بيريفان محمد: الكرد بين نيران الحرب وأمل الحوار
أكدت الناشطة بيريفان محمد أن نضال الشعب الكردي، الممتد عبر سنوات طويلة، بدأ يحقق نتائجه، مما دفع الدولة التركية إلى الجلوس على طاولة الحوار مع الكرد.

هيلين أحمد
السليمانية ـ منذ أن أطلق القائد أوجلان مبادرة السلام، تحمّل كل فرد كردي حرّ مسؤولية كبيرة تجاه هذه القضية المصيرية، ففي 27 شباط/فبراير الماضي، شدد على أهمية الحوار، مؤكداً أن السلام لا يتحقق بمجرد التخلي عن السلاح، بل يتطلب فتح باب حقيقي لمعالجة القضية الكردية عبر طاولة مفاوضات جدية.
رغم أن الدولة التركية اضطرت إلى الدخول في مسار الحوار، إلا أن الهجمات العسكرية على مناطق إقليم كردستان لم تتوقف، حيث يتعرض المدنيون يومياً للقتل والاعتداء على أراضيهم من قبل دول الجوار، ومع ذلك، يواصل الكرد مدّ يد السلام، معتبرين أن هذه القضية ليست مجرد خطاب سياسي، بل ممارسة عملية تتجسد في الميدان.
وقد عبّر مقاتلو الكريلا عن التزامهم بخيار السلام، استجابةً لمبادرة القائد أوجلان، من خلال خطوات ملموسة، أبرزها ما حدث في المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني، حيث أعلنوا بدء المرحلة الأولى من تنفيذ عملية السلام، وفي مراسم مهيبة حضرها سياسيون ومثقفون وصحفيون من مختلف أنحاء الشرق الأوسط، قام المقاتلون بإحراق أسلحتهم، في مشهد رمزي يجسد رغبتهم الصادقة في إنهاء الصراع.
إن انعقاد المؤتمر والتخلي عن السلاح يمثلان إعلاناً كردياً واضحاً بأن السلام والديمقراطية هما الخيار الاستراتيجي، رغم استمرار الاعتداءات، فالكرد، بقيادة القائد أوجلان، يثبتون أن إرادة السلام أقوى من لغة الحرب، وأن الحوار هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة والاستقرار في المنطقة.
"انعدام الثقة بالدولة التركية يولد الخوف من الفشل"
أكدت الناشطة والصحفية بيريفان محمد أن الشعب الكردي يعيش حالة من التوجس المستمر تجاه مصير عملية السلام، نتيجة لانعدام الثقة بالدولة التركية التي كثيراً ما تنكّرت لوعودها، ورغم هذا القلق، فإن مقاتلي الكريلا أقدموا على خطوة رمزية بالغة الأهمية، تمثلت في إحراق أسلحتهم، تعبيراً عن التزامهم الصادق بخيار السلام.
وأشارت إلى أن قضية السلام، خلال أقل من خمسة أشهر، شهدت تحولات استراتيجية في الشرق الأوسط، حيث جسدت المراسيم والبيانات الصادرة عن حزب العمال الكردستاني صدق نية الكرد تجاه دول الجوار، ورغم المخاوف العميقة من فشل العملية، فإن الشعب الكردي لا يزال يرى في مقاتلي الكريلا، المنتشرين في جبال كردستان الحرة، قوة حماية ودرعاً في وجه التهديدات المستمرة.
وفي ظل غياب الثقة تجاه الدول الإقليمية، اتخذ مقاتلو الكريلا خطوات جريئة نحو السلام، استجابةً لنداء قائدهم عبد الله أوجلان، الذي شدد في رسالته الأخيرة على أن "التحرك نحو السلام يجب أن ينبع من إرادتنا، ومن قوة حركة التحرر، لا من موقع الضعف".
واعتبرت بيريفان محمد أن نجاح اللقاءات التي جرت في سجن إمرالي بين القائد أوجلان وممثلي حزب الشعوب الديمقراطي، إلى جانب المراسيم الرمزية التي أُقيمت في كهف جاسنة بمحافظة السليمانية، يشير إلى اقتراب تحقيق السلام، بشرط أن يثق الشعب الكردي برؤية القائد أوجلان ويؤمن بجدوى مشروعه.
لكنها تنتقد موقف الدولة التركية، التي لم تُظهر حتى الآن أي خطوات عملية حقيقية، واكتفت بالتصريحات دون تنفيذ، وترى أن تركيا مطالبة بإضفاء الطابع القانوني على عملية السلام، بدءاً بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم القائد أوجلان، واعتبار ذلك شرطاً أساسياً لإنهاء الصراع، إلى جانب نزع سلاح مقاتلي الكريلا.
