ردود الأفعال على الحكم في قضية قاتل نيرة أشرف

جدل كبير تخلل مدة المحاكمات السريعة التي تمت لقاتل الطالبة نيرة أشرف، بعد اعترافاته التي أثارت استياء الكثيرين وأربكت الرأي العام وأصابته بخوف من نتائجها، ولكن المحكمة انتهت من إحالة أوراق المتهم إلى مفتي الديار المصرية لإبداء الرأي في إعدامه.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تثار الكثير من التساؤلات المرتبطة بقضية مقتل نيرة أشرف، في مقدمتها كيف للمحب أن ينحر محبوبته فقط لكونها رفضته، وكم هو قاس مشهد قتل الطالبة الشابة ذات الطموحات والتطلعات والأحلام لمجرد أنها لا ترغب في مواصلة حياتها مع شخص لا تراه يناسبها.

العنف ليس بجديد على الشارع المصري والنساء تعانين في صمت وتقتلن أيضاً بدون ضجة، ولكن ملابسات تلك القضية فرضت على الرأي العام الاهتمام بها، فجريمة القتل لا غبار على وحشيتها، ولكن كما اتضح من اعترافات القاتل فهو هنا محب قد يصل لحد الاختلال العقلي لكونه لا يرى أن من حق الطرف الآخر قبول أو رفض وجوده في حياته فخطط وقرر وقتل بل وبعد ذلك واصل إجرامه بنحر ضحيته أمام أسوار الجامعة، وعلى مرأى من الجميع بل وتم تصويره أثناء القيام بذلك والأسوأ أنه لم يتردد لحظة رغم أنه حمل سلاح الجريمة لأكثر من نصف ساعة وهي مدة الطريق التي استقل فيها مع ضحيته وسيلة مواصلات حتى أسوار الجامعة التي شهدت تلك الجريمة.

والقاتل هنا حاول التخلص من تبعات جريمته بالحصول على حكم مخفف بالخوض في الحياة الخاصة لضحيته وراح قطاع ليس بقليل يقوم بنفس الفعل على غرار المعتاد بإلقاء اللوم على الضحايا "لبسها، طريقة حياتها، سبب تواجدها، أو ربما لكونها امرأة لا يحق لها الرفض أو الاختيار وتعليقات حول علاقتها به، وإنفاقه عليها وما إلى ذلك"، والأسوأ على الإطلاق كان التفاعل مع القاتل بعبارات قاسية "كان اغتصبها أحسن، ليه تقول لأ، تستاهل"، وجميعها أمور وضعت المجتمع أمام مرآة وعيه بحقوق الإنسان رجلاً كان أو امرأة وواجباته تجاه الآخر وحدوده.

 

"الأزمة تكمن في تبرير المجتمع"

قالت مسؤولة برامج المرأة في الجمعية المصرية للدفاع عن الحقوق والحريات حبيبة مازن، إن "الحكم القضائي الصادر بإحالة القاتل لمفتي الديار أراح الكثيرين من المهمومين بتلك القضية"، معتبرةً أنه كان عادلاً وسريع.

وأضافت أنهم في الجمعية المصرية للدفاع عن الحقوق والحريات تمنوا لو أن حالة الإنجاز التي أنهت إجراءات تلك القضية تعمم على مثيلاتها، مشيرةً إلى أن الحكم ليس نهائياً وينتظر البت فيه خلال الأيام القليلة المقبلة ولكنها أكدت على ثقتها في القضاء المصري متوقعة أن ينتهي الأمر بتحقيق العدالة الناجزة والاقتصاص للضحية.

ومن واقع رصدها للقضايا باعتبارها مسؤولة برامج المرأة في الجمعية المصرية للدفاع عن الحقوق والحريات، تؤكد أن نصف القضايا التي صادفتها تكمن أزمتها الحقيقية في تبرير المجتمع ودعمه النسبي للجناة على حساب الضحايا، لافتةً إلى أنها لم تقلق تجاه الحكم القضائي ولكنها كانت مستاءة من نظرة المجتمع.

 

"هناك تطور في التعاطي مع قضايا العنف الممارس على النساء"

رأت حبيبة مازن أن هناك تطور كبير وملموس في هذه الجريمة للحالة القضائية بمصر. معتبرةً أن القضاء كان عند ما تمنته سواء على مستوى تسريع الإجراءات أو عدم الانسياق وراء التبريرات والتحايل الواضح في اعترافات القاتل.

