نساء تونسيات يعدن صياغة الفن في مواجهة الضغوطات

أطلقت مجموعة من التونسيات، نادياً يحمل اسم "نحب نغني" داخل المركز الثقافي بالمنزه السادس بتونس، في مبادرة تهدف إلى التخفيف من ضغوطات الحياة اليومية وتعزيز المهارات الفنية في مجال الغناء كمحاولة لإيجاد مساحة تجمع بين الشغف الفني والتوازن النفسي.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ الغناء ليس مجرد فن، بل هو متنفس للروح ووسيلة فعالة للتخفيف من ضغوطات الحياة اليومية، فالكثير من النساء اللواتي يمتلكن أصواتاً عذباً، انشغلن بالدراسة والتفوق المهني، فتقلّدن مناصب مرموقة، وغابت عنهن فرصة تنمية تلك الموهبة، لتبقى حبيسة جدران المنزل وتُنسى مع الوقت.

نادي "نحب نغني"، تأسس ليكسر هذا الحاجز، ويوفر بيئة مناسبة تُمكّن هذه الأصوات من التعبير عن ذاتها، فقد أتاح للمنتسبات، اللواتي يجتمعن على مستوى تعليمي متقارب، فرصة الغناء ضمن مجموعة منسجمة، بمعدل حصتين أسبوعياً، في المركز الثقافي بالمنزه السادس، ليعيد للموهبة صوتها، وللروح مساحتها.

وبمناسبة استئناف نشاطه بعد عطلة الصيف، تحدثت وكالتنا إلى المشرفة على نادي "نحب نغني"، هاجر بن سلامة، التي كشفت عن دوافع تأسيس هذا الفضاء الفني "النادي يضم مجموعة من الصديقات جمعنا شغف الغناء، وقد التقينا سابقاً في عدة نوادٍ موسيقية، لكن تكرار نفس الأغاني أفقدنا الإحساس بالنشوة، ولم يساعدنا على تجاوز ضغوطات الحياة اليومية، مما جعل التجربة تنحرف عن أهدافها الأصلية".
 


وأضافت أن هذا الإحساس الجماعي دفعهن إلى التفكير في إنشاء نادٍ جديد يعيد للغناء روحه الأصيلة، من خلال العودة إلى التراث الموسيقي التونسي والعربي، مثل المالوف، الموشحات، والأغاني الكلاسيكية الثقيلة، في محاولة لإحياء الذائقة الفنية وتقديم تجربة أكثر عمقاً وثراءً.

وأوضحت هاجر بن سلامة، أن خبرتها في حفظ المالوف وتدريبها الموسيقي كان الدافع وراء إشرافها على النادي واختيار الأغاني المناسبة للمجموعة "اجتمعنا لنُعيد إحياء ما افتقدناه في نوادٍ أخرى، مع الحرص على أن يكون أعضاء النادي منسجمين من حيث المستوى التعليمي، حتى يتمكنّ من فهم القصائد والتعبير عنها بإحساس عميق".

ولفتت إلى أن "النادي يضم نخبة من النساء من خلفيات مهنية متنوعة، مثل الطبيبة، خبيرة المحاسبة، الأستاذة الجامعية، والمديرة، ما يعكس تنوعاً فكرياً وثقافياً يُثري التجربة الفنية، كما تم تنويع الأغاني لتشمل اللغات الفرنسية والإنجليزية، إلى جانب اختيار أعمال موسيقية تتماشى مع الواقع الراهن، وتعكس قضايا مثل الحروب والنزاعات، على غرار بعض الأغاني ذات الطابع الإنساني العميق مثل أغنية Imagine وThere is no war".

وأشارت إلى أن "المالوف يعد كنزاً موسيقاً غنياً، يحمل في طياته إرثاً عميقاً من القطع الفنية التي لم تُمس عبر الزمن، نظراً لأصوله الأندلسية الموريسكية، ورغم أصالة المالوف، فقد منحناه طابعاً خاصاً يعكس هويتنا الثقافية".

