نساء سوريات بين السواد والحياة

.

مقال بقلم عضوة أكاديمية الجنولوجي زهريبان حسين

ما تعيشه الساحة السورية الآن ليس إلا فوضى عارمة بعد سقوط النظام الدولتي القوموي السابق، لا نرى ونسمع سوى خطابات عمومية عن مستقبل سورية المجهول. مع تدخلات من أطراف عديدة لا تسعى سوى لتوسيع رقعة سيطرتها على أراضي واسعة من سورية ودول أخرى من الشرق الأوسط. لكن، ما الذي ينتظره هذا الشعب الذي عاش بين فكي كماشة منذ أكثر من أربعون عاماً؟

إن الثلاثة عشر الأعوام المنصرمة كانت كافية لتهجر وتقتل وتغتصب الشعب السوري المقاوم أجمع، فلم يستثنى أحد من أفعال وممارسات الشبيحة والجماعات المدعومين من الاحتلال التركي من ناحية أخرى.

لكن ما الذي تعيشه النساء السوريات في خضم هذه الفوضى؟ وما الذي يطالبن به ويسعين لأجله؟ فالنساء اللواتي كان لهن النصيب الأكبر من فقدان فلذات أكبادهن وأزواجهن، والحرمان من أبسط متطلبات الحياة، عانيَين بما فيه الكفاية في هذه الأحداث التراجيدية الطويلة. إن أردنا التحدث عن سوريا حرة بلا قيود وبلا أنظمة متعصبة جنسوياً، قوموياً ودينياً. وأن نسلط الضوء على مستقبل سورية الجديد فلا بد أن نسلط الضوء على إدلب مثال السوري المصغر الذي تريده "هيئة تحرير الشام" التي سيطرت على الحكم، تسليط الضوء على ما تعيشه المرأة في إدلب مهم جداً لمعرفة مصيرنا كنساء كرديات، عربيات، مسيحيات، درزيات وغيرهن من الأديان والطوائف المتواجدة في سورية.

فعلى الرغم من وجود هيئة لتمثيل الأقليات ومكتب المرأة ضمن حكومة الإنقاذ (التي تدير إدلب كبديل لنظام البعثي منذ عام 2017) لكنها لم تتعدى كونها حبر على ورق أو أسماً على لافتة ضمن دائرة حكومية لا أكثر.

هنا، لنسأل سؤالاً، لماذا لا توجد ممثلة لنساء ضمن مجلس حكومة الإنقاذ؟ لماذا لا توجد نساء سياسيات وكاتبات أو دبلوماسيات؟ أو هل يا ترى هن موجودات أو تم تخويفهن وتهديدهن كيلا يظهرن لأبداء أراءهن بالوضع الذي يعشنه؟

قانون الآداب العام المطبق حالياً في إدلب لا يُمثل سورية المتنوعة والمتعددة دينياً وقومياً، فلكل قومية وديانة عادات وطقوس معينة يقدسها ويحتمي بها، فلا يجوز فرض النقاب على المرأة الإيزيدية مثلاً، أو لا يجوز فرض العبادات على الشخص الغير مسلم. لكن ما يحتويه من بنود أحادية الجانب المكتوبة بيد وذهنية الرجل سيستحيل تطبيقه على سورية عموماً، وبما أن الدين يسر وليس عسر فلا نقبل بتشويه صورة الإسلام أيضاً.

لكن، أليس ما تريده "هيئة تحرير الشام" من المرأة الآن بأن تكون المسلمة المنقبة الصامتة كان الشكل ذاته لنساء في زمن حكم داعش أو غيرها من الفصائل المسلحة المتشددة؟ من خلال قراءتي لبعض المقالات ومتابعتي لوضع المرأة في إدلب، كان واضحاً ما تعانيه المرأة من تهميش لدورها الرئيسي في الحياة. فرويداً رويداً تحولت صانعة الحياة لقطعة من القماش الأسود تمشي في الشارع وهي تخشى التحرش واللاأخلاقيات.

لكن بعد ثلاثة عشر عاماً من الحرب وفلولها، هل هذا ما كانت تترقبه وتريده المرأة السورية؟

علينا نحن النساء السوريات ألا ننسى وضع النساء في عفرين في ظل وجود الفصائل التابعة للاحتلال التركي من سجن وقتل، واغتصاب وانتهاك للحرمات. فمنظمة حقوق الأنسان ـ عفرين، المعنية بكشف الستار عما يعيشه أهلنا في عفرين رغم قلة المصادر وخوف الأهالي من كشف هواياتهم، فهناك المئات من النساء مسجونات بتهم واهية وغير صحيحة فقط لكسر إرادتهن وجعل المرأة أداة ثانوية وللمتعة فقط.

