نار السلام في مغارة جاسنه... رواية نساء شرق كردستان عن النضال المستمر

في خطوة تاريخية بقيادة النساء، أقدم ٣٠ مقاتل ومقاتلة من حزب العمال الكردستاني على إتلاف أسلحتهم في كهف جاسنه بإقليم كردستان، إيذاناً ببدء عملية السلام.

فيان مهربرور

مهاباد ـ عانى الكرد في شمال كردستان لعقود طويلة من أشد أشكال القمع من قبل الدولة التركية، هذا القمع أدى إلى ولادة حزب العمال الكردستاني كرد فعل على هذا الظلم، وامتدت مقاومته لأكثر من أربعين عاماً، بما في ذلك الكفاح المسلح، حتى جاءت دعوة السلام من القائد أوجلان، وقرارات المؤتمر الثاني عشر للحزب لتدشن خطوات تاريخية نحو السلام.

استجابة لدعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" التي أطلقها القائد عبد الله أوجلان في شباط/فبراير الماضي، أقيمت يوم الجمعة ١١ تموز/يوليو الجاري، مراسم رمزية في مدخل كهف جاسنه قرب مدينة دوكان في مدينة السليمانية بإقليم كردستان، حيث قام ٣٠ مقاتل ومقاتلة من "مجموعة السلام والمجتمع الديمقراطي" التابعة لحزب العمال الكردستاني، بإتلاف أسلحتهم.

ويمثل هذا الحدث الخطوة الأولى في عملية متعددة المراحل للتخلي عن السلاح يُتوقع استمرارها حتى أيلول/سبتمبر القادم، وقد تتخطى تأثيراتها تركيا وشمال كردستان لتطال شعب كردستان بأكمله في أنحاء العالم.

 

السلام مسارٌ ثنائي

امتد الكفاح المسلح لأربعة عقود وشمل الكرد وكل دعاة الحرية في أنحاء العالم، وكان نضالاً مشروعاً بحق، كما قالت جيلا. ح، طالبة ماجستير في العلوم السياسية "لقد كان نتيجة مئة عام من الإنكار والقمع والمجازر ضد الكرد في تركيا والمنطقة، ولا يزال الآلاف في سجون تركيا، والكثير من الأمهات ينتظرن أبناءهن، ولا أحد يقبل الحرب، لكن شعبنا في شمال كردستان حُرم حتى من التحدث بلغته الأم، وفي مدن مثل آمد تم إعطاء النساء الحوامل حقناً تُفضي إلى ولادة أطفال معاقين، لذلك يمكننا القول إن هذا الكفاح لم يكن خياراً ذاتياً بل صرخة غضب وسكوت المجتمع الدولي".

واعتبرت أنه "إذا أزيل عبء مئة عام من القهر والإنكار عن كاهل الأمة الكردية، فما من سبب يدعو لاستمرار الحرب، كون الكرد هم رواد سلامٍ دفعوا ثمنه بنضال طويل، لكن السلام لا يتحقق من طرف واحد، فإذا اعترفت الدولة التركية بحقوق الكرد وسعوا لتحقيقها، حينها سيعود السلام إلى المنطقة بأسرها".

 

الآلام الجماعية للشعب الكردي

يمتلك كرد شرق كردستان وجهات نظر مختلفة حول مسار السلام، لكن يبدو أن الصدمات الجماعية، وانعدام الثقة بالطرف الآخر، إلى جانب التطلّع إلى السلام والعدالة، هي عناصر مشتركة بين جميعهم، على سبيل المثال، قالت هيرو. ن "الثقة بالدولة التركية صعبة علينا، لأنها حاولت مراراً عبر السنوات الماضية، ومن خلال تعزيز التيارات الطورانية داخل إيران، زرع الفتنة بين الكرد والأتراك في مدن مثل أورمية، ماكو، نقده وغيرها".

وأكدت "نحن نؤمن بالقائد أوجلان ونعتبر هذه الخطوة ذات قيمة عالية، فالعالم بأسره ينتظر إثبات حسن نية الدولة التركية، فالكرد والترك جيران وأصدقاء منذ زمن بعيد، وفي شرق كردستان أيضاً، للسلام قيمة عظيمة".

بدورها قالت آمنة. غ "بيننا من قاتل واستُشهد في سبيل هذه القضية، السلام مهم لكل الكرد، أكثر ما يقلق كرد شرق كردستان هو ألا يلتزم الطرف الآخر بالاتفاق، مما يؤدي إلى عودة القمع من جديد، نحن نأمل أن يُخلق مناخ ديمقراطي يمكن أن يؤثر بدوره على الأنظمة الاستبدادية الأخرى مثل الجمهورية الإسلامية، لأن الاستبداد لا يدوم، والنضال لا ينتهي".

 

ريادة النساء والسلام والثورة مستمرة

تمثل حركة حرية كردستان فرصة كبيرة لتحقيق السلام والديمقراطية في تركيا والشرق الأوسط والعالم، وتضم أيضاً نضالات النساء في صفوفها، والإتلاف الرمزي والطوعي للأسلحة بقيادة نسوية كرّست حياتها للنضال من أجل الحرية، يوجه الرأي العام نحو أسئلة متعددة، جميعها متصلة بدور المرأة، الحقوق، وثورة مختلفة.

حيث قالت تروسكة. ا "جزء من النضال النسوي يتم داخل المجتمع في مواجهة الثقافة الذكورية، ونضالٌ يجعل النساء قدوة لبعضهن البعض في العالم، ويُشكل ميداناً للتأثير والنهوض".

وأكدت "كانت المقاومة المسلحة للنساء الكرديات، تضحياتهن وبطولاتهن، أمثلة يُحتذى بها عالمياً، لكن الثورة النسائية والنضال النسوي من أجل بناء عالم أفضل لا يتوقف، بقيادة بسي هوزات لمسار السلام دليل على استمرار هذا الجهد لبناء مستقبلٍ أفضل للجميع، فالنضال سيستمر حتى تنال المرأة حريتها، والطريق إلى الحرية يمرّ من هنا".