'ثورات العصر ستكون ذات طابع متمحور حول المرأة'

أكدت عضوة أكاديمية الجنولوجيا زوزان سيما، أن النساء اللواتي تلتففن حول شعار Jin Jiyan Azadî، تسعين دائماً إلى توسيع النضال من خلال الحركات المناهضة للأنظمة الحاكمة.

ديرن إنكيزك /نوجان آراس

مركز الأخبار ـ لا تزال الانتفاضة التي اندلعت بعد مقتل جينا أميني في 16 أيلول/سبتمبر 2022 في إيران وشرق كردستان، تؤثر على كل جانب من جوانب الحياة. قادت النساء الانتفاضات التي أحدثت تغييراً وتحولاً لا رجعة فيه، كما أن شعار Jin Jiyan Azadî، الذي طوره القائد عبد الله أوجلان من أجل حرية المرأة، أعطى الانتفاضة طابعاً حملها لاحقاً إلى مستوى عالمي، فالنساء اللواتي خرجن إلى الشوارع ما زلن يقاومن من أجل حريتهن في السجون والشوارع.

في الذكرى السنوية الثانية لمقتل جينا أميني، تحدثت زوزان سيما، عضو أكاديمية الجنولوجيا (علم المرأة)، عن انتشار شعار Jin Jiyan Azadî وطابعه وآثاره. 

 

يصادف اليوم الذكرى السنوية الثانية لانتفاضة Jin Jiyan Azadî التي اندلعت في إيران وشرق كردستان بعد مقتل جينا أميني على يد "شرطة الأخلاق"، ما نوع العملية التي قادت الشعب إلى الانتفاضة؟

منذ بداية نظام الملالي في إيران، كان الشعب في حالة مقاومة مستمرة ضد هذا النظام، وكانت تتصاعد هذه المقاومة ثم تهدأ لفترة من الوقت بسبب الهجمات، ثم تستأنف مرة أخرى بطرق مختلفة.

قبل انتفاضة Jin Jiyan Azadî كانت هناك أشكال مستمرة من الأنشطة مثل الاحتجاجات النسائية، وفعاليات "الأربعاء الأبيض" الفردية أو الجماعية بهذا المعنى، فإن المقاومة في إيران وشرق كردستان لم تتوقف أبداً، لكن المقاومة التي أبداها الشعب وخاصة النساء في الانتفاضة الأخيرة لها جانب مختلف، حيث لم تنطفئ النار على الإطلاق بل أنها تنتشر وتزداد قوة ويظهر تأثيرها في العديد من المجالات، كل ذلك كان نتيجة الانتهاكات التي يرتكبها النظام الإيراني ضد المرأة التي قادت تلك الانتفاضة.

أراد النظام الإيراني أن يستبدل قمعه للمجتمع بقمع المرأة. ولهذا السبب، قام بإصدار قوانين وفتاوى ضد المرأة قبل فترة وجيزة من اندلاع الانتفاضة لذلك، في مواجهة هذا الوضع، كانت هناك معارضة من النساء، وإن كانت على المستوى الفردي، ولم يقتصر الأمر على جينا أميني فحسب، بل قُتلت النساء قبلها أيضاً، واضطرت نساء أخريات للظهور على شاشات التلفاز للإعراب عن أسفهنّ على ذلك. بهذا المعنى، ربما كان النهج المتبع تجاه جينا أميني هو القشة التي قصمت ظهر البعير، وكان مؤشراً على أن المرأة لم تعد قادرة على التعايش مع هذا النظام.

 

تم تخليد ذكرى الانتفاضة بشعار Jin Jiyan Azadî الذي تم ترديده عند دفن جينا أميني وأصبح فيما بعد شعار الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران وشرق كردستان، هل يمكن أن تشرحي لنا فلسفة هذا الشعار التي صاغها القائد عبد الله أوجلان لنضال المرأة من أجل الحرية؟

إن فلسفة Jin Jiyan Azadî هو خطاب تم التعبير عنه في حركة الحرية الكردستانية منذ أواخر الثمانينيات. يقول القائد أوجلان إن كلمة Jin (المرأة) تأتي من نفس كلمة Jiyan (الحياة)، فلماذا يتم تعريف المرأة بالموت؟ في الواقع، لقد شعر القائد أوجلان بهذا التناقض وبحث عنه بعمق، وأثناء تطويره لحركة تحرير المرأة الكردستانية، ركز بشكل كبير على حل هذا التناقض. بعبارة أخرى، في مجتمع يربط المرأة بالحياة، كيف يمكن أن تصبح المرأة ممتلكات وسلعة ويقترن اسمها بالموت؟ إن فلسفة  Jin Jiyan Azadî لها تاريخ لا يقل عن 30 عاماً، وربما أكثر من ذلك.

