"‬رفعت عيني للسما" فيلم يجسد تمرد فتيات على التقاليد ‬

لا تزال الدورة الـ 21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، التي انطلقت في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، مستمرة بفعالياتها.

رجاء خيرات

مراكش ـ ‫شارك الفيلم التسجيلي "رفعت عيني للسما" الذي يجسد تمرد فتيات على التقاليد البالية وتشبثهن بأحلامهن، ضمن مسابقات الدورة الـ 21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الذي يختتم فعاليات غداً السبت 7كانون الأول/ديسمبر.

مونيكا يوسف وماجدة مسعود وهايدي سامح ومارينا سمير ومريم نصار وليديا هارون ويوستينا سمير، فتيات ينحدرن من قرية برشا من محافظة المنيا بمصر، تقررن بكل شجاعة وجرأة أن ينشأن فرقة مسرحية أطلقن عليها "بانوراما برشا"، يقدمن من خلالها عروضاً مستوحاة من الفلكلور الشعبي للمنيا في شوارع القرية، من أجل التعريف بالقضايا التي تؤرقهن مثل الزواج المبكر والمشاكل الأسرية وتعليم الفتيات وتحقيق الأحلام الكبيرة.

في مجتمع محافظ ومنغلق وبمنطقة بعيدة تتمرد الفتيات على التقاليد والأعراف السائدة في مجتمعهن، وتحاولن تغيير الصور النمطية حول الفتيات والنساء، من خلال العروض التي يقدمنها في الشارع، لكل واحدة حلمها الخاص الذي تسعى لأن تحققه رغم الإكراهات والضغوطات، هذا ما صوره الفيلم التسجيلي "رفعت عيني للسما" للمخرجين ندى رياض وأيمن الأمير، الذي تدور أحداثه بقرية بشا بمحافظة المنيا بمصر والذي تم عرضه بمهرجان مراكش الدولي للفيلم، ضمن العروض الخاصة، حيث لاقى استحسانا من قبل جمهور المهرجان.

ويرصد الفيلم حياة هؤلاء الفتيات على مدى أربع سنوات وهي المدة التي استغرقها تصوير العمل، وواكب جميع مراحل حياتهن، ومع تطور الأحداث تتشبث بعضهن بأحلامهن وتتخلى أخريات عن مشروعهن، فيما تحمل فتيات صغيرات أخريات مشعل المطالبة ببعض الحرية والحلم وإسماع صوتهن بأن يحققن مشاريعهن.

الفيلم شارك ضمن المسابقة الرسمية لأسبوع النقاد بمهرجان كان في نسخته الـ 77 لعام 2024، وفاز بجائزة العين الذهبية للمهرجان، مما كان له وقع كبير، سواء على بطلات الفيلم أو أهل قرية برشا الذين استقبلوا الفتيات باحتفالية كبيرة تليق بالنجاح الذي حققنه.

وعن تفاصيل الفيلم وكيف فكرت المخرجة ندى رياض في تصويره قالت على هامش المهرجان، إنها كانت تسافر كثيراً للصعيد في مصر خلال الفترة ما بين 2014 ـ 2016، حيث كانت تعمل مع مؤسسات تعنى بقضايا النساء وتدعمهن في المناطق النائية والبعيدة عن العاصمة، إلى أن التقت صدفة بمجموعة من الفتيات بقرية برشا بمنطقة المنيا يطلقن على أنفسهن فرقة مسرح "بانوراما برشا"، يقدمن عروضاً مستوحاة من الفلكلور الشعبي الصعيدي في شوارع القرية.

ولفتت إلى أنها شعرت بأن لهن طاقة غير طبيعية، خاصة وأنهن كن صغيرات في السن ما بين 14 و15 عاماً، يمارسن مسرح الشارع ويواجهن الجمهور بجرأة غير معهودة للتعريف بقضاياهن ومشاكلهن بشكل فني مبهر كالزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات وتحقيق الأحلام.

وذكرت أنها بداية حضرت لعرضٍ بعنوان "الفرح" وكان يتحدث عن الزواج المبكر، حيث كانت الفتيات يرددن أغاني شعبية مستخدمات عبارات تدل على رفضهن للزواج في سن مبكر "عندها شعرت أنني تعلقت بهن لدرجة كبيرة وعندما عدت إلى القاهرة قلت لشريكي أيمن الأمير إنني مهتمة بهؤلاء الفتيات ومتعاطفة معهن، وبدأنا نتناقش حول الموضوع إلى أن نضجت فكرة إنجاز فيلم وثائقي حول الفتيات بطلات الفيلم، وأخذنا مسافة طويلة لنفهم أن هؤلاء الفتيات لهن أحلام كبيرة جداً تفوق الإمكانيات المتوفرة في منطقة نائية، منهن من تحلم بأن تصبح مغنية وهناك من ترغب في أن تصبح راقصة باليه، ثم أخرى تطمح لأن تصبح ممثلة مسرح، وهن يقمن في منطقة بعيدة ولا أحد يكترث لأحلامهن الكبيرة".

وعما إذا كانت منطقة الصعيد أو الدنوب المصري عموماً تتميز بتحفظ أهلها على دخول الفتيات لمجال المسرح، قالت إن "لكل منطقة في مصر خصوصيتها التي تختلف عن مناطق أخرى بحكم التنوع الثقافي الذي يميز كل منطقة، حيث هناك الواحات والقرى، لكن بالنسبة لتجارب النساء في هذا المجال فهي واحدة سواء في القاهرة أو الإسكندرية التي أنحدر منها، أو الجنوب، دائماً هناك صور نمطية حول النساء هي المتحكمة في هذا الشأن".

وأرجعت أسباب الفترة التي استغرقها تصوير العمل، لكون الفيلم رصد جميع مراحل حياتهن إلى أن بلغن سن الرشد، وتتبع تطورهن ونظرتهن للحياة ومدى تشبثهن بتحقيق أحلامهن، والسعي وراء تحقيقها، وهو ما كان يتطلب هذا الوقت من أجل إبرازه داخل الفيلم، إضافة إلى المونتاج الذي أستغرق بدوره سنة تقريباً ليخرج الفيلم على ما هو عليه.

ولفتت إلى أن هذه الفترة التي استغرقها تصوير الفيلم كانت مناسبة لكي يوفر فريق العمل للفتيات تدريبات في مجال مسرح الشارع والغناء وغيرها من الفنون التي كانت تثير اهتمامهن، بعد أن لاحظ الفريق شغف الفتيات ورغبتهن في التقرب أكثر والاطلاع على عالم السينما، مؤكدة أن ذلك ساعدهن لتقديم عروضهن المسرحية بشكل أفضل، كما ساعد فريق الفيلم كذلك على التقرب من بطلات الفيلم ومعرفتهن بشكل جيد.

وعن مصير الفتيات بعد عرض الفيلم وما إذا ترك الفيلم تأثيراً بالقرية، أشارت إلى أنهن سافرن ضمن فريق العمل إلى مهرجان كان، حيث فاز الفيلم بالجائزة الذهبية هناك في المسابقة الرسمية لأسبوع النقاد لأول مرة، كما أنهن وصلن إلى مهرجان شيكاغو وشاركن في النقاشات التي أعقبت عرض الفيلم، واستقبلن بحفاوة بعد رجوعهن من قبل أهل القرية وظهرت فتيات صغيرات أخريات أعربن عن رغبتهن في أن يصبحن ممثلات وراقصات وهذا في حد ذاته إنجاز مهم بالنسبة لهؤلاء الفتيات.