عندما تصبح الكتابة جريمة... تهديدات تطارد مناصرات قضايا المرأة
قد يكون التهديد سلاحاً فعّالاً لإسكات البعض، لكنه لن يمنع من مواصلة الطريق والتوقف عن الكتابة، ولا عن نقل الحقيقة، بالرغم من القلق، فالكتابة تبقى الأمل الوحيد في عالم يحاول طمس أصوات النساء وإخفاء معاناتهن.

مقال بقلم الصحفية شغف العمر
لم أكن أتصور يوماً أن قلمي سيصبح سلاحاً يهدد حياتي، وأن الدفاع عن النساء وحقوقهن سيجعلني هدفاً للترهيب، منذ فترة طويلة كرّست جهودي لفضح الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في مناطق النزاع، ونقلت شهادات حقيقية لنساء عانين من القمع والتهميش، لكن ما لم أكن أتوقعه هو أن هذه الشهادات لن تترك أثرها فقط على القارئ، بل ستجلب معها التهديد والترهيب لي وللنساء اللواتي تجرأن على الحديث.
تحديات داخلية وخارجية
لم تكن التهديدات التي واجهتها مقتصرة على الرسائل المجهولة أو محاولات الترهيب الخارجية، بل امتدت إلى داخل عائلتي، حيث أصبح خوفي على نفسي يتقاطع مع خوفهم عليّ. أحد أفراد أسرتي، الذي لطالما دعمني، بدأ يرى في الكتابة خطراً لا يستحق المجازفة، علما أنه لم يكن يعارض قناعاتي أو ينكر أهمية ما أفعله، لكنه كان يؤمن أن التراجع هو الخيار الأكثر أماناً، فحاول إقناعي بأن التهديدات قد تتحول إلى أفعال، وأنني أضع نفسي في مواجهة لا طاقة لي بها، كان يقول لي بحزم "هذا لمصلحتك، لا أحد سيحميك إذا حصل شيء".
لكنني كنت أرى الأمر من زاوية أخرى، فالكتابة ليست مجرد كلمات على الورق، بل هي صوت، وصوتي لم أعد أمتلك رفاهية كتمانه. أخبرته أن الخوف الذي يشعر به هو جزء من المشكلة، وأن الصمت لن يجعل العالم أكثر عدلًا، بل سيفسح المجال للمزيد من الانتهاكات دون مساءلة، ومع كل محاولة منه لإثنائي عن الاستمرار، كنت أزداد تمسكاً بالقلم، لأنني أعرف أن التوقف يعني هزيمة لم أكن مستعدة لقبولها.
الخوف والتمسك بالقلم
لم تعد التهديدات مجرد كلمات عابرة أو رسائل تحمل تلميحات مبطنة، بل تحولت إلى مكالمات مباشرة، أصوات صارمة تأمرني بالتوقف عن الكتابة، تحذرني من "تجاوز الخطوط الحمراء"، وكأن نقل الحقيقة بات جريمة تستوجب العقاب. في كل مرة أفتح هاتفي، أجد رسائل جديدة، بعضها يحمل وعيداً صريحاً، وأخرى تتستر خلف نصائح زائفة تدّعي أنها "لصالحي".
لم يعد الخوف مجرد إحساس طارئ، بل أصبح حاضراً في كل لحظة، كظل ثقيل يلازمني حتى في أكثر الأماكن أماناً، والتوتر أصبح جزءاً من يومي، والقلق يتصاعد مع كل إشعار يصلني، لأنني أدرك أن من يهددني اليوم قد يحاول تنفيذ وعيده غدًا.
لكن الاستهداف لم يقتصر عليّ وحدي، بل امتد ليطال النساء اللواتي منحتهن الكتابة فرصة للخروج من صمتهن، إحداهن لم تمضِ ساعات على نشر شهادتها حتى تلقت الضرب من زوجها، عقابًا لها على جرأتها في الحديث.
وأخرى وجدت نفسها مطرودة من منزلها، فقط لأنها كشفت جزءًا بسيطًا من معاناتها، وكأن مجرد النطق بالحقائق هو تمرد يستوجب القمع، وكأن المرأة التي تجرؤ على الكلام لا تستحق إلا الصمت المفروض بالقوة، أمام كل ذلك، أجد نفسي عالقة بين خيارين، إما أن أتوقف وأنسى كل من لجأن إليّ ليجدن صوتهن في كلماتي، أو أن أواصل، رغم أن كل خطوة في هذا الطريق تعني مزيدًا من التهديدات، مزيدًا من الخوف والقلق الذي لا يفارقني.
نستمر رغم الخطر
قد يتساءل البعض، لماذا نستمر رغم كل هذا الخطر.. لأن الصمت ليس خياراً، ولأن النساء اللواتي يخشين الحديث يحتجن إلى أصوات تدافع عنهن، فمثل هذه التهديدات التي تواجه الصحفيات والناشطات ليست مجرد محاولات تخويف فردية، بل جزء من منظومة تحاول إسكات أي صوت يطالب بالتغيير.