ناشطات تدعين لمدونة أسرة ضامنة للمساواة وعدم التمييز

تحت عنوان ‫"‬من أجل مدونة أسرة ضامنة للمساواة وعدم التمييز‫" نظمت رابطة فدرالية حقوق النساء مع المركز الدامج والمسؤولية الاجتماعية ندوة لمراجعة قوانين مدونة الأسرة في المغرب.‬‬‬‬

رجاء خيرات

المغرب ـ ‫أكدت المشاركات في الندوة أنه يجب مراجعة مدونة الأسرة، بما يضمن المساواة بين الجنسين وعدم التمييز، لتمكين النساء اقتصادياً وفتح الأبواب أمامهن للدخول في سوق العمل بشكل متساو مع الرجل.

نظمت رابطة فيدرالية حقوق النساء مع مركز التعليم الدامج والمسؤولية الاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أمس الجمعة الأول من كانون الأول/ديسمبر ندوة تحت عنوان ‫"من أجل مدونة أسرة ضامنة للمساواة وعدم التمييز" وجاءت هذه الندوة في سياق الحملة الأممية الـ 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة.

وعلى هامش الندوة قالت الباحثة في النوع الاجتماعي وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين عائشة الحجامي "يصعب الحديث عن العنف ضد النساء دون استحضار العنف ضد النساء الفلسطينيات والمعاناة التي تعشنها في كل لحظة ودقيقة، حيث لا يمكن إغفال المآسي التي تعانينها هناك".

وعن مدونة الأسرة وعلاقتها بالمرجعية، أوضحت أن المدونة مستمدة من الفقه المالكي والمرجعية الإسلامية بشكل عام، وأن الهيئة التي كلفت بوضع قانون للأسرة عام 1956 ـ 1957 كانت مكونة فقط من علماء، حيث جاءت لتعكس مجموعة من القواعد الفقهية التي وضعت في فترة معينة‫.

وأشارت إلى أنه لا يمكن على أية حال إنكار مجموعة من النقاط النيرة التي يتضمنها هذا القانون، لكنها في غالبيتها كان يحكمها منطق قوامة الرجل، حيث كانت مدونة الأحوال الشخصية التي ستصبح فيها مدونة الأسرة، تنص على أن المرأة ينبغي أن تطيع زوجها، بالإضافة إلى مجموعة من القيود الأخرى، وهو ما يفسر العنف القانوني ضد النساء، بالإضافة إلى العنف الاقتصادي والاجتماعي والنفسي.

واعتبرت أن العنف القانوني هو من أشد أنوع العنف، لأنه لا يسمح بإمكانية رفع دعوى، حيث هناك قيود تفرضها قوة القانون ولا يمكن الإفلات منها، مبينة أنه قبل شباط من عام 2004 أي قبل صدور مدونة الأسرة، كانت النساء تعانين مع قانون الأحوال الشخصية، قبل أن تقوم الحركات النسوية بالمطالبة بتغيير القانون، حيث أن أغلب هذه الحركات كانت ذات توجه يساري، باعتبار أن جلها انبثقت من أحزاب سياسية يسارية، وكان لها الفضل في طرح الملف منذ السبعينيات القرن الماضي إلى أن وصلنا إلى مدونة الأسرة اليوم‫.

ولفتت إلى أن مسألة المرجعية التي كانت مطروحة منذ البداية، حيث كان لابد أن تخضع للمواثيق الدولية وللمرجعية الكونية لحقوق الإنسان‫ التي وقع وصادق عليها المغرب، ورغم أن الدستور المغربي لم ينص عليها إلا في دستور عام 1992، أشار إلى التزام المغرب بتلك الاتفاقيات دون أن يشير إلى أي من المرجعيتين، الدينية أم الكونية الحقوقية.

وحول بعض الاختلالات التي شابت تطبيق المدونة، قالت عائشة الحجامي أن مسألة إثبات النسب لازالت واحدة من الإشكالات المعقدة، لأن عدداً من الأطفال يعيشون وهم يحملون وصمة العار طيلة حياتهم، علماً أنهم لا يتحملون مسؤولية ما وقع لهم، هم أطفال يولدون خارج إطار الزواج ليجدوا أنفسهم ‫محرومين من أبسط الحقوق، ويوصمون بكونهم "أبناء زنا".

كما لفتت إلى أن المدونة الأسرة في المغرب تفرق بين الأطفال الذين لهم نسب طبيعي والأطفال الذين بدون نسب طبيعي، والذي يعود إلى للحديث الذي يقول "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، أي أن الولد ينسب لأمه، و العاهر الأب أو الأم مصيرها الرجم.

وأكدت أن هذا الحديث ينبغي البحث عن سنده، وعما رواه وما إذا كان صحيحاً أم لا، ثم البحث في متنه، وسياق وروده، وإمكانية استخراج قاعدة فقهية منه، وبالتالي فهذا الحديث ورد في واقعة كانت فيها امرأة متزوجة لها علاقة مع شخص غير زوجها، فكان هناك خلاف، إلا أن الفقهاء كانوا حريصين على إسناد النسب إلى الأب، أي أن الابن ينسب للعلاقة الزوجية (الفراش)، حتى وإن كان ليس هو والده البيولوجي، داعية إلى إنهاء هذه المسألة ونسب الأطفال لآبائهم عن طريق إجراء الخبرة الجينية " "ADNالذي من شأنه أن يحسم الأمر.

 

 

وبدورها أكدت رئيسة مؤسسة الكرم وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب كريمة مكيكة، أن مناهضة العنف ضد النساء و إقرار المساواة يحتاج لإشراك كل الفاعلين السياسيين، والاقتصاديين والاجتماعيين في وضع القوانين والسياسات التي تضمن حقوق النساء.

وعن الدور الذي يلعبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي باعتباره مؤسسة دستورية قالت أنه وعياً منه بالتداعيات على المجتمع والكلفة الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة للعنف ضد النساء، وأهمية التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة للتخفيف من هذه الظاهرة وتجاوزها، فقد قدم المجلس مجموعة من التوصيات منها تسريع وتيرة ملاءمة التشريعات مع المبادئ والمقتضيات الواردة في الدستور والاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان، والتي صادق عليها المغرب، بشأن الوقاية من جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات والقضاء عليها.

ولفتت إلى أن المجلس دعا إلى إدماج مبدأ المساواة بين الجنسين في السياسات العمومية، لاسيما تعزيز المشاركة السياسية للنساء وكذلك المشاركة الاجتماعية والثقافية، مشددةً على ضرورة محاربة الهدر المدرسي في صفوف الأطفال والقضاء على العوائق التي ما فتئت تحول دون ولوج الفتيات للمدارس، وذلك بالتتبع المستمر والوسائل التحفيزية واتخاذ عقوبات بحق الأسر التي تزوج بناتها قاصرات أو تمنعهن من الالتحاق بالمدارس.

ولفتت إلى أن "تزويج الفتيات القاصرات يعتبر من أكبر المشكلات التي تواجهنا، نلاحظ ارتفاع حالات زواج القاصرات فعدد طلبات الزواج الذي يتم قبولها لدى محاكم الأسرة بلغت 99% ، وبدل أن يكون الاستثناء الذي وضعه المشرع، أصبحنا أمام القاعدة"، داعيةً إلى بلورة برامج للتأهيل الطبي والنفسي وإعادة الإدماج الاجتماعي بدءاً بخدمات الاستماع و التوجيه، صولاً إلى التكفل الكامل بالنساء ضحايا العنف، وتفعيل هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، ومنحها سلطة البحث والتحري وإصدار الأمر وصلاحية إحالة القضايا على المحاكم بشأن جميع أفعال التمييز ضد النساء.

