قتل النساء... من الجريمة إلى التطبيع الصامت

أكدت الخبيرة في مجال تنمية القدرات البشرية روخوش غريب إن جرائم قتل النساء التي تُرتكب تحت غطاء المشكلات الاجتماعية أو ما يُسمى بـ "الدفاع عن الشرف"، تمر بصمت دون مساءلة.

هيلين أحمد

السليمانية ـ وفقاً للإحصاءات التي جمعتها وكالتنا منذ بداية شهر آب/أغسطس وحتى الثامن من أيلول/سبتمبر من هذا العام، قتلت أكثر من 13 امرأة في إقليم كردستان تحت مسمى "الشرف" والمشاكل الاجتماعية، وعلى الرغم من تزايد حالات قتل النساء، فإن صمت الحكومة والمحاكم تجاه هذه الجرائم وعدم اتخاذ إجراءات فعلية لمعالجة المشكلة، يفتح الباب أمام استمرار وتصاعد هذه الجرائم.

في دول الشرق الأوسط، غالباً ما تُربط جرائم قتل النساء بالمشاكل الاجتماعية والشرف، مما يُستخدم كذريعة لتغطية الجرائم المرتكبة بحق النساء في تلك المناطق، إذ يُصنّف قتل المرأة على أنه "قضية نسائية"، ما يؤدي إلى النظر إليها على أنها من الدرجة الثانية، ويُسهم في تطبيع العنف ضدها.

كما أن تسييس قضايا النساء من قبل الحكومة وبعض المنظمات يُعد عاملاً آخر في تفاقم هذه الجرائم، حيث يُستخدم تصنيف هذه المنظمات ضمن أطر رسمية من قبل الجهات المعنية كأداة لتهميش القضية، مما يُسهم في زيادة حالات قتل النساء.

 

"القتل نموذج في العالم"

روخوش غريب، خبيرة في مجال تنمية القدرات البشرية وحاصلة على دكتوراه في علم النفس المهني، أوضحت أن جرائم القتل في العالم تشهد تزايداً ملحوظاً، وأن الأزمات الاجتماعية تنبع أساساً من تدهور الأوضاع الاقتصادية "إن جرائم القتل في مختلف أنحاء العالم آخذة في الازدياد، والواقع الاقتصادي والنفسي المتأزم عالمياً ساهم في تصاعد حالات القتل، وباتت الجرائم تتخذ أشكالاً متعددة ونماذج مختلفة، بينما لا يزال الأهالي غير واعين لكيفية التعامل مع هذا الواقع الذي يواجهونه".

وأكدت أن ظهور جيل جديد، نشأ في ظل تطبيع ممنهج لجرائم قتل النساء، خلق واقعاً جديداً في بعض المناطق، حيث فقدت التربية والقوانين قدرتها على ضبط هذه الجرائم "إن تصاعد حالات قتل النساء من قبل الرجال يُعد مؤشراً على انهيار القيم الإنسانية تجاه المرأة، والعالم بات يواجه ظاهرة "تبني النماذج"، فكل دولة تتبنى نماذج مختلفة من العالم الخارجي وفقاً لثقافتها، حتى في اللباس والطعام، بل وحتى في القتل، حيث أصبحت جرائم القتل تُنمذج وتُروّج عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الافتراضي دون رقابة، مما يُعد سبباً آخر في تطبيع قتل النساء".

وأكدت أن "التفكك الاجتماعي يُعد عاملاً إضافياً في تصاعد هذه الجرائم، فإضعاف القيم الاجتماعية التي تحث على التماسك والتعاطف يُسهّل ارتكاب جرائم القتل بحق النساء، كما أن غياب البنية الاجتماعية والروحية والإنسانية خلال الثلاثين عاماً الماضية أثر على ذلك ولم يعد هناك خيار سوى القتل أو الموت، وهذه العقلية التي تواجهها النساء اليوم تُعيد إنتاج واقع كانت تعاني منه دول أخرى متأخرة عنّا في السابق".

