مشاركات في الندوة: يجب الاعتراف بالإبادة الجماعية وتوفير العدالة للناجيات
أكدت المشاركات في الندوة على ضرورة الاعتراف بما جرى في شنكال كجريمة إبادة جماعية وتوفير الحماية للناجيات من مختلف المكونات "يجب تعزيز دور المرأة وتحريرها من الذهنية الذكورية عبر التوعية والتنظيم، انطلاقًا من فلسفة القائد عبد الله أوجلان".

مركز الأخبار ـ نظمت حركة حرية المرأة الإيزيدية بالتعاون مع تحالف "ندى" النسوي الديمقراطي الإقليمي أمس الثلاثاء 29 تموز/يوليو، ندوة رقمية عبر تطبيق Zoom تحت عنوان "نحو تنظيم المجتمع الإيزيدي، بعد 11 عاماً على إبادة الإيزيديين".
شارك في الندوة كل من منسقة حركة حرية المرأة الإيزيدية ريهام حسن، القيادية في وحدات المرأة الشنكالية (YJŞ) كولان شنكالي والناشطة السياسية العراقية بشرى أبو العيس التي أدارت الندوة، وأشارت إلى أن البرلمان العراقي شرع في عام 2021 القانون رقم (8) الخاص بالناجيات من الإيزيديات، والذي شمل أيضاً عدداً من المسيحيات والتركمانيات، لافتةً إلى أن هذا القانون لم يتضمن المسلمات اللواتي تعرضن لانتهاكات على يد داعش، وهو ما أثار انتقاداً واسعاً حول محدودية شمول القانون.
وأوضحت أن القانون رغم أنه نص على تشكيل إدارة مستقلة مقرها نينوى، تتولى شؤون تأهيل ورعاية الناجيات برئاسة مدير عام من المكون الإيزيدي، فإن هذا التشكيل لم يفعل بالشكل المرجو، مشيرةً إلى أنه كان من المفترض أن يقوم هذا الهيكل بتقديم قاعدة بيانات شاملة توثق الضرر الذي لحق بجميع النساء المتأثرات، بغض النظر عن انتمائهن الديني أو القومي.
وأوضحت بشرى أبو العيس أن "القانون أشار إلى بند خاص بالتعويض، ضمن إطار العدالة الانتقالية، لكل من تضرر من جرائم الإبادة الجماعية أو النزاعات المسلحة، لكن للأسف، لم يتم تنفيذ هذا البند بشكل فعال، ولم يحصل سوى عدد قليل جداً من الناجيات على الدعم أو التعويض المناسب، لذلك، فإننا ندعو الحضور، خاصة من محافظة نينوى وشنكال، إلى تقديم معلومات إضافية حول مدى تفعيل هذا القانون، وواقع حال الناجيات، وما إذا تم الاعتراف بوقائع الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعبنا، والتي اعترفت بها عدة دول أوروبية وإقليمية، بينما لم يصادق العراق رسمياً عليها حتى الآن".
وتأمل أن تقوم الحركات النسوية لا سيما العالمية، بتفعيل هذا الملف ومطالبة الحكومة العراقية بالاعتراف بما جرى في شنكال كجريمة إبادة جماعية، وتوفير الحماية والرعاية الكافية للناجيات، حيث أن عدد الناجيات لا يتجاوز الألف من أصل أكثر من أربعة آلاف إيزيدية اختطفت، وما زالت العديد منهن مفقودات أو مجهولات المصير.
وفي مداخلة لها قالت منسقة حركة حرية المرأة الإيزيدية ريهام حسن "شكلت مجزرة شنكال واحدة من أبشع الجرائم بحق الإنسانية، هذه الندوة ليست مجرد مناسبة لتذكير العالم بما حدث، بل هي صرخة إنسانية تدعو للعدالة والتضامن مع الناجين والناجيات الذين ما زالوا يحملون آثار تلك الفاجعة في أرواحهم وأجسادهم".
وأوضحت "إننا لا نستعيد تفاصيل الألم والمعاناة فحسب، بل نحيي أرواح الشهداء، ونكرم الضحايا الذين اختطفوا وعذبوا وقتلوا فقط لأنهم ينتمون إلى ديانة أو هوية مختلفة، نسلط الضوء اليوم على ما تعرض له المجتمع الإيزيدي عموماً، وبالأخص النساء الإيزيديات، من إبادة ممنهجة هدفت إلى محو الثقافة والمعتقدات الإيزيدية من أرض بلاد ما بين النهرين، تلك الأرض التي كانت مهداً للإنسانية والحضارات".
