نازحات سودانيات: قرار الإخلاء يحتاج إلى توفير البديل الآمن

بدأ العام الدراسي في ولاية البحر الأحمر بالسودان دون إيجاد حل للنازحين الذين لجأوا إليها ويعيشون في مدارسها وقد رفضوا المغادرة لعدم قدرتهم على إيجاد مكان آخر.

سلمى الرشيد  

السودان ـ في ظل إكمال النزاع في السودان عامه الأول ومخاوف من أن يطول أمده، تواجه نساء وأطفال بمخيمات المدارس قرار الإخلاء بالخوف من المجهول وفي ظل ظروف بالغة التعقيد تعتمد النساء على الإيثار الإنساني من الجيران مع عدم وجود مساعدات من جهات حكومية أو دولية.

بدأ العام الدراسي في ولاية البحر الأحمر بالسودان دون إيجاد حل للنازحين الذين لجأوا إليها والذين رفضوا المغادرة، وأجمعت النازحات بمدرسة عزة في ولاية البحر الأحمر السودانية والتي تؤوي العشرات من اللاجئين على أن مدرسة التقدم في حي "العرب" ليست مكاناً صالح للسكن ووصفنها بمكان للبهائم ما قد يجبرهن على العودة إلى الطرقات وافتراش الأرض.  

وقالت مديرة مدرسة "عزة" للبنات مريم حسن إن النزاع أكمل عامه الأول ومازالت مستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مما أدى إلى نزوح العديد من الأسر بحثاً عن الأمان حيث بلغ عدد النازحين/ات 143 نازح/ـة بمدرسة "عزة" من بينهم 38 في سن التعلم بالمراحل التعليمية المختلفة.

ولفتت إلى أن المدرسة بعد تحويلها إلى مخيم إيواء تواجه تحديات عظيمة تزامناً مع إعلان حكومة ولاية البحر الأحمر بداية العام الدراسي "تم اخطاري بصفتي مديرة المدرسة بالحضور للمدرسة واستلامها والوقوف على تجهيزات العام الدراسي بالرغم من أن المدرسة ما زالت مخيم ايواء لعدد من الأسر النازحة من الخرطوم ولاية الجزيرة، والسلطات أخطرت النازحين بإخلاء المدرسة وتحويلهم إلى مدرسة التقدم"، مؤكدةً أن المكان غير مهيئ للسكن الآدمي فهو عبارة عن حظيرة للحيوانات لا يصلح أن يكون مخيم للنازحين.

وطالبت مريم حسن السلطات بولاية البحر الأحمر بتوفير البديل الآمن للنازحين/ات ومن ثم الإعلان عن بداية العام الدراسي وكذلك تزويد النازحين بالخيم.

 

 

فيما قالت المعلمة منازل عبد المنعم عيسى وهي نازحة بمخيم مدرسة عزة للبنات بحي ديم المدينة أنها كانت تسكن بالخرطوم ولكن الحرب حولت حياتها وحياة أسرتها وأجبرتهم على مغادرة منزلهم خوفاً من الرصاص والأسلحة الثقيلة وهرباً من الحرب وبحثاً عن الأمان توجهت مع أسرتها إلى ولاية الجزيرة.

ولفتت إلى أنه "عند وصولنا إلى مدينة ود مدني لحقنا شبح الحرب التي اندلعت بولاية الجزيرة ونزحنا مره أخرى إلى ولاية البحر الأحمر بحثاً عن الأمان".

 

 

كذلك منازل عبد الله معلمة نازحة من الخرطوم مقيمة بمخيم مدرسة عزة قالت إن مخيم مدرسة عزة للبنات يضم ٧ من معلمات ومعلمي ولاية الخرطوم أجبرتهم الحرب أن يقيموا بمخيمات النزوح ويواجهون ظروف صعبة في ظل توقف العمل عام كامل.

وترى أن قرار والي ولاية البحر الأحمر القاضي بانطلاق العام الدراسي لم يكن صائباً خاصةً أن العديد من مدارس الولاية تحولت إلى مراكز للنازحين/ات والحرب لم تنتهي بعد "فيما يخص مخيم مدرسة عزة الذي أقيم فيه ويظل السؤال مفتوح أين سوف نذهب نحن وأسرنا ولدينا أطفال وكبار سن".

