنهج الذي يمارسه الحوثيين بحق المدنيين.

ولم تقتصر الانتهاكات على الحوثيين فقط، بل شملت أيضاً تشكيلات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة، حيث وثّقت المنظمة 135 حالة انتهاك ارتكبتها هذه الجماعات، إلى جانب 109 حالات أخرى نُسبت إلى الحكومة المعترف بها دولياً، ما يشير إلى هشاشة مؤسسات الدولة وضعف سيطرتها على الأوضاع الأمنية.

كما أشار التقرير إلى أن 166 حالة انتهاك حدثت نتيجة الانفلات الأمني، في حين نُسبت 31 حالة إلى تنظيم القاعدة، مما يؤكد تعقّد المشهد الحقوقي وتعدد الجهات المنتهِكة لحقوق الإنسان في اليمن.

من ناحية جغرافية، احتلت محافظة إب المرتبة الأولى من حيث عدد الانتهاكات الموثّقة، حيث سُجّل فيها 554 حالة، تلتها أمانة العاصمة صنعاء بـ 512 حالة، ثم محافظة ذمار بـ 289 حالة، أما محافظات البيضاء وتعز وعمران فقد شهدت أرقاماً مرتفعة أيضاً، بينما كانت محافظتا سقطرى والمهرة الأقل تأثراً، إذ لم تُسجل فيهما سوى حالات معدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.

ولم يغفل التقرير الجوانب القانونية والعدلية، إذ شدد على ضرورة إدماج ملف حقوق الإنسان ضمن أي تسوية سياسية مستقبلية، مشيراً إلى أن تحقيق السلام المستدام لا يمكن أن يتم دون مساءلة حقيقية عن الجرائم المرتكبة، وجبر ضرر الضحايا، وضمان عدم تكرار تلك الانتهاكات، معتبراً أن المساءلة هي حجر الأساس لأي عملية عدالة انتقالية تُبنى على أساس احترام كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.

ودعت منظمة سام المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عملية وجادة لوقف هذه الانتهاكات، مطالبةً بفرض ضغوط مباشرة على كافة الأطراف، خصوصاً على الحوثيين، لوقف القمع والاستهداف الممنهج للمدنيين، كما طالبت بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفياً، وضمان خضوع الموقوفين لمحاكمات عادلة تتماشى مع المعايير الدولية، مع التأكيد على ضرورة وقف استخدام القضاء كأداة للانتقام السياسي، وإلغاء كافة الأحكام المبنية على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب.

وكررت المنظمة دعوتها إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من أجل إنشاء آلية دولية مستقلة ومحايدة لرصد وتوثيق الانتهاكات الجسيمة في اليمن، تكون قادرة على جمع الأدلة وتحليلها، تمهيداً لإحالة الملفات إلى القضاء الدولي ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب تلك الجرائم، بمن فيهم القادة العسكريون والسياسيون من مختلف الأطراف.

كما حذّرت "سام" من أن التغاضي عن هذه الانتهاكات المتكررة سيؤدي إلى المزيد من العنف والانهيار المجتمعي، ويقوّض فرص بناء سلام حقيقي في اليمن، مؤكدةً على أن العدالة ليست ترفاً أو خياراً سياسياً، بل هي شرط أساسي لتحقيق الأمن والاستقرار وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة.