ثورة 19 تموز... ربيع لشعب إقليم شمال وشرق سوريا
شكلت ثورة 19 تموز/يوليو 2012 في روج آفا النسمة التي أثلجت صدور جميع شعوب المنطقة، ولا زالت تتعرض منذ انطلاقتها لهجوم من قبل الأنظمة الرأسمالية وعلى رأسها تركيا لإفشال وعرقلة مسيرتها التي جعلت صورة المدينة الفاضلة حقيقة.
ساريا دنيز
مركز الأخبار ـ ثورة 19 تموز التي انطلقت بكل مكونات المنطقة وتحت راية الحرية والديمقراطية ومن أجل سوريا تعددية لا مركزية، أعلنت نصرها على الفاشية والرأسمالية وأسست كيان متين في جميع المجالات.
اليوم هو الذكرى الـ 12 للثورة في روج آفا، موطن كل من واجه وحشية داعش، وحارب الهمجية، ومثل الإنسانية جمعاء بمقاومته، في هذا اليوم يتم الاحتفال بالثورة في روج آفا، حيث توجهت جميع النساء بمختلف الأعمار إلى الخنادق وهن تهتفن باسم الحرية والديمقراطية، لقد خرجن من منازلهن، وسلحن أنفسهن، وشاركن في الخطوط الأمامية للحرب.
ما حدث في روج آفا لم يكن من مشاهد أحد الأفلام، لقد كانت حقيقة عارية من الزيف تماماً مثل طفل حديث الولادة، انتصارها يعني انتصار العالم أجمع ولكل من أراد الحرية والمساواة، وأصبحت بلداً للجميع وموطناً لأولئك الباحثين/ات عن الحرية.
الربيع العربي
امتدت الثورات الشعبية المعروفة باسم "الربيع العربي" والتي بدأت في تونس أواخر عام 2010 وانتشرت في العديد من دول الشرق الأوسط، وصولاً إلى سوريا في 15 آذار/مارس 2011، التي شكلت فيها ثورة 19 تموز بإقليم شمال وشرق سوريا أهم إنجازات الحرب.
الثورة المعروفة باسم "الثورة النسائية"، في عامها الثاني عشر، كانت بمثابة نسمة هواء نقية في الحياة الجديدة لشعوب المنطقة، وكون الكرد باتوا رواد "ربيع الشعوب"، فقد قاموا ببناء الحداثة الديمقراطية.
تأسست حركة TEV-DEM لأول مرة
كانت هناك محاولات لجذب الكرد في السنوات الأولى من الحرب، من جهة حكومة دمشق، ومن جهة أخرى المعارضة، كما بُذلت الكثير من الجهود حتى يدعم الجانبان مطالب الكرد بالحقوق والحرية، إلا أنه تم رفض ذلك والاكتفاء بكلمة "بعد الحل".
وأظهر الشعب الكردي تصميمه على إنجاح الثورة، لذلك قام بتأسيس حركة المجتمع الديمقراطي (TEV-DEM) ومجلس الشعوب الديمقراطي لإقليم شمال وشرق سوريا بهدف تأسيس وحدتهم السياسية ضد نهج حكومة دمشق وقوى المعارضة.
وبعد تأسيس حركة المجتمع الديمقراطي، انطلقت مسيرات الجمعة في جميع أنحاء سوريا لأول مرة، حيث تم افتتاح دورات اللغة الكردية لأول مرة في عفرين والتجمعات الشعبية في المدن، وحتى ذلك الوقت، كانت الخدمات تتم من قبل الإدارات التابعة لحكومة دمشق، لكن فيما بعد بدأ الشعب يدير نفسه بنفسه.
لأول مرة، تم تسجيل الأطفال الكرد في المدارس الإعدادية وبدأوا بتلقي التعليم باللغة الكردية، إلى جانب تأسيس مؤسسة اللغة الكردية (SZK) خلال هذه الفترة.