وأكدت أن "الظروف المعيشية لا تمكننا من الخروج من المخيم والبحث عن منزل للإيجار والحرب أكملت عامها الأول ونحن بلا رواتب وفقدنا مدخراتنا. إن الايجارات مرتفعة جداً لا نستطيع توفيرها لذلك يجب إعادة النظر في قرار إخلاء المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء وتوفير البديل المناسب من خيم في أماكن آمنة تحفظ كرامتنا وحرماتنا ومن ثم بداية العام الدراسي فجميعنا معلمون ونقدر العملية التعليمية وحريصون عليها".

أما بدرية محمد خير فهي نازحة من ولاية الخرطوم كانت تسكن بحي العشرة ومقيمة بمخيم مدرسة عزة تقول "بقينا في منزلنا أثناء الحرب أربعة أشهر حتى قامت قوات الدعم السريع بمهاجمتنا وأجبرتنا على الخروج منه ولم نكن نمتلك تكاليف السفر وتوجهنا إلى السوق الشعبي في الخرطوم بقصد السفر إلى الولاية الشمالية لكن أسرتنا كبيرة وتكلفة السفر مرتفعة".

وبينت أن "قوات الدعم السريع كانت تقوم بإيقاف الحافلة وتأمر جميع الركاب بالنزول ومن ثم تطلق الرصاص تحت أقدامنا نحن النساء وقامت بحلق رؤوس ابناءنا وتعرضنا لمخاطر متعددة حتى وصلنا إلى الولاية الشمالية وبعد وصولي إلى إحدى قرى الولاية الشمالية تعرض شقيقي للاعتقال من قبل قوات الدعم السريع وتمت إصابته في عينه مما اضطرنا للسفر الى مدينة دنقلا بحثاً عن العلاج واستمرت رحلة العلاج ثلاث شهور ومن ثم قررنا السفر إلى مدينة بورتسودان ووصلنا بسلام وسكنا بمخيم مدرسة عزة للبنات وتعايشنا رغم اختلافاتنا الاثنية والعرقية وضيق المكان حيث تقيم بالصف الواحد ثلاث أسر يفصلها قطعة من القماش المشمع لتوفير الحد الأدنى من الخصوصية".

وأشارت إلى أنهم فوجئوا بقرار الإخلاء لبداية العام الدراسي من قبل أفراد يتبعون لشرطة المجتمع بولاية البحر الأحمر بزيارة المخيم وتحدثوا معهم بقساوة واستخدموا جمل "غير مقبولة"، مضيفةً "إن قرار الإخلاء كان يجب أن تسبقه ترتيبات البديل كون لدينا أطفال وكبار سن ومرضى وعلمنا أن المكان الذي من المتوقع أن يتم ترحيلنا إليه عبارة عن حوش للبهائم لا يصلح للسكن وأصبح مستقبلنا مجهول ويجب أن توفر لنا السلطات بديل آمن".

من جانبها قالت فاطمة محمد الحاج نازحة من العاصمة الخرطوم إلى مدرسة "عزة" للبنات، إن الحرب أدت إلى خروجهم من منزلهم والعيش في ظروف صعبة حيث كانت الكهرباء والمياه في حالة قطوعات مستمرة مما أدى إلى تلف دواء مرضى السكري الذي يحتاج حفظه إلى تبريد، وظلت المعاناة مستمرة وقام الأهالي في البحث عن مصادر للمياه بحفر آبار لجلب المياه ولكنها غير صالحة للشرب وبالإضافة إلى مخاطر الاشتباكات المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وأضافت "عندما اشتدت علينا المخاطر فكرت في الخروج من المنزل والبحث عن الأمان خاصة وأن والدتي مريضة ولا يوجد في المركز الصحي فحوصات وأدوية وظلت المخاطر تحيط بنا من كل جانب وكان لا بد من هجرة منازلنا".