 

"الصمت تجاه قتل النساء هو جريمة قتل أخرى"

واستنكرت روخوش غريب تطبيع قتل النساء "من المخزي في عصر التقدم أن تُعاد جرائم قتل النساء إلى مجرد قضايا اجتماعية، وأن استمرار القتل وصمت المجتمع تجاه قتل النساء، إلى جانب التبرير المتكرر لهذه الجرائم، يُشكل بحد ذاته سبباً إضافياً لتزايدها، فالنساء يُقتلن بأبشع الطرق تحت مسمى "المشاكل الاجتماعية" أو "الدفاع عن الشرف"، وغالباً ما يُطرح الموضوع في الإعلام أو يُكتب عنه باعتباره قضية اجتماعية، بينما في الحقيقة، هناك إنسان قُتل".

وأوضحت أنه "عندما تُقتل امرأة، يجب أن تقوم المحكمة والقانون بتحديد نوع الجريمة بناءً على التحقيقات، لا أن تُختزل القضية تحت عنوان "مشكلة اجتماعية"، في الوقت الراهن، تُرتكب جرائم قتل لأسباب بسيطة، وتُقتل النساء، ثم تمر الجريمة مرور الكرام، كما أن تجاهل هذه الجرائم يُعد سبباً آخر في تزايدها".

وبينت أن "الطريقة التي تُعرض بها جرائم القتل في الإعلام والمحاكم أمام الناس، يجب أن تترافق مع نتائج واضحة، وعقوبات صارمة، وحلول جذرية، كي يدرك الناس أن هذه الجرائم لا تمر دون حساب، يجب ألا يُختزل موضوع قتل النساء، ولا يُسمح بأن يكون مدخلاً لتطبيع هذه الجرائم".

وأشارت إلى أنه "هناك قوانين واضحة لمواجهة العنف، إلا أن تطبيقها يشوبه الكثير من الغموض والخلل، وأن هذا الواقع يُعيدنا إلى حالة انعدام العدالة في بلدنا تجاه جرائم القتل، فبالرغم من امتلاك الحكومة سلطة إصدار القوانين وتنفيذها، إلا أن هذه القوانين لا تُطبق من قبل الجهات الحكومية والسلطات المعنية، وعند مواجهتهم، يُظهرون مجموعة من الوثائق والتعليمات، لكن في السنوات الأخيرة، وقعت العديد من جرائم القتل الغريبة والمروعة بحق النساء دون أن يُتخذ أي إجراء فعلي لمحاسبة الجناة، وعلى الرغم من أن القانون ينص على وجود حقوق عامة وخاصة، إلا أن المحاكم تتغاضى بسهولة عن هذه القضايا والحقوق، مما يؤدي إلى مستوى عالٍ من الغموض وانعدام العدالة في قضايا قتل النساء".

وتطرقت الخبيرة في مجال تنمية القدرات البشرية روخوش غريب في ختام حديثها إلى سبل المعالجة مبينة "جرائم القتل والقوانين أصبحت متداخلة ومشوّشة، حيث يتم في بعض الأحيان تبرير القضايا أو فصلها بطريقة ظالمة، ومع ذلك، يمكن من خلال تطبيق التعليمات والقوانين بشكل فعلي أن يُبذل جهد جديد نحو إصلاح المجتمع والحد من جرائم قتل النساء، وفي قضايا القتل، يجب ألا يُناقش الأمر تحت عنوان "مشكلة اجتماعية" أو "قضية شرف"، ثم يُترك دون متابعة، بل يجب أن يُتخذ إجراء حقيقي لمنع استمرار هذه الجرائم، كما أن تطبيق القوانين دون وجود وساطات أو تدخلات يُسهم في نشر النظام بشكل عادل، ويضمن تنفيذها بشكل فعّال".