الشعب يحكم قبضته على المدن
في 18 تموز/يوليو 2012، أصبحت حكومة دمشق مؤثرة على العاصمة فقط، وعقد اجتماع بمشاركة رؤساء كافة المؤسسات، حيث وقع هناك انفجار ضخم استهدف هذا الاجتماع، وفقد على أثره معظم كبار المسؤولين في النظام حياتهم.
في مساء اليوم نفسه، هاجم ما عرف بالجيش الحر واستولى على المناطق المحيطة بمنبج وجرابلس وكوباني وحلب، لكن في اليوم التالي أي في 19 تموز/يوليو، وبمشاركة أهالي كوباني، تم طرد القوات التابعة لحكومة دمشق من المدينة، وبعدها عفرين.
كما سيطرة الشعب على مدينة سري كانيه/رأس العين والدرباسية وعامودا وديرك وتربسبيه وتل تمر، ومرة أخرى في نفس اليوم، أعلن الكرد عن "سوريا الديمقراطية، روج آفا ذات الحكم الذاتي"، كما أُعلن عن إنشاء مقاطعة في كوباني بهذا الشعار، وتم اعتبار يوم 19 تموز/يوليو انطلاق الثورة.
ومع تزايد الصراعات، شكل الناس وحدات دفاع محلية لحماية أنفسهم، وانطلاقاً من هذا النموذج تأسست وحدات الحماية الشعبية (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ).
قوات سوريا الديمقراطية أبرز منجزات الثورة
في المدن التي أعلن فيها الكرد الحكم الذاتي، أطلقوا النظام المؤسساتي في العديد من المجالات، من السياسة إلى الدفاع، ومن العدالة إلى الثقافة، ومن المجال الاجتماعي إلى الاقتصاد، وتنظيم الشباب والنساء.
ومع إضفاء الطابع المؤسسي، بدأ بناء النظام المسمى "الحكم الذاتي الديمقراطي"، ولكن أدت استفزازات جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سري كانيه/رأس العين وهجوم داعش على كوباني إلى توحيد جميع الشعوب بمختلف معتقداتهم التي تعيش في إقليم شمال وشرق سوريا، الشعوب التي حاولت بناء حياة حرة ومتساوية مع الحكومات المشتركة التي أنشأتها، حيث قامت بتوسيع قواتها العسكرية تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية.
ومع وجود هذه المؤسسة العسكرية الدفاعية أصبح بحث الكرد عن الوحدة أقوى، عقد مجلس الشعوب الديمقراطي لإقليم شمال وشرق سوريا، الذي يضم حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، أكبر قوة سياسية كردية في المنطقة، والمجلس الوطني الكردي في سوريا (ENKS) و16 حزباً سياسياً، اجتماعاً في مدينة هولير بإقليم كردستان في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2011، وفيه قرر البرلمانان العمل معاً وإعلان المجلس الكردي الأعلى في 25 تموز/يوليو 2012، واعتبرت هذه الخطوة خطوة مهمة نحو وحدة الكرد.
بعد خروج مئات الآلاف من الأشخاص في شوارع مدن إقليم شمال وشرق سوريا في 29 تموز/يوليو 2012، تم قبول المجلس الكردي الأعلى باعتباره الإرادة المشتركة للشعب الكردي.
وعلى الرغم من أن المجلس الوطني الكردي ابتعد عن المصالح الكردية بمرور الوقت من خلال العمل مع كل من القوى الدولية في المنطقة وتركيا، إلا أن المجلس الكردي الأعلى أنشأ خلال هذه الفترة ثلاث لجان هي "الدبلوماسية" و"الخدمة الاجتماعية" و"الدفاع".
الثورة عززت التعليم باللغة الأم والقضاء
مع الثورة، كان التعليم من أهم القضايا، وقد تم تنفيذ أنشطة تدريبية مع "مؤسسة نوري ديرسمي للرصد" في العديد من المدن، كما أجريت دراسات في مجال التعليم باللغة الأم، وتم افتتاح ما يقارب 100 مدرسة في المنطقة مع تدريب قرابة ألف معلم، إلى جانب افتتاح المراكز الثقافية والفنية لأهالي قامشلو وديرك وعامودا وعفرين وكوباني والعديد من المدن الأخرى، كما تم إنشاء الجامعات في المستقبل.
