تحرير المرأة... من الجنولوجي إلى بناء السلام ـ 2
على مدار ثلاثة عقود، شكلت حركة تحرير المرأة في كردستان نموذجاً ثورياً في بناء السلام والديمقراطية، مستندة إلى فكر القائد عبد الله أوجلان ومبادئ الحرية والمساواة.

اكاديمية جنولوجيا
مركز الأخبار ـ على مدار 32 عاماً، أعطى القائد أوجلان دوراً استراتيجياً لنضال حركة حرية المرأة في كل مبادراته وجهوده الرامية إلى تحقيق الحل السياسي والسلام في كردستان والشرق الأوسط، ففي عام 1993 وبعد إعلان وقف إطلاق النار الأول كشف القائد أوجلان عن جيش المرأة كأساس لحل المشكلات الاجتماعية والسياسية والفلسفية وقضايا السلام، وفي عام 1995 تم تأسيس YAJK كحركة لتحرير المرأة في كردستان في المجالات العسكرية والاجتماعية والسياسية وتم إعلان وقف إطلاق النار الثاني، وفي عام 1998، أعلن القائد عن حركة تحرير المرأة ومهد الطريق لتشكيل حزب نسائي وأعلن وقف إطلاق النار الثالث، وخلال مرحلة إمرالي، قيّم القائد أوجلان بشكل شامل واجبات قيادة حركة تحرير المرأة في جميع مجالات الحياة والنضال من منظور التغيير الاستراتيجي لحركة الحرية، استناداً إلى نموذج المجتمع الديمقراطي البيئي وتطلع المرأة إلى الحرية.
هذه الواجبات، التي حددها القائد أوجلان بإيجاز في لقاء عام 2002 بكتابة تاريخ المرأة، وتنفيذ ثورة المرأة، وتحقيق تحالف اجتماعي للنساء تشمل واجبات فكرية وسياسية وأخلاقية، فمن جهة، فقد أوضح لنا خطوات إنشاء نظام كونفدرالي نسائي من خلال مشاريع مثل إنشاء دور المرأة الحرة، ووقف المرأة الحرة، والتعاونيات، والحدائق، والمدن النسائية، وبهذه الطريقة، أعطى القائد أوجلان لحركة حرية المرأة مهمة رائدة في بناء نظام إدارة ذاتية ديمقراطية قائم على دفاع المرأة عن نفسها وتطوير السياسة الديمقراطية في المجتمع، وبناء اقتصاد جماعي، والتعليم والعدالة الاجتماعية، وابتكر باستمرار أجندات جديدة للتغيير الديمقراطي وتحويل العقلية الذكورية وإنهاء ثقافة الاغتصاب والإبادة الجماعية ضد المرأة والمجتمع والطبيعة، علاوة على ذلك، أصبح تأسيس الجنولوجي ومفهوم التعايش الحر بمثابة مبادئ توجيهية لتعميق النضال من أجل حرية المرأة كأساس لمجتمع ديمقراطي يصبح استراتيجية وهدف نضالنا.
من جهة أخرى ناضل القائد أوجلان في إطار صيغة "الدولة + الديمقراطية"، من أجل إحداث تغييرات ديمقراطية في عقلية الدولة ومؤسساتها، وسعى إلى كسر سياسات الإنكار والتدمير ضد الشعب الكردي، ولتمهيد الطريق لحل ديمقراطي وسلمي يُرضي جميع الأطراف طوّر القائد أوجلان نداءات وخارطة طريق، وأجرى حواراً مع سلطات الدولة، وفي الوقت نفسه، أولت القيادة أهميةً لأجندة حقوق المرأة وحرياتها وتطوير نظام الرئاسة المشتركة والتمثيل المتساوي للمرأة في الأنشطة السياسية والدبلوماسية.
إذا قمنا بتقييم نتائج 32 عاماً من عمل ونضال القائد أوجلان من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي، فإننا نرى أن خطواته من أجل السلام أدت أيضاً إلى تأميم حركة تحرير المرأة والتضامن والموقف المنظم للنساء في السياسة القانونية، وإنشاء الحكم الذاتي الديمقراطي.
