قريباً... تقرير يرصد اللامساواة وغياب الإنصاف في تلقي الخدمة الصحية

الحق في الصحة واحدة من أهم الملفات التي تحتاج لتكاتف جميع الجهود لتسليط الضوء على ما يحدث داخل المنظومة المحلية للوقوف على الأسباب الحقيقية التي تسببت بعدم الوصول إلى الخدمة المرجوة بل وتعرض البعض لانتهاكات أثناء الحصول عليها.

أسماء فتحي

القاهرة ـ يعاني القطاع الصحي من أزمات متعددة الأبعاد واحدة منها ما تتعرض له النساء أثناء تلقي الخدمة الطبية، الأمر الذي عملت عليه عدد من مؤسسات المجتمع المدني والنسوي على وجه التحديد حتى تمكنت مؤسسة "القاهرة" للتنمية والقانون من عمل مدونة سلوك وإصدار تطبيق على الهاتف الذكي حمل اسم "رعاية آمنة".

خلال الأيام القليلة الماضية، عقدت مؤسسة "المرأة الجديدة" أكثر من لقاء نقاشي حول تقريرها المرتقب صدوره والخاص بالحق في الصحة واللامساواة وغياب الإنصاف في تلقي الخدمة الطبية قبل وأثناء جائحة كورونا.

وسلط التقرير الضوء على عدد من النقاط المحورية منها تاريخ الحكومة مع التأمين الصحي الشامل حتى الآن، وتم وضع عدد من التوصيات خلال اللقاء سيتم عرضها لاحقاً كان أبرزها البعد الجندري ومعاناة النساء، كما أن التقرير صادفه عدد من الصعوبات تصدرها غياب البيانات وعدم الشفافية في الإعلان عن الحالة الصحية خاصةً خلال فترة الجائحة.

 

أبرز ملامح تقرير الحق في الصحة

ويعرض التقرير المرتقب صدوره من مؤسسة "المرأة الجديدة" بالتعاون مع الشبكة العربية، ستة محاور رئيسية منها مسألة اللامساواة وغياب الإنصاف في تلقي الخدمة، بالإضافة إلى تاريخ الحكومة مع التأمين الصحي المتعثرة حتى الآن، وكذلك المساحة التي يحتلها القطاع الخاص في المنظومة الصحية.

وتم التطرق لمؤشرات الصحة العامة، وسلط التقرير الضوء أيضاً على فترة جائحة كورونا وطريقة تعامل الحكومة مع الجائحة، من خلال عرض موجز للعامين الماضيين، والجزء الأخير تم ربطه بتوصيات التأمين الصحي الجديد وما يواجهه من تعثرات مالية، بالإضافة إلى نقص الأطباء فقبل الجائحة كان هناك نحو الـ 60% من الأطباء تركوا العمل أو استقالوا وتركوا البلاد.

وتشمل محاور التقرير "عرض لتاريخ النظام الصحي المصري والمحاولات المتعددة الغير مكتملة لعمل نظام تأميني، ووضع النظام الصحي المصري في اللحظة الحالية، وتوضيح لمظاهر اللامساواة وعدم الإنصاف من خلال المؤشرات، ورصد السياسات والإجراءات الصحية التي تم تطبيقها خلال فترة الجائحة، والتأمين الصحي الشامل الجديد ومحاولة الحكومة الجديدة لعمل تغطية صحية شاملة".

وهناك عدد ليس بالقليل من الأزمات التي تعاني منها المنظومة الصحية وتدني الأجور والمخصصات المالية واحدة من أهم تلك المعوقات، فخلال وبعد الجائحة لم يحصل أهالي العاملين في المنظومة الذين فارقوا الحياة على تعويضات رغم أن عدد كبير منهم في مقتبل العمر ومسؤولين عن أسر.

 

جندرة التقرير ضرورة

وأوضحت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة "المرأة الجديدة" نيفين عبيد، أنه يوجد مشكلة في البيانات، وكذاك أزمة في إدماج البعد الجندري في التقرير، بالإضافة لواقع الأطباء والخدمة الطبية، لافتةً إلى أن هناك موضوع رئيسي للتقرير وهو التأمين الصحي وتاريخه في مصر وفرصة كونه شامل وخدماته التي تصاحبها عدد من التساؤلات حول طبيعة الشمول المعنية في هذا المسمى.