وأشارت إلى أن الإيزيديين هم من أقدم الشعوب التي عاشت على هذه الأرض، بثقافة ومعتقدات وفلسفة فريدة، قائمة على السلام والديمقراطية والتسامح "لعبت المرأة الإيزيدية دوراً رئيسياً في حماية هذه الثقافة واستمراريتها، وكانت دوماً محوراً في الحياة الاجتماعية والدينية"، لافتةً إلى أنه تاريخياً تعرض المجتمع الإيزيدي لـ 74 حملة إبادة جماعية مسجلة، معظمها في إقليم كردستان إلى جانب المئات من المجازر غير الموثقة، استهدفت هذه الإبادات ثقافتنا، نساءنا، معتقداتنا، وتاريخنا، ونتيجة لهذه الإبادات، انخفض عدد الإيزيديين من حوالي 40 مليون إلى قرابة مليون فقط، يتوزعون اليوم في مختلف أنحاء العالم".
وتابعت "نتحدث اليوم عن مأساةٍ عظيمة تعرض لها المجتمع الإيزيدي في قضاء شنكال، والتي كانت نتيجةً مباشرةً لسياسات خاطئة انتهجتها بعض الأطراف الحزبية تجاه المكونات الثقافية والدينية، مما أفسح المجال للتنظيمات الراديكالية للانتقام من هذه المجتمعات، وكان للمجتمع الإيزيدي النصيب الأكبر من هذه المأساة، بعدما تُرك بلا حماية، يشهد العالم بأسره كيف خُذل هذا الشعب، تاركين النساء والأطفال يواجهون مصيراً مجهولاً في حر الصيف، محاصرين في الجبال، حيث وقعت جرائم القتل والذبح والسبي".
ونوهت إلى أنه في إبادة آب/أغسطس 2014، خُطفت 3504 امرأة إيزيدية على يد داعش وتم الاتجار بالآلاف من النساء والفتيات، حيث تعرضن لأبشع أشكال العنف من تعذيب واغتصاب وحتى القتل في أسواق الرق مثل الموصل والرقة، مشيرةً إلى أنه حتى الآن تم إنقاذ 1185 امرأة فقط، بينما لا يزال مصير 2319 امرأة إيزيدية مجهولاً، لا يعرف إن كن على قيد الحياة أو لا.
أما الأطفال، فقد كانوا ضحايا لا تقل مأساتهم عن البالغين، إذ توفي المئات منهم بسبب العطش والجوع أثناء تلك المجازر، بينما تم اختطاف الآلاف وإجبارهم على تغيير عقيدتهم الدينية قسراً، وزرع الفكر المتطرف فيهم وتجنيدهم في العمليات القتالية، حيث بلغ عدد الأيتام حتى الآن 2745 طفلاً وفقاً لما أوضحته ريهام حسن.
من جانب آخر، لا يمكن إغفال الجرائم الجماعية التي نفذها داعش، حيث أوضحت أنه تم اكتشاف 93 مقبرة جماعية في شنكال ومحيطها، وتم فتح 62 منها حتى الآن وفقاً لوزارة الحماية وشؤون المقابر الجماعية، بينما لا تزال 31 مقبرة بانتظار الفتح، وقد تم استخراج جثث 798 ضحية، من بينها 80 امرأة وطفلة دفن في مقبرة جماعية بقرية صولاغ، المعروفة باسم "القنبرة"، كما تم اكتشاف مقبرة جماعية بتاريخ الثامن عشر من آب/أغسطس 2024، قرب قرية الحبر، ضمت حوالي 1500 جثة أغلبهم من الإيزيديين "هذه الحقائق الدامية تجسد حجم الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الإيزيدي، وتفرض على الإنسانية جمعاء واجب الاعتراف، بالعدالة والمساءلة".
بدورها أكدت القيادية في وحدات المرأة الشنكالية (YJŞ) كولان شنكالي، على الدور المحوري الذي تلعبه المرأة في بناء المجتمع وعلى ضرورة وجود قوانين تحمي الأرض والشعب والمرأة، معتبرةً أن غياب مثل هذه القوانين هو ما يفسر تصاعد الهجمات العنيفة، لا سيما التي تستهدف النساء.
وأوضحت أن دور المرأة لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يمتد إلى الحفاظ على الإرث التاريخي لها "أن المرأة لم تكن يوماً مهمشة عبر العصور، بل ساهمت في حماية وتطوير مجتمعها، أن غياب التشريعات التي تعترف بحقوق المرأة قد يدفعها حتماً للنهوض بنفسها والدفاع عن مجتمعها"، مؤكدةً أن ما يجمع النساء ليس مجرد تنظيم يؤمن بأفكار محددة، وإنما فلسفة وإيديولوجيا تقوم على الوعي والتنظيم والتطوير الذاتي في مختلف المجالات، وليس في الجانب العسكري فقط.
