نساء المغرب تصنعن التاريخ... أربعون عاماً من مقاومة التهميش والتمييز
أربعون عاماً من النضال النسوي شكلت خلالها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب صوتاً جريئاً للنساء في مختلف القضايا.

حنان حارت
المغرب ـ وسط أجواء غنائية حماسية، افتتحت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، أمس السبت 14 حزيران/يونيو، فعاليات الذكرى الأربعين لتأسيسها تحت شعار "أربعون سنة من الالتزام بفعلية حقوق النساء"، وذلك في مدينة الدار البيضاء.
يجسد هذا الحدث الرمزي أربعة عقود من النضال النسوي الذي خاضته الجمعية، إلى جانب الحركة النسائية المغربية، دفاعاً عن حقوق النساء والمساواة الفعلية والعدالة الاجتماعية والتمكين السياسي والاقتصادي.
وأكدت الجمعية أن هذه الذكرى ليست مجرد لحظة احتفاء، بل وقفة تأمل في المسار واستشراف لما هو قادم. وقد تخلل اللقاء شهادات مؤثرة لمناضلات ساهمن في تأسيس الجمعية، وأخريات من جيل جديد يعكس استمرارية النضال النسوي.
وشددت المتدخلات على أن تاريخ الحركة النسائية المغربية لم يكتب من فراغ، بل سطرته مناضلات وناشطات كرسن حياتهن لخدمة قضايا النساء برؤية استراتيجية ووعي جماعي متجدد.
وعلى امتداد أربعة عقود، راكمت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب تجربة نضالية، قائمة على الاستقلالية والمبادرة، فقد اختارت منذ تأسيسها أن تكون مستقلة في قراراتها، بعيدة عن الاصطفافات السياسية أو الإملاءات الخارجية محافظة بذلك على خط نضالي واضح ومسؤول.
وشكلت قيم الالتزام، والعمل التطوعي، والاستقلالية، أسساً متجذرة في تجربة الجمعية حيث ينظر إلى العمل الجمعوي كفعل نابع من قناعة ذاتية لا من منطق مصلحي أو ظرفي.
على هامش اللقاء، قالت السياسية والناشطة الحقوقية نزهة الصقلي وهي إحدى مؤسسات الجمعية "منذ تأسيس الجمعية، كنا نستحضر كل قضايا النساء، دون تجزيء أو انتقاء، من الأمية إلى العنف المسكوت عنه، ومن الإقصاء من مراكز القرار إلى القوانين المجحفة، كانت رؤيتنا شمولية تنطلق من وعي بأن قضايا النساء مترابطة، ولا يمكن فصل واحدة عن الأخرى، كنا نعتبر الأمر مشروعاً مجتمعياً متكاملاً، يقوم على إرساء المساواة، وصون الحريات، ورفع الظلم".
وأضافت "عندما نرى حصيلة الأربعين عام، ندرك أننا حققنا الكثير ليس فقط بفضل الجمعية وحدها، بل لأنها خلقت دينامية مجتمعية واسعة من خلال إشراك الأحزاب التقدمية، والنقابات العمالية، والحركة الحقوقية، وبفضل هذا التراكم الجماعي، استطعنا التأثير على المشروع المجتمعي نفسه، لكننا نعي في الوقت ذاته أن كل مكتسب يتحقق يكشف لنا أن الطريق ما زال طويلاً، وأن النضال مستمر ومتجدد".
من جانبها، أبرزت نزهة بلقشلة عضوة الجمعية، أن انطلاقة الجمعية كانت بسيطة من خلال لقاءات نسائية تعقد في البيوت تركز على محو الأمية والخياطة والتوعية بقضايا النساء خاصة في القرى والمناطق المهمشة.
وأضافت "لكننا سرعان ما انتقلنا إلى قضايا أكثر عمقاً، كالعنف والتمييز في القوانين، مستندات في ذلك إلى احتياجات النساء الفعلية، خصوصاً الأكثر تهميشاً".
ولفتت إلى أن نضال الجمعية اعتمد على ثلاث ركائز استراتيجية البحث العلمي، حيث كانت كل قضية تدرس ميدانيا عبر الإحصاءات ودراسات الحالة؛ ثم التواصل والترافع، من أجل التأثير في صناع القرار وتعبئة الرأي العام؛ وأخيرا التحالفات، إيماناً بأن التغيير لا يمكن أن يحدث إلا بضغط جماعي.
وشددت على أن الجمعية ساهمت في محطات مفصلية، من بينها مراجعة مدونة الأسرة، من خلال التنسيقية النسائية للتغيير الشامل والعميق، ولا تزال تتابع هذه الورش باعتباره مفتاحاً لتحقيق المساواة داخل الأسرة، التي تعد اللبنة الأساسية لأي عدالة مجتمعية، كما شاركت في بلورة مشاريع قوانين مثل قانون مناهضة العنف ضد النساء، والقانون الجنائي، وانخرطت في تحالفات نوعية كتحالف "الكرامة".
وذكرت أن الجمعية اليوم تعمل على مشاريع مستقبلية كـ "مدرسة المساواة" التي تهدف إلى تفكيك الصور النمطية، وإدماج ثقافة المساواة في المؤسسات التربوية، كما تراهن على الحوار بين الأجيال النسائية وتسعى إلى إشراك الشابات وتمكينهن في مسار النضال.
وأشارت نزهة بلقشلة إلى أن "الجمعية ليست فقط ذاكرة نضالية، بل هي مشروع متجدد يجمع بين الأصالة والتجديد، ويستشرف المستقبل بثقة وإرادة".