تولّت حركة تحرير المرأة والمدافعون عن حقوق الإنسان زمام المبادرة وقيادة تنظيم حركة السلام في تسعينيات القرن الماضي عندما كانت الحرب في تركيا على أشدّها، وتُعدّ مبادرات وحملات مثل "لا تعتدي على صديقي وصديقاتي" (1993)، و"أمهات السبت" (1995)، و"أمهات السلام" (1996)، و"التجمعات النسائية من أجل السلام" (2004)، و"حان وقت السلام" (2005)، والتي كان لها تأثيرٌ كبيرٌ في هذه العمليات، أمثلة على هذا النضال. وتُعدّ مبادرة "أمهات السلام" التي أسّستها أمهات كرديات و"أمهات السبت"، اللواتي يواصلن أنشطتهن للبحث عن المفقودين وتحقيق العدالة، جهات فاعلة مهمة في السياسة الاجتماعية في تركيا.
ومنذ عام ٢٠٠٩، تُنظّم مبادرة المرأة من أجل السلام (BİKG) أنشطةً وجهوداً نسائية في المناطق الغربية من تركيا، مُعرّفةً نضال المرأة من أجل السلام بأنه نضال استراتيجي اجتماعي وأيديولوجي وسياسي، وتواصل هذه المنظمات المختلفة التي تأسست على أساس النضال من أجل السلام أنشطتها لرفع مستوى الوعي المجتمعي وتعزيز التضامن الشعبي من خلال أساليب مثل المظاهرات والتجمعات والمسيرات والاجتماعات وحملات جمع التواقيع.
في محادثات السلام التي بدأت في إمرالي عام 2013، شاركت ممثلة مباشرة لحركة المرأة في وفد حزب الشعوب الديمقراطي لأول مرة في عام 2015، وتم إنشاء مجلس حرية المرأة (KÖM) بهدف مشاركة أجندات المرأة ونقل مطالب المجتمع إلى طاولة المفاوضات من خلال ممثلة لحركة المرأة.
كان من المفترض أن يُقدّم مجلس KÖM وهو مجلس مشترك للنساء الكرد والناشطات والنسويات في غرب تركيا، منظوراً لتحرير المرأة في عملية مفاوضات السلام الرسمية، إلا أنه في العام نفسه، علّقت الدولة مفاوضات إمرالي فوراً، ثم اندلعت الحرب مجدداً، خلال هذه العملية شكّل الضغط الشديد من الدولة أكبر عقبة أمام نضال المرأة من أجل السلام، بتدميرها طاولة المفاوضات وتجاهلها إرادة المرأة أشعلت الدولة الحرب والنزعة القومية والتمييز الجنسي من جديد، وبعد أشهر قليلة من انتهاء عملية المفاوضات أصبحت الدعوة إلى السلام جريمة كبرى.
اجتمعت نساء من تركيا وكردستان، برعاية منظمة BİKG، وناقش الاجتماع تجارب المرأة حول العالم لضمان المشاركة الفعالة للمرأة في عملية السلام، كما تم أخذ أمثلة لدور المرأة في المصالحة الاجتماعية كمراجع، وتحت شعار "لا نهاية للحرب إلا بسلام مع النساء"، بُذلت جهود لضمان تمثيل متساوٍ للمرأة في عملية التفاوض، وخططن لعقد اجتماعات مع جميع الأطراف المعنية لجمع آراء ومقترحات جميع شرائح المجتمع من أجل سلام عادل وحقيقي ووضعها على الأجندة، وعلى وجه الخصوص، بُذلت جهود لتعديل القوانين التي تجاهلت احتياجات المرأة ومطالبها.
وبناءً على ذلك، تم تشكيل خمس لجان داخل BİKG، الأولى لجنة الحقيقة النسائية لكشف جرائم الحرب المختلفة ضد المرأة، والثانية لجنة المساواة بين الجنسين والدستور لمناقشة التعديلات القانونية الهادفة إلى ضمان المساواة بين الجنسين وتعويضات جرائم الحرب ضد المرأة، والثالثة لجنة إصلاح الأمن لتحديد لوائح الأمن الإنساني ولمنع الجرائم ضد المرأة، والرابعة لجنة الصحافة والإعلام لوضع آراء المرأة ومطالبها من أجل السلام على جدول الأعمال، والأخيرة لجنة العلاقات والمراقبة لمتابعة عملية الحل بشكل نشط، وتقييم العملية من منظور المرأة، وعقد اجتماعات مع جميع الفئات الاجتماعية، وخاصة المجموعات النسائية، وجميع الأطراف لتحديد التوقعات المشتركة للمرأة وآرائها من أجل سلام دائم.
