رغم الصعوبات والتحديات إقبال كبير على البحث العلمي من قبل المرأة
تقبل المرأة التونسية على البحث العلمي بالرغم من التحديات والصعوبات التي تعترض طريقها وعلى رأسها النوع الاجتماعي وضعف التمويل في هذا المجال.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ بلغت نسبة الخريجات 70% حيث يتفوقن على الذكور في درجة الدكتوراه، كما بلغ عدد الباحثات في مراكز البحث التابعة لوزارة التعليم العالي 66% ، بالإضافة لتطور حضورها في التدريس والبحث العلمي وأصبحت تمثل 50% من الإطار الموجود، ورغم المؤشرات المذكورة يبقى طريق البحث العلمي أمام المرأة غير سالك ومحفوف بالكثير من التحديات التي تحول دون تحقيق طموحاتها في مجال البحث في الوقت وبالكيفية المطلوبة.
نظمت جمعية جامعيون تونسيون من أجل الحريات والحقوق الأكاديمية يوماً دراسياً في 8 شباط/فبراير الجاري بالتعاون مع الشبكة الدولية للجامعيين للدفاع عن الحريات الأكاديمية تحت عنوان "تمويل البحث العلمي وأثره على الحريات الأكاديمية".
وقالت الكاتبة العامة بالجمعية فاتن مداح "نظمنا هذا اليوم الدراسي احتفالاً باليوم العالمي للحريات الأكاديمية وتطرقنا فيه إلى التمويل الأكاديمي حسب الاختصاصات العلمية والإنسانية والاجتماعية وأيضاً الحريات الأكاديمية المتعلقة بالنوع الاجتماعي، لكن السؤال المطروح كيف يمكن الحصول على التمويل مع الحفاظ على الحريات؟ وكيف يمكن أن نجد نقطة تلاقي بين التمويل والحريات الأكاديمية؟ وهل سنرضخ لسلطة التمويل أم سنفرض هذه الحريات؟ وكيف نجد هذا التوازن بينها؟، أسئلة كثيرة تتطلب الإجابة عليها ويجب التحلي بالجدية من قبل الباحثين والممولين".
وأضافت أن الفصل 45 من الدستور التونسي يحفظ الحريات الأكاديمية لكن المشكلة تكمن في مستوى التطبيق "ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بحدود 4% فقط وهي ليست مخصصة للبحث العلمي فحسب بل لكامل وزارة التعليم العالي بما في ذلك الأجور، وعندما نطرح مشكلة التمويل فإننا نتحدث عن سياسة الدولة البحثية والتي يجب أن تشجع البحث العلمي منذ مراحل التعليم الأولى".
وعن مكانة المرأة في مجال البحث العلمي قالت "تشترك مع الرجل في كل هذه التحديات بالإضافة لما تحمله من مسؤوليات أسرية من رعاية أبنائها وزوجها قبل التفكير في البحث العلمي، وغالباً ما تجد نفسها غير قادرة على تحقيق ما هو أفضل بعد مرور السنين".
وأشارت أنه بالرغم من مشاركة المرأة في المجال البحثي كأستاذ باحث إلا أنه بالعودة إلى الحياة الجامعية ما بين عامي 2017 و2021 فإن الرجل سبق المرأة بخطوات عديدة إلى مواقع صنع القرار، وكذلك التأهيل العلمي بالنسبة للمرأة أقل بكثير مقارنة بالرجل بمعنى آخر هي تعمل في المخابر وخلف الكواليس وعند انتخاب العمداء والمدراء فالأولوية للرجال.
بينما قالت أستاذة بكلية العلوم بتونس مختصة في البيولوجيا عاطف عزونة إن "المرأة في تونس لها دور بارز وهام في مجال البحث العلمي لكن عندما يتعلق الأمر بالإدارة نجد الرجل في المقدمة فالأمور يعود على التقييد الذي فرضه المجتمع على دورها وإلزامها بمسؤوليات أسرتها وإبعادها عن المناصب العليا في المؤسسات التي نراها حكراً على الرجال فقط".
وعن الصعوبات التي اعترضت مسيرتها كباحثة قالت "أبرزها النقص في الثقافة السياسية في مجال البحث العلمي وانخفاض مستوى الأخلاق البحثية التي يجب أن يتحلى بها الأستاذ فالعلاقات داخل المخابر لا تقوم على الاحترام والتشاركية بل على الصراعات، وهناك أنانية مفرطة لدى الشباب وهذا لن يدفع بعجلة البحث نحو الأمام"، مؤكدةً أن "تبادل المعلومات والعطاء أفضل بكثير من الانفراد بالمعلومة وعدم التصريح بها خوفاً من سرقة الأفكار، والطالب يأخذ عن أستاذه مثل هذه السلوكات سواء الإيجابية أو السلبية منها".