وأوضحت أن تلك القضية نقطة مضيئة ومطمئنة للفتيات وللمجتمع النسوي على وجه العموم حيث "أشفى الحكم غليل" المتابعين والمتأثرين بتلك الفاجعة الإنسانية.

وأرجعت السبب في التعجيل بإجراءات تلك القضية إلى الرأي العام المنزعج والمتابع والصارخ عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن الضرورة التي فرضت تحقيق العدالة الناجزة من أجل الردع العام لمنع مثل هذه الجرائم الوحشية.

 

غرافيك بصورة الضحية على سور الجامعة

قام طلاب كلية الفنون الجميلة بجامعة المنصورة بالتعاون مع عدد من أعضاء هيئة التدريس برسم صورة غرافيك لنيرة أشرف على سور الجامعة في ثوبها الأبيض الذي تحيطه مجموعة من الزهور في محاولة منهم لتخليد ذكراها وتعبيراً عن مشاعر الحزن والأسى التي سيطرت عليهم.

ومن ناحية أخرى أعلنت شقيقتها أنها تلقت طلباً بدفع فدية قدرها نحو 5 ملايين جنيه مقابل التنازل عن القضية، مؤكدة أنها وردتها عبر حساب مجهول ولا تعرف هوية من حدثها خلاله، والذي أكد لها أن اعدام القاتل لن يعيد ابنتهم التي راحت وأن عليهم التفكير في المستقبل بالاستفادة من الأموال لتغيير وضع الأسرة، وهو ما تم رفضه جملة وتفصيلاً وفق ما أعلنته شقيقتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية المختلفة.

 

تشهير بصور الضحية ومطالبة بوقف حكم إعدام القاتل

كما هو الحال دائماً في قضايا العنف نجد من ينتهك خصوصية الضحية في محاولة لتبرير وإيجاد سبب للمنتهك، الأمر نفسه حدث في قضية نيرة أشرف، بعد النطق بالحكم وإحالة أوراق القاتل لمفتي الديار، دون التفكير في أن هناك جريمة قتل مع سبق الإصرار قد وقعت وهي بشكل مجرد عن الأسباب والملابسات تستدعي العقاب الرادع.

وانطلقت مجموعة من الصفحات في نشر صور الضحية ووصمها على أساس اللباس تارة ورفقة أصدقاؤها مرات أخرى، بل تطور الأمر للخوض في طبيعة علاقاتها بالأشخاص المتواجدين معها، ولم يخلو الأمر من الاسقاطات الدينية التي تجعلها مستحقة لما قام به المجرم مطالبين بعدم تنفيذ حكم الإعدام عليه.

نفس الصفحات التي انتهكت خصوصية الضحية بصورها تم تسريب رسائل صوتية عبرها للفتاة، وكذلك رسائل تم التشكيك بها من المتفاعلين على هذه الصفحات بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وفي المقابل انتفضت مجموعة من الناشطات بل والفتيات الغير مندرجات تحت ذلك الوصف محاولين الوقوف في وجه تلك المنشورات مطالبين بضرورة تبليغ النيابة العامة في حال رؤية مثل تلك المنشورات للاقتصاص ممن يحرضون على الخوض في حياة الضحية باعتبارهم داعمين لأفكار عدوانية تخالف الإنسانية ذاتها.

تلك الحالة عبرت عن واقع أليم ينفصل فيه المجتمع عن إنسانيته وكأن هناك مبرر للقتل كقضايا الشرف وما فرضه المجتمع من ثوب "العفة" المعلن أو مظاهر التدين التي قد يكون جانب منها مجرد ادعاء، هذا الانفصام الواضح والصراع الذي تحول لأيهما له الغلبة الشاب أو الفتاة وأيهما يحق له فعل ما يشاء لم يتطرق إلى القانون وما توفر من دلائل في تلك القضية جعلت القاضي ينتفض بخطاب اهتزت له قلوب الكثيرون حول الإنسانية التي تجرد القاتل منها أثناء ارتكابه لتلك الجريمة محيل أوراقه لمفتي الديار المصرية كواحد من خطوات التقاضي المنتظر انتهاؤها خلال الأيام القليلة المقبلة.