تحالف ندى: العنف الجنسي في النزاعات جريمة حرب والعدالة للناجيات ضرورة ثورية

أكد التحالف النسائي الديمقراطي الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "ندى" أن العنف الجنسي في النزاعات ليس مجرد اغتصاب، بل منظومة كاملة من الإذلال والسيطرة والتفكيك الممنهج للبنية الاجتماعية عبر استهداف النساء والفتيات تحديداً.

مركز الأخبار ـ يُصادف اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع في 19 حزيران/يونيو من كل عام، وقد أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015 بهدف تسليط الضوء على الجرائم الجنسية المرتكبة خلال النزاعات المسلحة، ومحاسبة الجناة، ومنع الإفلات من العقاب.

في اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع والذي صادف أمس الخميس 19 حزيران/يونيو أصدر التحالف النسائي الديمقراطي الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "ندى" بياناً جاء فيه "أن هذا اليوم لا يمثل ذكرى رمزية، بل هي ذكرى لفضح الصمت الدولي، إن ما تحتاجه الناجيات لا يتمثل في يوم عالمي، بل في ثورة نسوية حقيقية وعدالة فعلية تُنصف الضحايا وتُحاسب الجناة، لذلك نرفع من خلاله صوتنا ضد جريمة لم تكن يوماً استثناءً في الحروب بل كانت ومازالت إحدى أدواتها المركزية، حيث يتحوّل الجسد النسائي إلى ساحة حرب تُنتهك حرمته لإذلال جماعي لتصفية حسابات سياسية لإرهاب المجتمع، أو لإعادة رسم التوازنات بالقوة".

وأشار البيان إلى أنه من البوسنة إلى الكونغو، من العراق إلى سوريا ومن السودان إلى فلسطين تكرّرت المأساة ذاتها، اختطاف، تعذيب، اغتصاب جماعي، سبي، واتّجار بالنساء في أسواق النخاسة الحديثة، تتبدّل وجوه المجرمين لكن البنية واحدة أنظمة استبدادية ورجعية، تنظيمات ذكورية متطرفة، وتحالفات عسكرية تستخدم الجسد النسائي كأداة غزو وردع واحتلال.

وأوضح البيان أنه منذ أن أقرّت المحكمة الخاصة بسيراليون في 19 حزيران/يونيو 2008 العبودية الجنسية كجريمة ضد الإنسانية، أصبح هذا التاريخ منصة للناجيات، وللمطالبة بالعدالة، وللثورة على الإفلات من العقاب، وشاهداً على واحدة من أعتى جرائم الحروب.

وأكد التحالف أنه "بالرغم من أن الأمم المتحدة في عام 2015 أقرت هذا اليوم يوماً عالمياً، تكريماً للناجيات وللناجين من العنف الجنسي في النزاعات وتذكيراً للمجتمع الدولي بمسؤوليته الأخلاقية والقانونية لكننا في تحالف ندى نعلنها بوضوح أن هذا الاعتراف لا يكفي فالناجيات لا تحتجن إلى يوم عالمي بل إلى عدالة ثورية وتغيير جذري وأنظمة تحمي لا تشرعن الاغتصاب".

ولفت البيان إلى أن العنف الجنسي في النزاعات ليس مجرد اغتصاب، بل منظومة كاملة من الإذلال والسيطرة والتفكيك الممنهج للبنية الاجتماعية عبر استهداف النساء والفتيات تحديداً، باعتبارهن حوامل الهوية الجمعية وركائز النسيج المجتمعي، حيث يشمل الزواج القسري، الحمل القسري، البقاء تحت التهديد، الاتجار الجنسي، التعقيم القسري، الإهانات الجنسية، التشهير، وحتى تشريع قوانين تحمي الجناة وتُجرّم الضحايا، كما في قوانين العفو عن المغتصب وزواج القاصرات وغسل العار.