أولاً، إن ارتباط المرأة بالحياة في مجتمعات الشرق الأوسط يشير في الواقع إلى أن الحياة قد تشكلت في يوم من الأيام حول المرأة في هذه الأراضي. في اللغات الآرية والسامية، وفي الواقع في جميع لغات العالم، هناك ارتباط بين المرأة والحياة، ولهذا السبب كانت المجتمعات القديمة ترى المرأة والحياة متماثلتين، لأن الحياة وجدت معنى لها وتشكلت حول المرأة. طور القائد أوجلان هذه الفلسفة وأصبحت حركة تحرير المرأة الكردستانية التعبير المجسد لذلك. عندما نتحدث عن حركة حرية المرأة الكردستانية، فإننا لا نتحدث فقط عن منظمة تناضل نيابة عن الكرد.

في السنوات العشرين الماضية، مع ثورة روج آفا، أصبح النقاش حول الحياة التي تتمحور حول المرأة أكثر فأكثر. إن انتهاكات الحقوق والعنف ضد المرأة والنضال ضدها له تاريخ طويل، فمنذ 300-400 عام، كانت المرأة تكافح ضد ذلك بطريقة منظمة.

وصف القائد أوجلان تحرير المرأة بالوصفة السحرية. أي شيء لا يبدو ممكناً، وهو إعادة المرأة إلى مركز الحياة في مجتمع تم فيه محو المرأة تماماً. عندما أقول إعادة المرأة إلى مركز الحياة، لا أعني بذلك المعنى الكلاسيكي الذي يعني أننا نقدر المرأة، وأن المرأة لها حقوق. وضع المرأة في مركز السياسة، بمعنى آخر، القول بأن السياسة الديمقراطية لا يمكن أن تتطور بدون حرية المرأة.

 

ما هو الطابع الذي أضفته فلسفة Jin Jiyan Azadî على الانتفاضات؟

كان سبب الانتفاضات هو تجسيد عنف الدولة المنظم ضد المرأة، والهجمات الأيديولوجية والدينية والجنسية والقومية، والسبب في تسميتها بـ Jin Jiyan Azadî هو أنه لم يقل أحد إنه يجب إقالة الموظف الذي قام بهذا العمل، بل قيل إنه يجب تدمير هذا النظام. ليس فقط نظام الدولة الإيرانية، بل لنغير الحياة التي لا تتمحور حول المرأة. وبهذا المعنى، فإن هذه الاحتجاجات لم تكن مجرد أنشطة تطالب بالحقوق أو تطالب فقط بمحاسبة القتلة.

لا نجد مفهوم الإبادة الجماعية للنساء كافياً. عندما يتعلق الأمر بالإبادة الجماعية للنساء، فإن العنف والقتل الذي تتعرض له المرأة يدخل في نطاق هذه الإبادة. هناك منظومة تُبقي المرأة في دائرة التدمير، إذا لم نرى المنظومة التي ترى كل النساء كممتلكات يتم الاعتداء عليها وقتلها وعدم محاسبتها، إذا لم نحلل النهج الذي يبقي المرأة في دائرة التدمير، سنبقى نواجه نتائج ذلك باستمرار. بهذا المعنى، كان الهدف من Jin Jiyan Azadî هو التحرك نحو جميع الأنظمة التي تبقي المرأة في نظام الإبادة. هناك جوانب نابعة من الدولة، وأخرى نابعة من الرأسمالية والأسرة. أياً كان النظام الذي يبقي المرأة في هذه الحالة، يجب أن نحارب ضده.

 

لطالما رأينا النساء في طليعة الانتفاضات ولا تزال تظهرن مقاومتهن في جميع مجالات الحياة. ومرة أخرى، كان الجانب اللافت للنظر في الانتفاضات هو أن جميع المعتقدات التي تعيش في إيران نزلت إلى الشوارع وناضلت معاً، كيف ينبغي قراءة قيادة المرأة والنضال المشترك للشعوب؟

في تقاليد كل من كردستان والشرق الأوسط، تقوم النساء بقص شعرهن عندما يعانين من ألم شديد، أي أن هذه نقطة نهاية، كما أن الإيزيديين لديهم نفس التقليد، وهذا هو التعبير عن "لا نريد أن نعيش هكذا بعد الآن، لا يمكن أن يستمر الأمر هكذا". لقد قالت النساء ذلك نيابة عن جميع الشعوب المضطهدة، ومن الجوانب المهمة جداً في الانتفاضة الأخيرة في إيران أنها تحولت بالفعل إلى عمل اجتماعي ليس فقط النساء قمن بالأنشطة، فالشعارات التي استخدمت في تلك الاحتجاجات، والأغاني التي كُتبت، والإنتاجات الفنية، واللوحات، مهدت الطريق لمشاركة جميع شرائح المجتمع التي لا تريد التعايش مع هذا النظام.