عندما تحولت عملية الحوار إلى مفاوضات، كان من الضروري أن تجلس النساء على طاولة المفاوضات بمطالبهن الملموسة وأن ينظمن أنفسهن في هذا السياق، ولهذا السبب، أعادت حركة تحرير المرأة تنظيم نفسها في عام 2014 تحت اسم مؤتمر المرأة الحرة (KJA) ومن أجل بناء البنية التحتية لتحالف اجتماعي جديد، تم إنشاء اللجان السابقة لتوضيح احتياجات ومطالب المرأة في جميع مجالات الحياة، ونُفذت أعمال تحضيرية بشأن القضايا المختلفة بدءً من الاقتصاد وحتى الدبلوماسية، ومن البيئة إلى القانون، ومن السياسة إلى الدفاع عن النفس.
تألف وفد حزب الشعوب الديمقراطي في البداية من امرأة واحدة ورجلين، لم تسمح الدولة لممثلة حركة تحرير المرأة بالانضمام إلى الوفد لفترة طويلة، ومع ذلك، حمى القائد عبد الله أوجلان تمثيل الحركة النسائية كمبدأ في عملية التفاوض وخاض نضالاً كبيراً من أجل ضمان وتحقيق ذلك، وخلال عملية التفاوض، أصبح الوفد يتكون الآن من امرأتين وثلاثة رجال، وكانت مشاركة أحد أعضاء تنسيقية حركة تحرير المرأة خطوة مهمة نحو تمثيل إرادة ومطالب المرأة بشكل مباشر.
كما أعدت النساء خارطة طريق لعملية السلام والديمقراطية، استناداً إلى أربعة مبادئ:
1ـ التعريف الصحيح؛ يجب تعريف قضية المرأة تعريفاً صحيحاً، فمشكلة المرأة ليست مجرد مشكلة جنسانية، بل هي مشكلة قديمة في الشرق الأوسط، إنها مشكلة رئيسية ذات جذور اجتماعية وسياسية واقتصادية وأخلاقية وسياسية، كما أن أسباب ظهور قضية حرية المرأة تكشف عن سبل وأساليب حلها في نفس الوقت.
2ـ التعبير القانوني؛ لا يُعرّف الدستور الحالي وجود المرأة وهويتها وحقوقها ولا قضية حريتها وسبل حلها، في العديد من المواد والقوانين المختلفة، تُذكر المرأة بشكل رئيسي كضحية، وفي قانون الأسرة والقانون المدني، يُركّز على شرعية الأسرة، يجب تحديد هذه القضايا وحلّها على أساس حرية المرأة.
3ـ المشاركة المتساوية والمنظمة في النظام الكونفدرالي؛ ثمة حاجة لتقييم وتعريف نظام المرأة بأكمله، وبالتالي مكانة المرأة ومشاركتها في النظام الكونفدرالي. من المهم أن تحصل المرأة على مشاركتها المتساوية والمنظمة، بدءاً من المشاركة في السياسة الديمقراطية ووصولاً إلى الدفاع عن النفس والتنظيم الذاتي ومجالات الحياة الأخرى.
4ـ المساواة والحرية في الأسرة؛ إعادة تنظيم العلاقات بين الرجل والمرأة، وقوانين الزواج، والنظرة إلى الزواج، وقضايا الطلاق، وإرادة المرأة وحقوقها في أنجاب وتربية الأطفال، وتعريف العمل المنزلي ودورها الريادي فيه، والتوزيع العادل للملكية، ونهج التعليم، والعديد من القضايا الأخرى، بمشاركة إرادة المرأة وأفكارها.
في سياق اليوم، من المهم تحديث هذه المبادئ وتنشيط عمل اللجان الخمس، ومن المهم أيضاً تبادل تجارب النساء وإجراء مناقشات مشتركة بشأن عمليات التفاوض والحل في شمال كردستان وإقليم شمال وشرق سوريا.
وفي الفترة ما بين 2013 و2015، لعبت حركة حرية المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا دوراً رائداً في بناء الأمة الديمقراطية ونظام الإدارة الذاتية الديمقراطية، وفي حرب الدفاع عن الثورة ضد هجمات النصرة وداعش، وكذلك في السياسة والدبلوماسية، من ناحية أخرى، أنشأت النساء منظماتهن وأنظمتهن المستقلة، على سبيل المثال، تم إنشاء مجلس المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا كآلية لصنع القرار والإرادة المشتركة للنساء من جميع الخلفيات.