وشدد البيان على أن العنف الجنسي ليس أثراً جانبياً للحرب، بل استراتيجية حربية قائمة بحد ذاتها تشارك فيها الميليشيات والجيوش النظامية والدول الرجعية والاستبدادية، وأحياناً القوات الدولية، وهو ما يجعل هذه الجريمة الأخطر والأكثر استخفافاً وتواطؤاً من قبل المؤسسات الدولية.

وطالبت التحالف في بيانه بضرورة فتح تحقيقات شاملة حول تلك الجرائم، خاصة تلك التي جرت أثناء حرب القضاء على داعش في العراق وسوريا، والحرب في السودان، والإبادة في غزة، وملاحقة ومحاكمة جميع مرتكبي جرائم العنف الجنسي في النزاعات كمجرمي حرب في محاكم مختصة، دولية ومحلية مستقلة، اعتبار العنف الجنسي في النزاعات جريمة ضد الإنسانية في جميع دساتير العالم دون تمييع أو تبرير، وإنشاء صندوق دعم عالمي للناجيات تديره جهة دولية أممية مستقلة تضمن لهن العلاج، الحماية، والإدماج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إضافة إلى إشراك الناجيات في كافة مراحل العدالة الانتقالية وبناء السلام، وضمان توفير إيوائهن وتأهيلهن، وعدم التعامل معهن كضحايا بل كقائدات وشاهدات على كتابة التاريخ، رفض سياسات "العفو مقابل الزواج"، "الشرف"، وكل القوانين التي تشرعن الاغتصاب تحت مسميات ثقافية أو دينية، وحظر استغلال العنف الجنسي في الحملات الإعلامية أو السياسات الإغاثية الدولية، ورفض تسييس معاناة النساء، وضمان آليات حماية خاصة للنساء والفتيات في مخيمات النزوح واللجوء، تحت إشراف نسوي مستقل، تمنع إعادة إنتاج الانتهاك في مناطق يُفترض أنها آمنة.

ووجه تحالف ندى في بيانه نداءً إلى كل من المحكمة الجنائية الدولية لفتح ملفات العنف الجنسي المغلقة، وتوسعة الولاية القضائية لتشمل فلسطين، السودان، سوريا، العراق، وغيرها من الدول، والمنظمات الدولية للتحرّك خارج لغة الإدانات الباهتة، فالمطلوب أفعال ملموسة ومساءلة علنية، إضافة إلى الحكومات لتفكيك البنى القانونية التي تشرعن العنف ضد النساء، خصوصاً قوانين "الشرف"، "الزواج القسري"، "العفو عن المغتصب إن تزوج ضحيته" وإلى وسائل الإعلام لكسر التواطؤ، ومواجهة ثقافة التشييء بالصوت النسوي الصادق والكفّ عن تصوير الناجيات كقصص مأساوية بل تسليط الضوء على صمودهن ومطالبهن السياسية، وإلى التحالفات النسوية الإقليمية والعالمية لتجاوز التنديد وتصعيد التنسيق وتشكيل جبهة نسوية أممية تلاحق وتحاسب الفاعلين وتبني بدائل نابعة من الأرض من مقاومة النساء أنفسهن وبناء أدوات حماية قائمة على الديمقراطية الجندرية، إلى جانب الحركات الشعبية والأممية لأنه لا حرية للشعوب في ظل اغتصاب النساء لا تحرر بلا نساء حرّات.

وبمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع، أطلق تحالف "ندى" مجموعة من الشعارات من بينها "من سيراليون مرورا بالعراق وسوريا والسودان إلى غزة أجسادنا ليست غنائم حرب، العدالة لا تأتي بلا صراخ الناجيات، العدالة للناجيات ليست خياراً إنها ضرورة ثورية، حطموا الإفلات من العقاب، حرّروا العدالة من ذكوريتها، العنف الجنسي سلاح دول وأنظمة ولن نُسامح، نحن النساء، لسنا هامش الحروب بل قلبها، من روج آفا والعراق إلى غزة، من دارفور إلى سيراليون سنرفع راية العدالة ونُعلن لا سلام بدون مساءلة، لا تحرير بدون إنهاء العنف الجنسي، ولا مستقبل لمجتمعات ديمقراطية إن لم تكن نسوية".