واعتبرت أن هناك عدد آخر من الأسئلة تفرض نفسها في هذا الأمر، منها السلوك الطبي نفسه تجاه المرضى، وكذلك تقديم الخدمات الصحية الآمنة للنساء سواء على مستوى الخدمة الصحية الطبيعية في القطاع الحكومي أو الخاص وأيضاً الخدمات الطبية المتخصصة كالصحة الإنجابية والجنسية.

وأشارت نيفين عبيد إلى أن مؤسسة المرأة الجديدة تقدم خدمات قانونية وإحالات للدعم النفسي والاجتماعي تواجه مشكلات كبيرة في الشكاوى القادمة من عيادات القطاع الخاص والحكومة من النساء فيما يتعلق بواقع عنف عام وجنسي مسكوت عنه، لافتةً إلى أن التقرير فرصة لتوثيق ذلك أو الإشارة إليه.

وبينت أن هناك بعض الملاحظات التي وردت في النقاش ويمكن الاستفادة منها بالنظر إلى تقديم الخدمات الغير معدية والمستوطنة أيضاً ومنها الضغط والسكر والزهايمر خاصةً أن العمل والرؤية العامة خلال فترة الجائحة كانت قاصرة على الوباء.

وكشفت نيفين عبيد أن المسح الصحي الديموغرافي الأخير رصد جميع أشكال تنظيم الأسرة، ويتضح منه أن جميعها قاصر على النساء ولم يتم وضع الرجال في المعادلة مما قد يدل على توجه الحكومة ورؤيتها بشأن قصر ذلك الدور على النساء دون الرجال وإلا لوضعوا لهم نصيب من الرصد.

 

تحليل فرص وتحديات التوصيات التي خرجت من التقرير

من جانبها قالت مديرة برنامج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء في مؤسسة "المرأة الجديدة" مي صالح نوقش خلال اللقاء تقرير حول الحق في الصحة واللامساواة وغياب الإنصاف في الوصول للخدمات الصحية أثناء وقبل الجائحة وتأثيرها على أوضاع النساء على وجه التحديد.

وأضافت أن التقرير جاء في إطار رصد للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يتم على مستوى الوطن العربي، اللقاء المنعقد تم خلاله عرض تقرير مصر، وعلى وجه التحديد أوضاع المنظومة الصحية وما تشتمل عليه من إشكاليات وتحديات، وكذلك كل ما يتعلق بجائحة كورونا من تلقي اللقاحات وعمل المسحات وكذلك خدمات الصحة الإنجابية خلالها.

وأوضحت أنه في ختام اللقاء تم بحث وتحليل فرص وتحديات التوصيات التي خرجت من التقرير في إطار السياق العالمي والوطني، والإسهامات التي يستطيع خلالها المجتمع المدني تفعيل تلك التوصيات حتى لا ينتهي الأمر بمجرد تقرير يحقق إضافة علمية توضع جانباً والمستهدف استخدامه في إحداث تغيير حقيقي على الأرض فيما يعرضه من تفاصيل تتعلق بالمنظومة الصحية.

 

 

الانتهاكات التي تتعرض لها النساء

اعتبرت مي صالح أن ما تعاني منه النساء من انتهاكات بشكل عام وخاصةً عند تلقي الخدمات الصحية أمر يستحق الوقوف عليه لما له من أثار كارثية على المرأة فيما بعد، مشيرةً إلى خصوصية أماكن تلقي الخدمة لكونها بالأساس وجهة تلقي الدعم والخدمات والتطبيب من الآلام ومغايرة ذلك فعل مؤذي.

وأوضحت أن نقابة الأطباء بدأت منذ فترة في مناقشة المسؤولية الطبية وهو أمر هام يعطي بعد أعمق لمسألة الحماية من ممارسة العنف داخل أماكن تلقي الخدمات الطبية، لافتةً إلى أن هناك عدد من المنظمات على رأسهم مؤسسة "القاهرة" للتنمية يتبنون برنامج كامل لحماية طبية آمنة أو خدمات صحية آمنة للنساء، ويعملون على مدونات سلوك لمقدمي الخدمات الطبية ومتلقيها، كي تتعرف المرأة على حقوقها وطرق الحصول عليها فضلاً عن تطبيق "رعاية آمنة" لتتمكن من الحديث عن تجاربها حتى تصبح من تتعرض لانتهاك دليل لغيرها في عدم زيارة الأماكن الغير آمنة للنساء.