لقد مهدت النساء بنضالهن الطريق لجميع القوى الأخرى التي تسعى إلى الحرية والديمقراطية، وقد خلق ذلك دافعاً كبيراً في المجتمع، فأن أحد الآباء قد عبّر عن ذلك تعبيراً جميلاً جداً في الكلمات التي قالها "في الماضي، عندما كان أحدنا يُظهر مثالاً للشجاعة في مجتمعنا، كانوا يقولون: يا له من رجل شجاع، ولكنني أقول الآن إن المثال الحقيقي للشجاعة هو النساء". البعد الآخر هو أنه تم وضع حرية المرأة في قلب الحريات الاجتماعية التي تتجاوز الحقوق الفردية وحقوق الجنس الواحد.

 

كيف أثرت الانتفاضة في شرق كردستان وإيران على الحياة والنضال؟ ما هي التغييرات التي أحدثتها الانتفاضة؟

هذه الانتفاضة لها أبعاد كثيرة لا تزال قيد النقاش. والأهم من ذلك أنه على الرغم من كل التحالفات الرجعية والهجمات والإعدامات المستمرة، لم تتوقف هذه الاحتجاجات، وبالرغم من أن وتيرتها انخفضت من وقت لآخر، إلا أنها اكتسبت طابعاً شبه مستمر وبحثاً مستمراً، وكشفت عن وجه النظام الدولي الذي لم يدعم رد فعل المجتمع سوى القوى المناهضة للنظام، الأمر الذي كشف ارتباط القوى الدولية بهذا النظام الرجعي.

كما أن المجتمع طور ثقته في قوته الذاتية، وهذا أمر مهم جداً لأن هناك إطاراً خلقه النهج الاستشراقي في الشرق الأوسط، كما لو أن النضال لا معنى له دون دعم خارجي، أي القوى الدولية، لكن السمة الأخرى التي تميزت بها هذه الاحتجاجات هي أنها استندت إلى قوتها الذاتية وتطورت دون أي توقعات. اعتُقل المئات والآلاف من الأشخاص، وحُكم على كل من كتب أغنية أو أعطى صورة بالإعدام، رغم ذلك لم يكن هناك أي خطوة إلى الوراء مما يدل على المقاومة، وهذا الجانب كان مهماً جداً من حيث التحول الاجتماعي.

 

كان رد الحكومة الإيرانية على الانتفاضة هو الاعتقال والإعدام والتعذيب. مؤخراً، صُدر حكم الإعدام بحق الصحفية بخشان عزيزي والمدافعة عن حقوق الإنسان شريفة محمدي، ما هو الهدف من هذه السياسات، خاصة التي تستهدف النساء؟

هذا انعكاس لسياسة المرأة العالمية، فقد صُدر كتاب من تأليف وكالة المخابرات المركزية يقول "أطلقوا النار على النساء أولاً". وقيل إذا أردت كسر إرادة المقاومة في مجتمع فاقتل النساء أولاً. وهذه السياسة العالمية تنفذها الدولة التركية والقوى الدولية، كما تواصل الدولة الإيرانية هذه السياسة، لأن المقاومة كانت مقاومة المرأة وكانت مبنية على حريتها. في ذلك الوقت، أرادوا كسر إرادة المرأة، لكن ذلك جاء بنتائج عكسية خاصة أن رسائل بخشان وشريفة ومقاومة النساء الأخريات كان لها تأثير معاكس.

شاركت كل من بخشان عزيزي وفريشة مرادي في ثورة روج آفا، وكشفتا عن فلسفة Jin Jiyan Azadî سواء في شخصياتهما أو في نضالاتهما. وبهذه الطريقة، فإن مقاومتهما تعطي الأمل لنا جميعاً، على الرغم من كل القمع الذي تمارسه الدولة الإيرانية. ويجري الآن إنشاء أساس للتضامن على نطاق عالمي، وهو يحتاج إلى المزيد من التعزيز وهناك حاجة إلى نضال أقوى لمنع أحكام الإعدام.