 وطالبت بضرورة خلق انسجام بين القوانين والنصوص التنظيمية كقانون العمل، القانون الجنائي، قانون الوظيفة العمومية مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية لمنظمة العمل الدولية، لا سيما فيما يخص المفاهيم وتحديد المساواة فيما يخص المعاملة كالتحرش الجنسي في أماكن العمل.

وتطرقت إلى أهمية تمكين النساء اقتصادياً وفتح الأبواب أمامهن للدخول في سوق العمل بشكل متساو مع الرجل، وإعداد وتطبيق استراتيجية مندمجة للاعتراف بعمل النساء في الوسط القروي وتثمينه وتعويضه والقضاء على مظاهر التمييز والصور النمطية القائمة على النوع والواردة في المقررات المدرسية ووسائل الإعلام.

 

 

من جهتها أضافت عضو رابطة فدرالية حقوق النساء زهرة صديق أن المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان هي نتيجة نضالات مريرة خاضتها الشعوب منذ القدم، وبالتالي فهي مكتسبات إنسانية يجب احترامها من طرف كل الدول، مشيرةً إلى أنه رغم الدور الذي تلعبه مكونات الحركة النسائية بالتوعية في شتى المجالات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، لذا يبقى غير كاف في غياب سياسات عمومية، سواءً على المستوى الوطني أو على مستوى الجماعات الترابية في مجال مناهضة كل أشكال التمييز ضد النساء.

وأوضحت أن الحركات النسائية تناضل في محيط صعب، وبالتالي لا يقتصر الأمر على وضع مطالب فحسب، بل هناك حاجة لفتح نقاش معمق حول هذه المطالب، متسائلة لماذا لم تستطع المدارس والجامعات في المغرب من لعب الأدوار المنوطة بها في ترسيخ قيم المساواة وتعزيزها؟

وأكدت على ضرورة إعادة النظر في فلسفة مدونة الأسرة، حيث تنص المادة 199 منها على أن الزوجة مسؤولة عن الإنفاق على أبنائها شأنها شأن الرجل، في حين أنها تسقط عنها المسؤولية القانونية، أي أن الزوجة إذا احتاجت أي وثيقة إدارية تخص أطفالها، لا تسلم لها إلا تحت طلب من الزوج/الأب، داعياً لترسيخ مبدأ المساواة في كل مواد مدونة الأسرة، بما فيها قانون الإرث، ومسألة الحضانة، التي ينبغي أن تكون بشكل متساو بين الزوجين، حيث تراعى فيها المصلحة الفضلى للطفل، الذي قد يعيش مع أمه أو أبيه حسب ما تفتضيه مصلحته.

كما اعتبرت أن مبدأ المساواة لا يتجزأ، ويجب أن يشمل جميع الحقوق والواجبات بين الزوجين، خاصةً وأن بعض النساء، ورغم كونهن تعملن، إلا أنهن تعتقدن بأن الإنفاق هو من واجب الزوج فقط، وهو ما يؤكد التمييز ضدهن، لافتةً إلى أن فرض الإكراه البدني (السجن) على الآباء في حال عدم الامتثال لأحكام النفقة، ليس حلاً، إذ ينبغي أن تتحمل الدولة مسؤوليتها ورفع تعويضات صندوق التكافل العائلي بما يضمن حياة كريمة للأطفال.

 وعن زواج المسلمة بغير المسلم، أوضحت أنها تدخل في نطاق الحرية الشخصية، وحتى إذا ما تم منعها فيجب حظرها على الرجال والنساء، إذ كيف يعقل أن يسمح للمسلم بالزواج من غير المسلمة، في حين لا يسمح للمسلمة بالزواج من غير المسلم، مؤكدةً أن حقوق الإنسان غير قابل للتجزيء، وبالتالي فحقوق النساء غير قابلة للتجزيء كذلك تحت أي ذريعة كانت عرقية أو دينية أو جنسية، باعتبار أن النساء ينبغي أن  يتمتعن بالمواطنة الكاملة حقوقا وواجبات.