ودعت إلى تشكيل لجنة برلمانية تركية لصياغة دستور جديد يعترف بالحقوق الكردية، وينهي عقوداً من التهميش داخل البرلمان التركي، الذي لطالما تجاهل مطالب الكرد، خاصة فيما يتعلق باستخدام اللغة الكردية، التي لا تزال تُواجه بالرفض والتجريم.
ورغم بعض النقاشات التي طُرحت بعد 11 تموز/يوليو الجاري داخل البرلمان التركي، فإن الدولة لا تزال بعيدة عن الاعتراف الحقيقي بالقضية الكردية، وأن الكرد يمتلكون أهدافاً أعمق من مجرد الاعتراف، ويجب على تركيا أن تتعامل مع مطالبهم بجدية، خاصة في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.
وأضافت أن الدولة التركية، في ظل الحرب الدائرة في المنطقة، باتت مضطرة لاختيار طريق السلام، وإن التصريحات الأخيرة لكل من بهجلي وأردوغان تكشف عن إدراك متأخر لحجم الخطأ الذي ارتُكب بعد فشل عملية السلام السابقة، وأن عليهم عدم تكراره، فتركيا اليوم أمام مفترق طرق، والكرد، من خلال نضالهم المستمر، فرضوا على الدولة التركية العودة إلى طاولة الحوار.
"بعد حربٍ دامت مئة عام بات من الضروري ترسيخ السلام"
وأوضحت بيريفان محمد أن القضية الكردية في تركيا تعيش حالة من التوتر المستمر، إذ يخشى الشعب الكردي من فشل عملية السلام بسبب انعدام الثقة بالدولة التركية، التي لم تتوقف عن شن الهجمات حتى بعد إعلان مقاتلي الكريلا لإتلاف السلاح. فرغم المبادرات السلمية، لا تزال العمليات العسكرية والقصف التركي على أراضي إقليم كردستان ومواقع الكريلا مستمرة، مما يثير تساؤلات حول جدية الدولة التركية في الالتزام بالسلام.
وأكدت أن الشعب الكردي، منذ بداية التسعينيات، بذل جهوداً كبيرة من أجل الحوار والتوصل إلى حل سلمي، إلا أن الدولة التركية واصلت هجماتها حتى في الفترات التي شهدت مبادرات للسلام، مشيرةً إلى أن القائد عبد الله أوجلان كان واضحاً في تحذيراته، حين قال إن "بعض الدول التي تستفيد من استمرار الحرب لا ترغب في وجود عملية سلام حقيقية".
ولفتت إلى أن التاريخ السياسي التركي يُظهر أن بعض المسؤولين الذين دعموا عملية السلام تعرضوا للإقصاء، بل إن رؤساء للجمهورية أُبعدوا بسبب مواقفهم المؤيدة للحوار، وهذا يعكس وجود تيارات داخلية في تركيا تعارض أي تقدم في ملف القضية الكردية، وتفضل استمرار الصراع.
لذلك، ترى بيريفان محمد أن ترسيخ السلام يتطلب جهداً طويل الأمد، وأن القضية الكردية لا يمكن أن تُحل فقط في شمال كردستان وتركيا، بل يجب أن تمتد لتشمل عموم الشرق الأوسط، مع الحفاظ على مكتسبات الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان.
وشددت على أن الكرد في هذه المرحلة يجب أن يحملوا مسؤولية تاريخية، كما فعل إقليم شمال وشرق سوريا الذي لعب دوراً محورياً منذ انطلاق عملية السلام، وواجه التحديات اليومية بإصرار، كذلك، فإن إقليم كردستان أظهر دعماً ملموساً، خاصة عندما استقبل وفد إمرالي القادم من شمال كردستان لمناقشة القضية، حيث لقي ترحيباً واسعاً من النشطاء والإعلاميين.
وفي 11 تموز/يوليو الجاري، عبّر إقليم كردستان عن دعمه لخطوة إحراق السلاح، لكن بيريفان محمد ترى أن المسؤوليات يجب أن تتوسع، خصوصاً في بناء مجتمع كردستاني موحد، وهو ما دعا إليه القائد أوجلان منذ البداية عبر اقتراحه تأسيس مؤتمر قومي كردستاني، ليكون الكرد قوة سياسية موحدة تتقدم نحو حل شامل للقضية.
واختتمت بيريفان محمد حديثها بالقول إن على السياسيين في إقليم كردستان أن ينخرطوا بجدية في مناقشة عملية السلام، إلى جانب نظرائهم في تركيا، لأن نجاح هذه العملية هو السبيل الوحيد أمام الشعب الكردي لنيل حقوقه التاريخية التي حُرم منها على مدار قرن كامل.