كما عمل مجلس المرأة السورية من أجل السلام والتغييرات الديمقراطية في سوريا مع النساء من جميع الخلفيات ومن أجل وضع دستور جديد وديمقراطي لسوريا، بالإضافة إلى ذلك، عززت المؤتمرات والأنشطة النسائية من أجل وحدة المرأة الكردية وإنشاء شبكات تضامن للنساء في الشرق الأوسط صوت ولون المرأة في النضال من أجل السلام والديمقراطية والحرية.
من ناحية أخرى، ناضلت النساء من أجل إرساء نظام الرئاسة المشتركة وتمثيل متساوٍ للمرأة في جميع مجالات الحياة وفي جميع المؤسسات وآليات صنع القرار في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية، كما احتلت المرأة مكانة متساوية وفعّالة في العمل التشريعي والعقد الاجتماعي، ومن خلال العمل والتثقيف الاجتماعي، حققت المرأة إنجازات مهمة في تغيير الذهنية السلطوية، ومع ذلك، لا تزال هناك أوجه قصور في تحقيق مجتمع ديمقراطي يدير نفسه بمشاركة وإرادة جميع الشرائح على أساس الديمقراطية المباشرة والاقتصاد الجماعي والعدالة الاجتماعية والبيئة وحرية المرأة، مصدر أوجه القصور هذه هو أولاً وقبل كل شيء، مرتبطة بأوجه قصورنا في بناء عقلية وشخصية وحياة وفقاً لنموذج المجتمع الديمقراطي البيئي وحرية المرأة، لقد أدى بنا تسويفنا وترددنا في فهم وتطبيق وجهات نظر القائد عبد الله أوجلان إلى حقيقة أننا لم نتمكن حتى الآن من تحقيق فرص الحل السياسي والسلام التي وضعها القائد أوجلان خلال عملية إمرالي.
تُظهر لنا تجارب السنوات الخمس عشرة الماضية أهمية تعزيز تنظيم توازن جهودنا الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية وقواسمها المشتركة؛ وتشغيل آليات ومنظمات مستقلة وعامة على أساس الديمقراطية المباشرة بمشاركة إرادة المجتمع؛ وإشراك جميع شرائح المجتمع والهياكل والدوائر السياسية المختلفة في العملية بطريقة بناءة، يجب أن ترتكز مشاركة المرأة في المجال السياسي على القوة المنظمة للحركة الاجتماعية النسائية، وإدراكاً منا بأن "حرية المرأة أساس جميع الحريات"، يجب أن نكون يقظين تجاه المقاربات التي تقول "الآن ليس وقت قضايا المرأة"؛ وتطوير تدابير قانونية واجتماعية للدفاع عن النفس ضد التمييز الجنسي الاجتماعي والإبادة الجماعية ضد المرأة.
ولكي نؤدي مسؤولياتنا السياسية والأخلاقية والفكرية على أكمل وجه في هذه العملية، من الضروري تحليل تجاربنا معاً وتحديد خارطة الطريق للسياسات الاجتماعية النسائية، وفي هذا السياق، وفيما يتعلق بالسياسة الاجتماعية من الضروري أيضاً مشاركة النساء من كافة قطاعات المجتمع في عمليات النقاش وصنع القرار، ويجب أن ترتكز الاتفاقيات المتعلقة بالمبادئ والسياسات والاستراتيجيات الخاصة بالمرأة على الإرادة والمواقف المشتركة للمرأة في المجتمع، إذا لم يحدث ذلك، فهناك خطر من أن تتأسس سياسات نخبوية جديدة، وللأنشطة مثل مؤتمرات المرأة واجتماعاتها أهمية بالغة، لذلك، من الضروري أن نتجاوز النهج الرسمي والقصير الأمد، واعتبارها عملية للوصول إلى إرادة وقرارات مشتركة، كما ينبغي على جميع المشاركات اتباع قرارات المؤتمرات وتنفيذها، ومن المهم أيضاً مشاركة المناقشات والتطورات والعقبات في هذه العملية مع الحركات النسائية والناشطات من مختلف البلدان من أجل تنظيم التضامن الأممي.