 

تبنت النساء في جميع أنحاء العالم شعار Jin Jiyan Azadî بعد الانتفاضة، وفي أكبر حركة احتجاجية في الهند، تم فتح لافتة مكتوب عليها هذا الشعار باللغة الكردية، كيف ترين تأثير هذا الشعار وأهميته في نضال المرأة؟

لقد تركت اللافتة التي تم فتحها أثناء الحدث في الهند انطباعاً لدى الجميع. في بعض الأحيان لا ندرك جيداً تأثير كفاحنا. القرن الحادي والعشرون هو ساحة تتصادم فيها العديد من التناقضات، لكن التناقض الذي يتعمق ويحتاج إلى حل هو حول حرية المرأة. يجب كسب حرية المرأة في هذا العصر، لذا فإن كل هجوم نواجهه، يجعلنا نشعر مرة أخرى بعمق بالصراع حول Jin Jiyan Azadî، على أي محور يجب أن نقاتل، وكيف ندافع عن أنفسنا، وكيف ينبغي لنا أن ننخرط في السياسة.

إذا كان لقضية المرأة أن تحل في القرن الحادي والعشرين على أساس الحرية، فيجب اتخاذ خطوات من خلال رؤية هذه الحاجة بشكل أعمق. أصبح Jin Jiyan Azadî شعاراً عالمياً وأوضح المهمة القيادية لحركة حرية المرأة في الثورة النسائية. لقد وصلت إلى نقطة حيث تركت بصماتها ليس فقط في الهند، ولكن أيضاً في كل شيء تقريباً بدءاً من النساء الليبراليات وحتى الأغاني في مجال السينما والفنون والأدب، ولكن لا ينبغي لنا أن نعتبر هذا كافياً. فمن ناحية، هناك خطر أن يتم التلاعب بها من قبل النظام أو تحويلها إلى أداة إعلانية، في حين أن فلسفة Jin Jiyan Azadî، التي نحتاج إلى مناقشتها الآن، تعطي لوناً لنضال المرأة من أجل الحرية في جميع أنحاء العالم، فكيف يمكننا تجسيدها لتحقيق ثورة المرأة؟ نحن بحاجة لمناقشة هذا. نحن بحاجة إلى اتخاذ خطوات أكثر وأسرع وإقامة علاقات أكثر استدامة مع كل من يشارك في الاحتجاجات تحت هذا الشعار.

 

عندما ننظر إلى نضال المرأة العالمي، نرى أنه قد تم إنشاء وحدة حول فلسفة Jin Jiyan Azadî وكيف تتحول هذه الوحدة إلى منظمة قوية؟

إذا انتبهنا خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، فإن كل حركة نسائية تقريباً في العالم قد اكتسبت طابعاً عالمياً. أينما وجد النشاط النسائي، من تشيلي إلى أمريكا اللاتينية، ومن روج آفا إلى أفريقيا والهند، فقد ظهر مستوى عالمي. الآن هناك مطالبات للتضامن، وقواسم مشتركة في بعض الأنشطة والتجمع حول شعارات معينة. وهذه ليست كافية لأن النظام العالمي الذي نواجهه يتخذ الاحتياطات اللازمة وفقاً لذلك.

ولذلك نسعى إلى بناء كونفدرالية نسائية بالرغم من أن هناك آراء مختلفة، وقد تكون هناك أيضاً مناهج أيديولوجية ووجهات نظر تنظيمية مختلفة. لدينا اختلافاتنا، لكن قواسمنا المشتركة تفوق اختلافاتنا.

تهدف الكونفدرالية النسائية إلى العمل معاً في شكل هيئة مشتركة حيث يمكن إقامة التوازن بين المحلي والعالمي. إذا تمكنا من تحقيق ذلك، يمكننا تطوير مقاومة مؤسسية ضد هذا النظام. هناك بعض المؤتمرات التي تعقد في تلك المرحلة. وإذا لم نحول هذه الجهود تدريجياً إلى التنظيم المشترك والعمل كهيئة مشتركة على نطاق عالمي، فلن تكون هناك إمكانية لتحقيق النتائج.

المرأة ليست مجرد هوية جنسانية، بل نتعامل مع المرأة كأمة وشعب. ومن ثم، يحتاج هذا الشعب وهذه الأمة إلى تحديد مصيرهما، والحصول على تنظيمهما الخاص، وإضفاء الطابع المؤسسي على هذه المنظمة تدريجياً.