ونظراً للحاجة الملحة لتحديد احتياجات الشعوب مباشرة، تم تشكيل لجنة لحل المشاكل الاجتماعية والقضائية والاقتصادية، إلى جانب لجنة الخدمة الاجتماعية التابعة للمجلس الكردي الأعلى، تم إنشاء "لجان الخدمة والسلام" في كل برلمان.
وبدأت "لجنة العدل" مهمتها ضد النظام القضائي في الدولة، حيث وجد الناس حلولاً لمشاكلهم من خلال التقدم إلى هذه اللجان، بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء لجنة السلام والعدالة المرتبطة بالمجلس الكردي الأعلى، ومن أجل إرساء النظام القانوني، تم تأسيس "فرع العدالة الاجتماعية" التابع لأكاديمية الرافدين للعلوم الاجتماعية في 4 نيسان/أبريل 2013.
تحت راية الثورة بنت النساء حياتهن
للنساء والشباب دور كبير في إعلان الثورة وتنفيذها لاحقاً بمؤسساتها، إلى جانب إجراء العديد من الدراسات على هاتين الفئتين الفاعلتين في الثورة.
حيث نُظمت النساء تحت اسم "يكيتيا ستار" وشكلت مجالس نسائية وبيوت نسائية بعد الثورة تحت اسم "مؤتمر ستار" و"مجتمع نساء زنوبيا" في المناطق التي يكثر فيها المكون العربي، وقد أُعطيت الأولوية لتمثيل المرأة في المجالس العامة، وتم إنشاء مراكز تعليم العلوم النسائية والأكاديميات النسائية في العديد من المدن.
ومع نظام الرئاسة المشتركة في جميع الإدارات، أخذت المرأة مكانها في آليات صنع القرار على مستويات الإدارة، كما لعبت المؤسسات النسائية دوراً نشطاً في التعليم والأسرة والسياسة والاقتصاد والنظام العام.
والجدير بالذكر أن قبل الثورة وبعدها، كان المجال الصحي يعتبر من أهم المجالات، لذلك تحت مظلة اللجنة العليا الكردية، تم إنشاء لجان في المجال الصحي الذي كانت تشهد فيه المنطقة مشاكل بسبب الحصار المفروض على المنطقة، كما تم تأسيس الهلال الأحمر الكردي.
وفي المجال الاقتصادي تم إطلاق مؤسسة التنمية الاقتصادية لإقليم شمال وشرق سوريا عام 2013 لكسر الحصار وبناء النظام وحل المشاكل، هذه المؤسسة التي تعمل على تطوير اقتصادها بالاعتماد على الشعب، ركزت على الجهود التعاونية، بدءاً من كوباني وديرك.
ومع مرور الوقت، ضمت ثورة 19 تموز كافة أبناء إقليم شمال وشرق سوريا تحت رايتها، وحصلت على صفة الحكم الذاتي الديمقراطي.
وتطورت تشكيلاتها العسكرية إلى قوات سوريا الديمقراطية ومجالس الحكم التي تضم كافة مناحي الحياة والمعتقدات والاختلافات، واليوم، وعلى خلفية ذلك لا يزال شمال وشرق سوريا يتعرض للهجوم، وخاصة من قبل الدولة التركية.
إن الشعب الذي ضمن مؤسسة الثورة في كل المجالات بتجربته النضالية الخاصة، يدير نفسه بهذا الوعي ويجد الحلول لمشاكله، والناس، الذين ضمنوا حياتهم بالعقد الاجتماعي، يعيشون اليوم في الواقع الكامل لحكومة يُنظر إليها على أنها "المدينة الفاضلة".
وتستمر الثورة في ترسيخ جذورها في هذه الأراضي في عامها الثاني عشر، فيما يجيب الشعب الكردي بكافة شرائحه على سؤال "كيف نعيش بحرية ومساواة؟"