قانون الآداب العامة في إدلب... ما الذي يعنيه للنساء السوريات؟

تثار العديد من التساؤلات حول قانون الآداب العامة التي كان يتم تطبيقها في إدلب إبان سيطرة "هيئة تحرير الشام" عليها، هل هذه القوانين ستعمم على المناطق التي سيطرت عليها مجدداً وما مصير النساء منها؟

مقال بقلم خلات هيفي

مع بداية عام 2011 بدأت الثورات في دول الشرق الأوسط والتي سميت بربيع الشعوب، لكن ومع الأسف، بالرغم من جميع تضحيات شعوب المنطقة والذين كانوا يجدون إنهم بحاجة للحرية أكثر من حاجتهم للماء والخبز، إلا أن غياب القيادات الشعبية في غالبية هذه البلدان بالإضافة إلى المصالح الدولية في المنطقة، تسببت بإجهاض الكثير من هذه الثورات وتمت سرقتها من الشعب مثل ما نجد في مصر وليبيا والجزائر وتونس واليمن، في هذه البلدان تم تغيير الشخصيات لكن النظام الدكتاتوري ما زال قائماً.

لكن الوضع بالنسبة للشعب السوري كان مختلفاً مقارنة بالبلدان المجاورة وخاصة الوضع في إقليم شمال وشرق سوريا وذلك لإيمان مجتمعنا بفلسفة القائد عبد الله أوجلان الذي وجد أن البديل الوحيد لنظام الدولة القومية هو الأمة الديمقراطية التي تستند إلى وحدة وإخوة الشعوب.

بالإضافة إلى إن القائد أوجلان بعد أن كانت النساء والشبيبة مهمشين ومسحوقين في نظام الدولة القومية قام بتحديدهم على أنهم القدوة في نظام الأمة الديمقراطية أو القوة الأكثر ديناميكية والقريبة من مفهوم الديمقراطية والحرية والمساواة أي أن النساء والشبيبة ضمن مشروع الأمة الديمقراطية قد اتخذوا المكانة التي يستحقونها.

بالإضافة إلى وجود القاعدة الشعبية التي كانت عاملاً رئيسياً مما جعل شعبنا يقوم بتنظيم نفسه سريعاً والانضمام إلى المرحلة بذهن صافي وواضح، فعندما تكون عقلية المجتمع واضحة ويملك المعرفة ولديه مشروع يعمل عليه ويدرك جيداً ما الذي يريده وينظم نفسه من كافة الجوانب ويجعل من نفسه قوة، عندها ليس بإمكان أي أحد أن يسرق ثورة ذاك الشعب أو أن يجهضها.

وهذا ما أظهر اختلاف ثورة روج آفا، وبالأخص بعد سقوط نظام الأسد الذي بدء منذ بداية الثورة وظهرت نتائجه قبل أيام قليلة.

إن نظام الإدارة الذاتية بريادة المرأة والشبيبة هو النموذج الأصح والفريد لبناء سوريا ديمقراطية لامركزية تستند إلى الوحدة والتضامن بين جميع القوميات.

منذ بداية الثورة وحتى يومنا هذا كنا ولا زلنا نقوم بدفع تضحيات باهظة الثمن، لكننا مدركين للسبب وسنقوم بفعل كل ما يتطلبه لبناء حياة حرة وكريمة كما كنا نعمل دائماً، وبالأخص لحماية إنجازات شعبنا والمستوى الذي وصلت إليه المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا التي شكلت مصدر إلهام لجميع نساء المنطقة والعالم لقيام ثورة المرأة على مستوى العالم.

