قمع النساء في أفغانستان... شعارات طالبان بين الإذلال والتعذيب
أثارت الشعارات الداعية إلى فرض قيود صارمة على لباس النساء، التي قامت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة لطالبان بكتابتها على جدران العاصمة الأفغانية كابول، موجة من الاستهجان والرفض الواسع بين المدنيين خاصة النساء.
بهاران لهیب
کابول ـ تواجه المرأة الأفغانية منذ عودة طالبان إلى الحكم انتهاكات ممنهجة تشمل حرمانها من التعليم والعمل، وفرض قيود صارمة على حركتها ولباسها، هذه السياسات تُنفذ عبر أجهزة قمعية تستخدم الدين والشعارات لتبرير التسلط الذكوري.
عقب الاعتقالات الأخيرة التي طالت النساء، غطّت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة لطالبان جدران مدينة كابول بشعارات تتعلق بلباس النساء، تعكس جميعها سياسات قمعية ومهينة بحق المرأة، فبحسب شهود عيان، فإن جزءاً كبيراً من هذه الشعارات مستوحى من أدبيات النظام الإيراني، منها "أختي! لقد أودعت لون دمي أمانة في حجابك!"، وهو مكتوب بالكامل بلغة النظام الإيراني، وقد قامت طالبان بنقله حرفياً إلى شوارع كابول، ويجب ألا ينسى أن النظام الإيراني كان من أوائل الداعمين لطالبان عند عودتها إلى الحكم.
ومع كل موجة جديدة من الاعتقالات الجماعية للنساء، تُكتب هذه العبارات على جدران المدن الأفغانية، خاصة كابول، وكأن النساء أنفسهن يعتنقن هذه الأفكار، ومع ذلك، يواجه المدنيون هذه الشعارات وسلوك طالبان بالسخرية، ويعتبرونها مجرد أدوات للقمع، وفي هذا السياق، يدافع بعض رجال الدين الذين يسعون لنيل رضا طالبان عن هذه السياسات في خطب الجمعة، ويتحدثون بنبرة مهينة، خصوصاً تجاه النساء.
سلطة طالبان... تستخدم الدين كسلاح ممنهج ضد النساء
وعندما كشفت بعض النساء عن تعرضهن للتعذيب في سجون طالبان، بما في ذلك إجبارهن على التعري، قال يحيى عنابه، أحد رجال الدين في ولاية بنجشير، في خطاب موجه لطالبان "يجب تعرية هؤلاء النساء في الساحات العامة بكابول".
وفي ذروة حملة الاعتقالات قبل أسابيع، صرّح محمود ذاكري، إمام مسجد عبد الرحمن في كابول، مؤيداً هذه السياسات، قائلاً "يجب أن تبقى النساء في أظلم زوايا المنزل، ولا يخرجن إلا مع محرم شرعي، ويجب أن يُغطى جسدهن ووجوههن بالكامل، ولا يُسمح لهن بالرؤية إلا بعين واحدة".
وقد قوبلت تصريحات رجال الدين الموالين لطالبان بموجة من السخرية والانتقادات على مواقع التواصل، خاصة من النساء، حيث كتبت بعضهن "لو كانت طالبان تسيطر على الهواء، لأمروا النساء بعدم التنفس كي لا يُثاروا".
ولا تزال العديد من النساء اللواتي أُفرج عنهن من سجون طالبان يعانين من آثار جسدية ونفسية، وقد أقدمت بعضهن على الانتحار، وفي حملة الاعتقالات الأخيرة، أفادت تقارير باختفاء عدد من النساء، بينما أُفرج عن أخريات بكفالة دون أن يستعدن حياتهن الطبيعية، ووفقاً لرواية أحد سكان غرب كابول، فقد تم اعتقال إحدى قريباته من قبل عناصر وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد 24 ساعة، سُلّم جثمانها المعذّب إلى عائلتها، مع تهديد بعدم الحديث عن الجريمة.
تقارير تكشف عن الانتهاكات التي تمارسها سلطة طالبان
ووفقاً لتقارير موثقة صادرة عن منظمة هيومن رايتس ووتش ومصادر إعلامية دولية مثل "الغارديان"، فإن سياسات طالبان، خاصة تلك المتعلقة بـ "الأمر بالمعروف"، لا تقتصر على إطلاق الشعارات والتهديدات اللفظية، بل تؤدي بشكل مباشر إلى الاعتقال والتعذيب النساء وحتى الوفاة.
فقد ورد في تقرير صحيفة الغارديان لعام 2023 أن عشرات النساء في كابول ومناطق أخرى تم اعتقالهن دون أمر قضائي بتهم مثل "عدم الالتزام بالحجاب" أو "المشاركة في الاحتجاجات"، وتعرضن في سجون طالبان لتعذيب شديد، شمل الضرب، الصدمات الكهربائية، الجلد، الحرمان من الماء والطعام، والتعري القسري.
وأكدت منظمة العفو الدولية في تقريرها لعام 2024 أن هذه الممارسات تمثل جريمة ضد الإنسانية، نظراً لكونها ممنهجة وواسعة النطاق وتستهدف فئة معينة من المجتمع، وهي النساء، مشيرةً إلى أن الشعارات المهينة والكتابات الجدارية التي تنشرها طالبان تُعد جزءاً من سياسة نفسية منسقة تهدف إلى بث الرعب وسلب إرادة النساء في المطالبة بحقوقهن.
"شعارات طالبان أدوات واضحة للقمع والتهديد والإذلال"
وعقب هذه الاعتقالات والروايات المؤلمة، ومع انتشار الشعارات القمعية على جدران المدن، خاصة كابول، وصفت النساء حركة طالبان بأنها "من العصر الحجري"، "قرون وسطى"، و"مهينة لحقوق الإنسان"، ورغم هذا القمع الشديد، واصلت النساء احتجاجاتهن المدنية في الذكرى الرابعة لحكم طالبان، مؤكدات أن الشعارات والخطابات المهينة التي تطلقها طالبان، وإن كانت تُقدَّم على أنها دعوات للالتزام باللباس الشرعي، فإنها في الواقع أدوات واضحة للقمع والتهديد والإذلال.
ويرى خبراء في الشؤون الاجتماعية أن استخدام طالبان للغة الإهانة والإجبار ضد النساء لا يعكس فقط ضعف شرعيتها، بل يكشف عن خوفها من مشاركة النساء في الحياة العامة، ويعتقد هؤلاء أن هذه السياسات، على المدى الطويل، لن تُسكت النساء، بل ستُشعل موجة جديدة من المقاومة والعصيان المدني بين جيل الشباب، الذي يسعى رغم كل القيود إلى تحقيق الحرية والمساواة.