وأكدت أن الهدف الأسمى للنادي لا يقتصر على الغناء فحسب، بل يشمل توسيع الثقافة الموسيقية للمنخرطات بكل السبل الممكنة، مشيرة إلى أن المرأة عندما تغادر النادي، لا تعود فقط بطاقة إيجابية، بل تحمل معها مقاطع غنائية جديدة تشاركها مع أبنائها، وقريباتها، مما يعزز حضور الفن في الحياة اليومية.

كما شددت على أن النادي يسعى إلى تعليم الأغاني النادرة وغير المتداولة، بأسلوب فني سليم، بعيداً عن مجرد الغناء والرقص دون مضمون "نحن نؤمن بأن الفن الحقيقي لا يكتمل إلا بالمعرفة، لذلك نحرص على أن تكون كل تجربة غنائية مصحوبة بفهم عميق للكلمات والمقامات.

واختتمت هاجر بن سلامة حديثها بالإشارة إلى أن نشاط نادي "نحب نغني" يُقام كل يوم أربعاء، معتبرةً أن الغناء ليس مجرد هواية، بل هو غذاء للروح والعقل "لا يتوفر لدينا الوقت الكافي لقراءة الشعر، لكن عندما يكون الشعر جزءاً من أغنية، نحقق هدفين في آنٍ واحد نتعلم الشعر ونغنيه"، موضحةً أن النادي لا يقتصر على التدريبات الأسبوعية، بل ينظم حفلات دورية تُخصّص عائداتها لدعم جمعيات ومنظمات ذات أهداف خيرية، مما يمنح النشاط الفني بعداً إنسانياً واجتماعياً يعكس روح التضامن والمشاركة.

بدورها، عبّرت هيفاء بوزقرو، طبيبة الأسنان، عن تجربتها مع نادي "نحب نغني"، مشيرة إلى أن متابعتها لأنشطة النادي كانت نقطة التحول التي دفعتها للانضمام إليه قبل عام ونصف "ما شدّني إلى النادي هو نوعية الموسيقى، وطريقة التعبير، والحرص على الأداء الفني السليم، فلم يكن مجرد فضاء للترفيه، بل مكان لتعلّم الغناء وفق قواعد صحيحة، وهذا ما ميّزه عن باقي النوادي".
 


وأضافت أن "دراسة الطب، بطبيعتها الطويلة والمعقدة، حالت دون تخصيص وقت لتعلّم الموسيقى أو ممارسة هواية الغناء، خاصة الأغاني الطربية التي أعشقها، ومع انشغالاتي المهنية كطبيبة أسنان، لم أجد فرصة حقيقية لأغذّي شغفي الفني".

ولفتت إلى أن "النادي منحني تلك الفرصة التي افتقدتها، وجعلني أعيش شغفي بالغناء في إطار منظم، يجمع بين الفن والمعرفة، ويعيد التوازن إلى حياتي".

وعن تجربتها الشخصية، أوضحت أنها اختارت المشاركة في النادي في الوقت الذي يتدرب فيه أطفالها على الرياضات المختلفة داخل نفس المركز الثقافي، مما يتيح لهم جميعاً العودة إلى المنزل بحالة نفسية أكثر توازناً.

واختتمت هيفاء بوزقرو حديثها بتوجيه رسالة إلى النساء العاملات واللواتي يتحملن مسؤولية تربية الأطفال، داعيةً إياهن إلى الانضمام إلى نادي الغناء كوسيلة فعالة للتخفيف من الضغوط اليومية واستعادة التوازن النفسي "الغناء يمنح المرأة مساحة للتنفس، ويعيد إليها طاقتها، مما ينعكس إيجاباً على طريقة تعاملها مع أطفالها، فالأم التي تفتقر إلى الراحة النفسية لا تستطيع تقديم الأفضل لأبنائها، وهم بدورهم لا يتقبلون أمّاً حزينة".