وعلى العكس من ذلك، فإن المناطق الخاضعة لسيطرة المرتزقة المدعومة من الاحتلال التركي يقومون بخنق المجتمع، فيحاولون من خلال النظام الذي يطبقونه إعادة المجتمع لما قبل مئات السنين، تحت مسمى الإسلام قاموا بإعادة المجتمع إلى عصر الجاهلية، وتحت مسمى الإسلام يقومون بمعاداة الإسلام والمجتمع والمرأة، كما إنهم يتفاخرون بهذا الأمر على إنهم يقومون بتنمية الأخلاق في المجتمع، وآخر أعمالهم إبراز قانون ما يسمى بقانون الآداب العامة في إدلب ومحاولة جعله مثال يحتذى به في بناء سوريا المستقبل.

يجب أن نقرأ ونقيم هذا القانون بعدسة المرأة ولنرى ما الذي يتضمنه وشكل المجتمع الذي يُراد بناءه.

قوانين ما تسمى بالآداب العامة التي تمت كتابتها من قبل وزارة الداخلية لـ "حكومة الإنقاذ" التابعة لهيئة تحرير الشام، واليوم يتم تطبيقه على شعب إدلب، وعلى سبيل المثال نذكر بعض المواد وشرحها.

المادة 13-14-28 والتي تنص على إنه لا يجب أن يكون لباس المرأة والرجل متشابهاً، وعلى الفتاة التي بلغت 12 عاماً أن ترتدي لباساً ساتراً بشكل لا يظهر جسدها بأي شكل من الأشكال، والمسؤول عن النساء لتطبيق هذه القوانين هم أولياء أمورها (كالأب والأخ والزوج والابن)، بمعنى آخر لا تستطيع المرأة أن تلبس بإرادتها بل كما يريدون هم، فهم يرون إن المرأة ملك للرجل، كما إنهم يقومون بتدنيس خصوصية الثقافات والشعوب المختلفة في لباسهم، فيقومون بفرض نموذج عبودية المرأة على المرأة والمجتمع.

المادة 26 و27 تنصّان على ضرورة الفصل بين الرجال والنساء في ساحات العمل وألا يلتقوا معاً، هذا ما يؤدي إلى تقسيم المجتمع، ويحرم المرأة من كافة مجالات العمل خارج حدود المنزل ولا تشارك في الحياة بأي شكل، كما إنه من المعلوم إن جميع المؤسسات الرسمية تبنى من قبل الرجل، أما المرأة تبقى حبيسة المنزل ومحكوم عليها أن تبقى مربية لأطفالها فقط وتخدم الرجل.

المادة 44 والمتعلقة بصالات الأفراح والمناسبات، تنص على منع الاختلاط بين الرجال والنساء، منع جميع الأغاني والموسيقى خارج إطار الأناشيد الدينية الإلهية، وهذه أيضاً لا تختلف كثيراً عن المواد السابقة حيث تؤدي إلى تقسيم المجتمع وفرض الإسلام، ويتم التغاضي عن ثراء مجتمعاتنا بألوان ومعتقدات كثيرة، مما يؤدي لخنق المجتمع الإسلامي قبل غيره وهدفهم الأساسي هو خلق عداوة بين الثقافات والمعتقدات المختلفة في المجتمع السوري.

المادة 56 تنص على إنشاء شرطة "الآداب والأخلاق"، مثل النظام الإيراني والذي تحت مسمى الأخلاق قام بقتل وسجن مئات النساء مثل جينا أميني، وكما هو الحال في أفغانستان حيث تدفن النساء وهن على قيد الحياة بكفن أسود، والحكومة المؤقتة في سوريا اليوم تريد إدارة المجتمع عن طريق هذه القوانين، وإظهار قانون ما يسمونه بالآداب والأخلاق كنموذج للمرأة والمجتمع.

حتى الآن من استطاع تطوير المجتمع والنساء بقوانين الأخلاق حتى تتمكنوا أنتم بهذه القوانين البالية؟ ألم تتلقوا حصتكم من المعرفة أبداً؟ ألا تتابعون ما يجري في محيطكم ولا ترون درجة تقدم الإنسانية؟

في الحقيقة عندما قمت بقراءة هذه القوانين أعادني تفكيري إلى عصر الجاهلية، كما أصابني صداع وأظلم فؤادي، إنه شيء لا يقبله لا عقل ولا ضمير، أو أنه لا يعطي لها أي معنى، إن هدف هذه المرتزقة هو خنق الشرق الأوسط في ظلامهم وقطع الطريق أمام ثورة المرأة، إنه هجوم أيديولوجي وثقافي وسياسي، وعلينا نحن النساء أن نعي هذا الأمر.