وأوضحت مي صالح، أن كل ما سبق يجب أن تتم رؤيته داخل المنظومة الصحية بشكل عام لأن مقدمين الخدمات الطبية أنفسهم يعانون من إشكاليات منها التعرض للعنف والتحرش والتنمر، نظراً للوضع الاقتصادي الصعب ونقص ميزانية ذلك القطاع لذلك بات التفكير الأشمل هو سبيل ضبط المنظومة بشكل عام لتحقيق المستهدف.

وأكدت مي صالح أنهم يعملون مع عدد من المنظمات لتقديم رؤية نسوية لوزارة الصحة وغيرها والعمل مع مقدمي الخدمات نفسهم في التدريبات والنقاشات أو لقاءات التوعية لتطوير المنظومة، مضيفة أن هناك مقترحات لتطوير الملف أكثر من منظور النوع الاجتماعي سيتم العمل عليه مع بداية العام القادم بملامح أكثر وضوحاً.

 

توصيات التقرير

خلص التقرير بعدد من التوصيات للوقوف على إصلاح صحي حقيقي في مصر تمثل في "إعطاء الأولوية للرعاية الصحية الأولية وطب الأسرة، وتحسين ظروف العمل لفرق الرعاية الصحية، ومراجعة نظام الأجور، فالمرتبات التي يحصلون عليها شديدة الضعف، وفي حال استمرارها ستعاني مصر من أزمة حادة، الموجودة اصلاً، في توفر الأطقم الطبية خاصة الأطباء والتمريض".

وكذلك العمل على "تعزيز الصناعة الدوائية الوطنية وتعميق تصنيع الخامات الدوائية محلياً، خصوصاً الأدوية الأساسية والأدوية غير المحمية ببراءة اختراع، سيساهم في تخفيف الضغط والطلب على العملة الصعبة من ناحية، ومن ناحية أخرى سيجعل أسعار الأدوية أقل تأثراً بالاضطرابات في سلاسل الإمداد".

وواحد من أهم التوصيات تمثل في "تشجيع المشاركة المجتمعية في إدارة الأزمات، كمثال لفعالية المشاركة المجتمعية تجربة مؤسسة مرسال الأهلية كقصة نجاح، وتفعيل أدوات المساءلة والرقابة".

واعتبر التقرير أن "أحد أهم الدروس المستفادة من الوباء هو الالتزام بتطبيق قانون التأمين الصحي الشامل الجديد، والعمل باجتهاد لاستكمال تنفيذه في مراحله الثلاث بحيث يتم تحقيق التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين دون تمييز".

 

توصيات الحضور في الجلسة

عدد من النقاشات المهمة أسفرت عنها الجلسة الحوارية المنعقدة حول تقرير الحق في الصحة جاء في مقدمتها العمل على تأهيل مقدمي الخدمات على التعامل مع حالات العنف وإعداد مدونات سلوك لذلك الغرض، بالإضافة إلى ضرورة ربط قضايا النوع الاجتماعي بملف الصحة (تزويج القاصرات نموذجاً).

ومن بين التوصيات أيضاً العمل على تشديد الرقابة على الأجهزة الطبية، فضلاً عن العمل على تغيير هيكل الأجور بالمنظومة الصحية، وتفعيل دور وحدة صحة الأسرة وتطوير عملها في إطار تطوير منظومة التأمين الصحي الشامل.

كما تم التوصية بضرورة إتاحة البيانات والتنوع الإحصائي، ووضع ضوابط للمتابعة والرقابة على الدعم والموازنات الخاصة بالخدمات، ووضع خطط تستجيب للنوع الاجتماعي، فضلاً عن العمل على تعزيز دور الصحيات والريفيات، والعمل على الحماية من العنف في أماكن تلقي الخدمات الصحية.