تحوّل صورة المرأة الصومالية في الإعلام… من التهميش إلى التأثير
مقال بقلم الناشطة الصومالية ليلى جامع
في زمن تتسارع فيه التحوّلات الإعلامية، وتتشابك فيه الأصوات بين الواقع والفضاء الرقمي، برزت المرأة الصومالية كأحد أهم الفاعلين في إعادة تشكيل المشهد الإعلامي الوطني، فبعد عقود من الحضور الخافت بين طيات الصحف وشاشات التلفاز، أصبحت المرأة اليوم صوتاً واضحاً، ووجهاً حاضراً، وصانعة محتوى قادرة على تغيير الرواية السائدة حول دورها في المجتمع، هذا التحول لم يحدث بالصدفة، بل جاء نتيجة مسار طويل من التحديات والنضال والاستفادة من الفرص الجديدة التي فتحها الإعلام الحديث.
في الإعلام الصومالي التقليدي، بما يشمل الإذاعة والصحف والمسرحيات الشعبية، غالباً ما صورت المرأة في إطارين محددين: الأم المضحية التي تلتزم بدورها الأسري، المرأة الريفية التي تقتصر حياتها على الأعمال المنزلية والرعوية.
هذه الصورة رغم كونها جزءاً من الواقع الاجتماعي، فإنها لم تكن تعكس التنوع الحقيقي في حياة النساء الصوماليات أو دورهن في الاقتصاد والتعليم والعمل العام.
ولم تكتفِ بعض المؤسسات الإعلامية بالاقتصار على هذه الصورة، بل عززتها بسبب غياب النساء عن مواقع التحرير وإدارة غرف الأخبار، الأمر الذي ساعد في بقاء السرد الذكوري مسيطراً على الخطاب الإعلامي.
صورة المرأة بين الألم والصمود
مع اندلاع الحرب الأهلية في التسعينيات، ركزت التغطيات الإعلامية المحلية والدولية على صور المعاناة والنزوح، وفي الغالب ظهرت المرأة كضحية للصراع، وهو تصوير حجب عن العالم حقيقة وجود نساء لعبن أدواراً محورية في مبادرات السلام والمصالحة المحلية، إنشاء مشروعات صغيرة لإنقاذ الأسر من الفقر، دعم التعليم المجتمعي في غياب المؤسسات الرسمية.
هذا الظهور الناقص عمّق الفجوة بين الواقع وبين ما يعرض على الشاشة.
مع ظهور منصات التواصل الافتراضي، أصبح للمرأة الصومالية مساحة تعبير جديدة، لا تمر عبر قنوات الرقابة ولا عبر المصفاة الذكورية للمؤسسات التقليدية، فقد ظهرت صحفيات مستقلات يقدمن تقارير وتحقيقات معمقة، مؤثرات يناقشن التعليم والصحة والمساواة، نساء في المهجر يعرضن تجاربهن في بناء حياة جديدة، منصات يقودها فريق نسائي بالكامل مثل Bilan Media، التي غيرت قواعد اللعبة بتقديمها محتوى يركز على قضايا النساء بشكل مهني غير مسبوق.
هذا التحوّل الرقمي منح المرأة القدرة على إعادة صياغة صورتها بنفسها، ومعه بدأ الخطاب الإعلامي يتسع لتمثيل أدوار أكثر تنوعاً وواقعية.
الإعلام المرئي والدراما... كسر الأنماط القديمة
في السنوات الأخيرة، بدأت الدراما الصومالية والبرامج التلفزيونية الوثائقية تقدّم صوراً مختلفة للمرأة، مثل الطالبة الجامعية الطموحة، المهندسة والطبيبة، رائدة الأعمال، الناشطة السياسية والمجتمعية.
وجود هذه النماذج ساعد في كسر الصورة النمطية القديمة، وفتح الباب لرؤية جديدة تظهر المرأة كشريكة في بناء المجتمع لا مجرد عنصر تابع.
ورغم التقدم الملحوظ، تواجه المرأة الصومالية في الإعلام مجموعة من التحديات، أبرزها ضعف وجود النساء في المناصب التحريرية والإدارية، تعرض الصحفيات للمضايقات الإلكترونية والتهديدات، غياب سياسات تحمي المرأة العاملة في المجال الإعلامي، نقص التدريب والتمكين المهني للنساء خارج المدن الكبرى. هذه التحديات تجعل التقدم محكوماً بإرادة مؤسساتية ومجتمعية تدعم التغيير.
أهمية تغيير الصورة الإعلامية
تحول صورة المرأة في الإعلام لا ينعكس فقط على طرق العرض، بل على المجتمع ككل، فحين ترى الفتيات والنساء تشغلن مواقع قوة وتأثير، يتغير مدى طموحهن، وحين يتعرف المجتمع على قصص نجاح نسائية، يتحسن مستوى الوعي والنقاش العام حول حقوق المرأة.
إن الإعلام بذلك يتحول إلى أداة تغيير اجتماعي، وليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار. لكي يستمر هذا التحول، يحتاج الإعلام الصومالي إلى: تعزيز مشاركة النساء في مواقع القيادة والتحرير، دعم المنصات النسوية المستقلة، توفير برامج تدريب وبناء قدرات للصحفيات، استخدام الإعلام لتسليط الضوء على قصص نساء لم ترو بعد، بناء خطاب إعلامي يواكب التحولات السياسية والاجتماعية في البلاد.
إن تحول صورة المرأة الصومالية في الإعلام لم يكن مجرد خطوة نحو تحسين التمثيل البصري أو السردي، بل كان علامة على نهضة اجتماعية عميقة تعيد للمرأة مكانتها الطبيعية في صناعة الوعي الجمعي، لقد أثبتت النساء الصوماليات أن لهن القدرة على صياغة خطاب إعلامي جديد يعتمد على المهنية والجرأة ورواية الحكايات التي لم يسمح لها بأن تروى سابقاً، ومع استمرار صعود الأصوات النسائية وتزايد حضورهن في الفضاءات الإعلامية التقليدية والرقمية، يبدو المستقبل واعداً بصورة أكثر عدلاً وتوازناً، صورة لا تبنى على النمطية، بل على الحقيقة والإبداع والتأثير.