وبالفعل، أثارت هذه الأساليب العديد من الاعتراضات بين النساء، وهذه الاعتراضات ذات قيمة ومعنى لكنها غير كافية، فالمستوى العلمي والمعرفي لدى المرأة السورية مرتفع وهي مدركة لما تريده، ولكن يجب أن تتكاتف المرأة السورية بكل مكوناتها وأن تبني وحدتها لمواجهة هذه الذهنية الرجعية وتوحد قوتها وأن تجتمع حول مكتسبات ثورة المرأة وحماية هذه الإنجازات والعناية بها.

سبق وأن صرح الاتحاد النسائي السوري بموقفه للرأي العام وهذا التصريح مهم جداً، ويحوي الكثير من البنود الهامة بما يتعلق بحقوق المرأة في سوريا الجديدة، مثل النضال ضد جميع التوجهات المتحيزة جنسياً، تحرير المرأة من سلطة داعش في المناطق المحتلة مثل عفرين، سري كانيه/رأس العين، كري سبي/تل أبيض، إدلب، جرابلس، ومنبج، والاعتراف بحق المرأة بحماية نفسها عسكرياً، حق المرأة في دخول السياسة، وصنع القرار وإدارة البلاد بشكل فعال ونشط، حق المرأة بالمساواة مع الرجل في جميع المجالات جنباً إلى جنب مع الرجل وبنفس المستوى وتحمل مسؤولية المجتمع سوياً وامتلاك دور فعال في جميع المجالات، وضمان حماية حقوق المرأة في جميع المجالات، إنشاء لجان حماية الأطفال والبيئة، وما إلى ذلك.

ولا شك بأن إنجازات وتجارب ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا قوية ومهمة للغاية، فقد وصلت المرأة لمكانة تستطيع من خلالها تحمل المسؤولية ولعب دور قيادي فيها، فالمرأة أصبحت على معرفة وإدراك تام لقوتها وحقوقها ومسؤولياتها، وهذه الثورة أخرجت عدد جيد من القياديات، وقامت ببناء العديد من المؤسسات الخاصة بالمرأة والتي تقوم بدورها وإدارتها بشكل فعال، هذا الأمر مهم وثمين جداً بالنسبة للنساء، والأمر الأكثر أهمية وجمالية هو وحدة صفوف النساء إن كان تحت مظلة المؤسسات والمنظمات النسوية أو تحت مظلة مجلس سوريا الديمقراطية والأكثر جمالية هو اتحادهن تحت مظلة وحدات حماية المرأة YPJ.

ويعرّف القائد عبد الله أوجلان أصدق الأخلاق بأن يكون المرء على طبيعته، أي أنه كلما أصبح الشخص على طبيعته، وأصبح المجتمع على طبيعته، كلما أصبحوا أكثر جمالاً وأخلاقاً وحرية، ولتحقيق الذات فإن المعرفة والوعي الذاتي والإرادة والإيمان بالقوة الجوهرية ضرورية للغاية، كما إنه قام بتعريف مقاييس الجمال والأخلاق بأطروحة المرأة، وقال القائد عبد الله أوجلان إنه إذا كانت الزهور تعبر عن جمال المرأة فإن أشواكها تعبر عن أخلاقها، حيث بالأخلاق تحمي نفسها من جميع أشكال الهجمات والاحتلال.

لذلك، نحن كنساء سوريات لن نسمح بتكرار مآسي مثل عفرين وإدلب وجرابلس، والنضال من أجل تحرير الأراضي المحتلة، ولعب دور قيادي في بناء سوريا ديمقراطية، حرة، متساوية، لامركزية.