واعتبرت أن البحث هو سلوكية التصرف داخل الإدارة وفي المختبر ومع الطلبة "جميعها تنضوي ضمن الثقافة الأدبية التي نفتقر إليها في الجامعات التونسية، وبالنسبة لحرية البحث فمنذ عام 2011 لم يعد هناك تضييقات لكن التمويل يبقى هو المشكلة الرئيسية خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تسببت في انخفاض ميزانية التعليم عموماً والبحث العلمي خصوصاً، وهناك تمييز بين تمويل العلوم الصحيحة والعلوم الإنسانية والنوع ليس له أهمية في التمويل حيث يتم فقط اعتماد الملف العلمي بينما البيداغوجي لا يتم اعتماده".
وحول البحوث التي قدمتها خلال 30 سنة في المجال البيئي قالت "تمحورت أبحاثي حول كيفية المحافظة على البيئة ومراقبتها والتنوع البيولوجي البحري واختصاصي في مجال علم البيولوجيا فتح لي آفاقاً عديدة منها طريقة التعامل مع الناس وكيفية تجاوز الصراعات فالعلوم تجعل الباحث منغلق على مجال اختصاصه، إلا أنني لم أجد الحاضنة المناسبة فبعض المؤسسات كمؤسسة علوم البحار التابعة للمعهد الوطني لعلوم البحار ووزارة الفلاحة يعتبروننا دخلاء وهو مقلق نوعاً ما".
وفي سياق متصل قالت الأستاذة المساعدة في علوم التربية بمعهد العلوم الإنسانية بجندوبة عفيفة محجوب إنه "على امتداد أكثر من 20 عام درست بالمرحلة الثانوية كأستاذة تعليم ثانوي كوني أبنائي كانوا صغاراً فلم استطع العودة إلى استكمال مرحلة التعليم العالي، ولكن بعد أن كبروا قليلاً وجدت هامشاً من الحرية للعودة إلى الدراسة"، مضيفةً أنها أستاذة علوم فيزيائية واختارتها لتكون أساس الدكتوراه في علوم التربية وحالياً تدرسها بالمعهد العالي في جندوبة .
وأكدت أن "ميدان البحث ليس سهلاً على المرأة على الرغم من أن العلوم الإنسانية تقتصر بشكل كبير على الكتابة ولا تتطلب القيام بالتجارب المخبرية ولكن تعتمد على القراءة والمتابعة والمشاركة في الندوات والمؤتمرات، وبالنسبة للصعوبات التي تعترض المرأة في مجال البحث العلمي فحسب تجربتي قصيرة المدى فأنا لم أشعر أن هناك جندرة فميدان البحث في تونس تقريباً فرضت فيه المرأة ذاتها إلا أن الصعوبة تكمن في قلة الإمكانيات والتمويل التي تؤثر على توجهات البحث العلمي وللأسف هو واقع موجود ولكن أخلاقيات الباحث تجعله يحافظ على التوازن بين استحقاقات التمويل وأفكاره ومن الصعب شراء الباحث فهو على درجة متقدمة من الوعي".
من جانبها تقول طالبة دكتوراه في مجال العلوم البيولوجية والبيئة رحاب حذيري "أبحاثي تقتصر على الأحياء الدقيقة ومعالجة المياه التي تمثل معضلة كبيرة، وهناك الكثير من صعوبات في هذا المجال تتعلق بمدى توفر مستلزمات المخابر التي لا نجد فيها أبسط المتطلبات"، مؤكدة أنها لا ترغب في الهجرة بحثاً عن إمكانيات أفضل بل ترغب في مواصلة الدراسة بتونس والاستثمار فيها وهذا مهمة الجهات المعنية التي يجب أن تسخر إمكانيات أفضل للتشجيع على البحث.
كما تقول إيمان العدوز باحثة في العلوم البيولوجية "كمهندسة في التنمية الصناعية أمتلك مكتب استشارات في الصحة البيئية ولكن فكرت في العودة للدراسة تطويراً للذات على الرغم من أن ميدان البحث بالنسبة للمرأة ليس سهلاً كونه يتطلب وقتاً وجهداً وتمويلاً وتغيير لنظرة المجتمع التي تحول دون ضلوع المرأة في هذا المجال".