من الضروري جداً أن نفهم الوضع السوري الحالي ونقوم بتحليله وعلى الإدارة أو الحكومة الحالية العمل على انخراط المرأة إحياء لدورها الفعال ضمن المجتمع. فسورية لن تكون حرة بدون المرأة، ولن تكون عادلة بلا وجود سياسي للمرأة السو رية.

إن الإدارة الذاتية الديمقراطية وخلال اثنا عشر عاماً من العمل على أرض الواقع ببراديغما الأمة الديمقراطية، ونشر مفهوم الرئاسة المشتركة وتمكين المرأة الكردية، العربية والسريانية بأعمال تنظيمية لمجتمعها مثالً واضح وجدي لما تتأمله المرأة السورية بعد أسقاط النظام السوري. ولا نعتقد أن المرأة في شمال وشرق سوريا وبعد إدارتها ومشاركتها في كافة مجالات الحياة سترضى مرة أخرى بالخنوع والخضوع للذهنية الدولتية أو الأبوية الحاكمة ولن ترضى بصفة ربة المنزل كصفة ثابتة وعائدة لها دوماً. لأن ما يأتي من تغيرات ضمن الثورات يكون لخدمة ومصلحة الشعوب وليس العكس، كما أننا من خلال الأعمال المشتركة كنا نسعى لنشر هذا النظام العادل في سورية عامة، لكن قوانين وأنظمة حزب البعث كانت مُجهضة للعدالة والمساواة دوماً.

على الحكومة المؤقتة في سوريا عدم القبول بتهميش دور النساء السوريات والتفكير بمستقبل سوري مشترك، لأننا سنبقى مصممات للوصول للتمثيل المتساوي السياسي وحقوق العمل والتعليم ووجود جيش ذاتي لحماية النساء، فعندما هاجمت داعش وكوباني وعفرين ورأس العين وتل أبيض، لم يقم النظام السوري السابق ولا الجيش العربي السوري بحمايتنا، بل قامت وحدات حماية المرأة بذلك، فنحن نتعلم من تجاربنا وتجارب الثورات السابقة، فنصيب النساء من الثورات لم يكن أقل من الرجال بل على العكس كان أشنع وأفظع من تمثيل بجثث شهيدات إلى الاعتقال والقتل والاغتصاب.

لن نذهب بعيداً بالتاريخ، ففي عام 2014 عندما هاجمت داعش شنكال (إحدى مناطق الإيزيدين في العراق) قامت بسبي وخطف الآلاف من النساء وبيعيهن في سوق السبايا بالرقة والطبقة وغيرها من الأماكن التي كانت تسيطر عليها حينها. وحتى الآن الآلاف من النساء مخطوفات وغير معروف مكانهن، تم تحرير عدداً ليس بكثير وهن أيضاً تحررن على يد وحدات حماية المرأة.

على الحكومة المؤقتة أن تناقش أمور مصيرية ومهمة بالنسبة للشعب السوري، فتبديل العلم السوري أو تغيير النشيد الوطني أمور ثانوية وتتم بمجمل الأحوال، لكن ما يعيشه الشعب السوري من صدمة التخلص من النظام السابق وأتباعه قد أعمى أعينهم على ما تقوم به هذه الفصائل من تخريبات في سوريا. وانشغل الجميع بأمور ليست بالمهمة قدر أهمية تكوين سورية جديدة بعيدة عن مفاهيم التعصبية، فالتحرر لا يعني فقط التخلص من الدوائر الحكومية وبيروقراطية الدولة، بل له أبعاد جدية وعميقة أكثر من المظاهر المعاشة الآن.

نحن في زمن السرعة وزمن التكنولوجيا، فنشر فيديوهات لأشخاص من القوقاز ومن جنسيات مختلفة كالأفغان، الأتراك، عراقيين أو أوروبيين وجنسيات لا تحصى ضمن هذه التنظيمات خطير للغاية على شعبنا. ومن البديهي ألا نقبل بأن يحكمنا هؤلاء الأشخاص.

فلنكن يد واحدة ولا ندع أي تدخل أجنبي يؤثر على وحدة أراضينا وعيشنا معاً، حتماً سنصل لسورية حرة وديمقراطية بعيدة عن التشدد، سنصلها بإرادة الشعب السوري وإرادة المرأة الحرة.