وأشارت إلى أنه "بالعودة للتاريخ نرى أن المرأة قد تعرضت للعديد من الانتهاكات كالتعذيب القتل والرجم وحتى للاغتصاب، وهذا يؤكد أنه ليس هناك قانون يحميه، فالقانون الذي يمحي أرثها ولا يتعرف بدورها لا يمكن له أن يصدر قرارات يلفت الانتباه إلى دورها في المجتمع"، مضيفةً أن وحدات مقاومة المرأة في شنكال تأسست في 2016 نتيجة الانتهاكات التي ارتبكت بحق المرأة الإيزيدية.
وقالت إن السلطة الذكورية تسيطر وتتحكم في الوقت الحاضر على مختلف جوانب الحياة، خاصة فيما يتعلق بالمرأة، حيث تتجاهل جوهرها ودورها الأساسي "كقوى تنتمي إلى وحدات حماية المرأة الشنكالية يجب علينا أن نكون نموذجاً تُحتذى به جميع النساء ليس فقط في المجال العسكري، وإنما في وعي المرأة بذاتها، لتكتشف حقيقتها وتعود إلى جذورها التاريخية".
وأكدت أنهم كوحدات مقاومة المرأة لا نسعى فقط إلى تنظيم المرأة بل نقوم بتدريب النساء الإيزيديات بهدف تنظيم أنفسهن ومجتمعهن بصورة صحيحة تكون خلالها قادرة على إدراك حقيقها فهي لا تحمل السلاح فقط بل تمتلك فكر وفلسفة، مضيفة أن الشعب الإيزيدي عانى من مجازر وإبادات من حقه أن يعيش على أرضه بمعتقداته وأفكاره وبأمن وسلام "أن المكان الذي يمتلك قوة لحماية المرأة يضمن مجتمع ذو إخلاق وإنسانية واستقرار وأمن، لذلك هدفنا من تأسيس وحدات حماية المرأة هو أن تدرك النساء أن هناك قوة تضمن لهن حقوقهن وتحميهن لتكن ذو قدرة وإرادة وتستطعن حماية أنفسهن وليكون بذلك التاريخ شاهد على نضالاتهن".
وقالت إن للحداثة الرأسمالية دور جوهري في تهميش المرأة وإقصائها عن مواقعها التنظيمية والسياسية، بل وحتى العسكرية داخل المجتمع، وإن كنا ننتظر أن يمنح الرجل للمرأة الديمقراطية والحرية، فإننا بذلك نكون قد خدعنا أنفسنا "تمثل المرأة الإيزيدية اليوم نموذجاً يُحتذى به في شنكال، يُلهم النساء العراقيات المرتبطات بأرضهن ومجتمعهن خاصة إذا كنا نسعى لحماية المرأة من الاغتصاب ومن تأثيرات الحداثة الرأسمالية، فعندما تعبر المرأة عن حقيقتها وتمثل جوهرها، تصبح قادرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة هذه الرأسمالية التي تحاول طمس وجودها، وهذا الدفاع حق طبيعي لها، فحين يرى المجتمع كيف تقف المرأة بشجاعة لحماية نفسها، تتولد لديه الثقة والإيمان بقدرتها وبدورها الحيوي".
وأكدت أن وحدات حماية شنكال اليوم باتت تمتلك قدرات أيديولوجية ومستوى عال من الوعي، وذلك بفضل تأثرها بفلسفة القائد عبد الله أوجلان التي منحت المرأة القوة والفرصة لتطوير ذاتها في مختلف المجالات، مشيرةً إلى أن شعار "المرأة، الحرية، الحياة" الذي انتشر عالمياً لا يمكن فصل كلماته عن بعضها، إذ إن حماية المرأة لنفسها تعني في جوهرها حماية المجتمع بأسره".
وفي ختام حديثها شددت كولان شنكالي على أن فلسفة القائد عبد الله أوجلان كانت بمثابة طريق لتحرير المرأة الحرة، إذ أتاحت لها أن تصبح ريادية في مجتمعها، لا سيما تلك التي تعتمد في نضالها على قوتها الفكرية قبل العسكرية "يجب على المرأة أن تدرك قوتها، وألا ترضخ لقوانين الذهنية الذكورية التي سلبتها حقوقها، ولم توفر لها الحماية التي تستحقها".