وفي ظل ارتفاع تكاليف تذاكر السفر للولايات الآمنة، لا تستطيع فاطمة محمد الحاج توفير المال للسفر لذلك قامت ببيع الأثاث المنزلي بسعر زهيد لتخرج من منطقتها برفقة ابنتها ووالدتها وأبنائها إلى ولاية الجزيرة، بحسب ما أوضحته، مشيرةً إلى أنه في الطريق قامت قوات الدعم السريع بإيقاف الحافلة وانزال الشباب وقاموا بحلاقة شعر رؤوسهم وكانت لحظات قاسية على نفوس أبنائها.

ولفتت إلى أن معاناة الوصول إلى مكان آمن كان على حساب صحتهم النفسية والجسدية "عند وصولنا إلى مدينة الكاملين طلبت والدتي أن أوصلها إلى شقيقاتي اللواتي تعشن في إحدى قرى ولاية الجزيرة مما دفعني إلى التسول في السوق لتوفير تكلفة الوصول إلى القرية".

وتابعت "أما أنا وأبنائي وبناتي استقرينا في السكن الجامعي بالولاية وبعد مضي أيام معدودة طلب منا مدير الجامعة بإخلاء السكن وكانت المعاناة تجددت مع العلم أني مريضة واحتاج إلى علاج مستديم، لكن أجبرت على السفر مرة أخرى إلى قرية فداسي وعند وصولنا سمعنا خبر دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة ود مدني وكان الخبر كالصاعقة وهنا تأثرت كل القرى التي لا تبعد عن مدينة ود مدني كثيراً وأصبح الجميع في حالة خوف ويبحثون في الشوارع عن وسيلة نقل للسفر بعيداً عن الاشتباكات وقمت ببيع هاتف ابنتي لتوفير تذكرة السفر إلى القضارف واستمرت الرحلة ثلاث أيام من المعاناة والخوف وعند وصولنا بحثنا عن وسيلة أخرى توصلنا إلى مدينة بورتسودان وعندما وصلنا إلى المدينة مكثت ومعي آخرون في الشارع العام خلف قضبان السكة الحديدية ومن ثم ذهبنا إلى مدرسة عزة التي أعدت لإيواء النازحين لكن الآن تزامناً مع بداية العام الدراسي جاء أمر الإخلاء".

 

 

بدورها تحدثت تهاني السيد سليمان وهي نازحة من ولاية الجزيرة ومقيمة بمدرسة عن معاناتها هي وأسرتها في الخروج من مدينة ود مدني "بعد أن قامت قوات الدعم السريع بمداهمة المدينة والاشتباك مع قوات الجيش السوداني كان لابد من الخروج من المدينة كانت رحلة طويلة ولم يكن الأمر سهلاً وآمناً مررنا بالكثير من الارتكازات تتبع للجيش السوداني وبعد وصولنا إلى مدينة بورتسودان لم تكن لدينا وجهة سوى قضبان السكة الحديدية وإلى حين أرشدنا أحد سكان المدينة إلى مدرسة السكة للبنات وأنها مخيم لإيواء النازحين"، مؤكدة أن قرار الإخلاء لفتح المدارس وبداية العام الدراسي "سيعرضنا للمجهول مره أخرى".

وفي ذات المخيم بمدرسة السكة، قالت نادية محمد "عانينا من الحرب والطريق للوصول إلى مكان آمن عند خروجي مع أسرتي وأطفالي من ولاية الجزيرة إلى سنار ثم القضارف ووصولاً إلى مدينة بورتسودان"، مؤكدة على أنه لا توجد جهة قدمت أي مساعدات للمخيم خلاف التكافل الاجتماعي من قبل سكان الحي.

ومن داخل مخيم مدرسة السكة تقول فاطمة عثمان عبد القادر "كنت أقطن في الكريبة منطقة بالقرب من ود مدني وبعد أن اندلعت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كانت الأصوات مخيفة جداً مما ادخلت الرعب والهلع في نفسي وانا امرأة مريضة بالسكر وارتفاع ضغط الدم لا استطيع الحركة على قدمي"، واصفة رحلة الوصول إلى مدينة بورتسودان بالشاقة جداً.