ناكيهان أكارسال... ثلاث سنوات على رحيل منارة الجنولوجيا

في الذكرى الثالثة لاستشهاد ناكيهان أكارسال، نستحضر مسيرة مناضلة كرّست حياتها لتحرير المرأة وتأسيس الجنولوجيا، تاركةً إرثاً فكرياً يُلهم الأجيال وينير دروب النساء التواقات للحرية.

هيرو علي

مركز الأخبار ـ كانت الناشطة والصحفية ناكيهان أكارسال "زيلان" من أبرز النساء الثوريات والرائدات في نضال المرأة الكردية، كرّست حياتها لقضية تحرر المرأة، وجعلت من نضالها مساراً دائماً لا ينفصل عن قضايا المجتمع والحرية.

ناكيهان أكارسال المعروفة بـ "زيلان" مناضلة كردية وُلدت عام 1976 في قرية خيليك التابعة لبلدة غوليازي في مدينة قونية التركية، كرّست حياتها من أجل حرية المجتمع والمرأة، وظلت حتى آخر رمق تسعى لتطوير قدرات النساء والنهوض بهن، قضت طفولتها بين الطبيعة والسهول الواسعة لقريتها، ولذلك كانت دائماً تتحدث عنها، وفي أقوالها كانت تستشعر الحرية وجمال الطبيعة.

بسبب تأثرها بثقافة ومعتقدات قريتها، ومن خلال رمزية النار والقمح نشأت لديها محبة عميقة في داخلها تجاه مناطق ديرسم وشنكال، كما حملت في قلبها ألم ومعاناة شعب مضطهد، وكان مصيرها مرتبطاً بذلك الشعب، ففي المكان الذي وُلدت فيه بدأت دراستها، وخلال مرحلة التعليم الابتدائي أثارت انتباه وحفيظة معلمها حين قالت "قونية" عند سؤاله لها عن مدينتها، لكن المعلم التركي كان يُجبرها على قول "كونيا"، ومع ذلك كانت تُصرّ على قول "قونية"، وذلك بسبب منع اللغة الكردية.

بعد التحاقها بقسم الإعلام في جامعة أنقرة، بدأت تشعر بالاغتراب والنفور من نمط حياة المدينة ومظاهر النظام الرأسمالي، فسعت إلى إيجاد مكان يمنحها الطمأنينة والإحساس بالعيش المشترك، لتجد نفسها ضمن اتحاد شباب كردستان، ثم اكتشفت حب الوطن من خلال فكر ونهج القائد عبد الله أوجلان، وأصبحت مهووسة به.

 

وجدت الوطنية في فكر وفلسفة القائد أوجلان

لاحقاً وبسبب آرائها ومواقفها ونشاطاتها خلال فترة دراستها الجامعية، سجنت ناكيهان أكارسال بين عامي 2001 و2007، وبعد الإفراج عنها عملت بين عامي 2008 و2014 في وكالة أنباء دجلة كمراسلة ومحررة أخبار، كما كانت من المؤسسين لفكرة الصحافة الحرة، وقد درّبت العديد من الصحفيات اللواتي لا يزلن يعملن في هذا المجال حتى اليوم.

ومن أجل التعمق أكثر في قضية المرأة وأهمية حريتها، التحقت بدورات قسم دراسات المرأة في جامعة حاجت تبه، وأسهمت في تأسيس أول وكالة نسائية باسم "Jinha"، كما بذلت جهوداً كبيرة في تطوير إعلام المرأة، وسعت إلى تمكين الصحفيات في الأماكن التي عملت فيها، كانت مناضلة ومعلمة وزميلة قريبة من الجميع، ولهذا لم تقتصر علاقاتها على النساء الكرديات فقط، بل بنت علاقات واسعة مع نساء من مختلف القوميات في تركيا.

 

نشرت الجنولوجيا وعرّفت الجمال

الجنولوجيا "علم المرأة" الذي وضعت أسسه من قبل القائد عبد الله أوجلان، كان بمثابة نبع صافٍ روت ناكيهان أكارسال منه عطشها الفكري والروحي، وبهذا العشق بدأت عام 2015 جهودها في ترسيخ دعائم هذا العلم، وكان لديها إيمانها اللامتناهي بحقيقة المرأة وخبرتها في النضال والتطور في المجال العلمي عبر القرون، اللذان تحوّلا إلى طاقةٍ لا تنضب وحماسٍ للحياة.

ناكيهان أكارسال لم تكن مجرد طالبة نشطة في أكاديمية الجنولوجيا، بل من خلال مشاركتها في تأسيس وإدارة مجلة الجنولوجيا، نشرت هذا العلم كمنارة مضيئة تنير الطريق أمام الآخرين.

كانت كلما اكتشف حقيقة جديدة، شاركتها مع المجتمع، ولم تكن مجرد ناقلة للحقيقة، بل كانت أيضاً معلّمة بارعة في استخدام الكلمات بطريقة مؤثرة، خاصة في سياقات الثورة والمجتمع والحياة، حيث قدّمت تعريفاً خاصاً للجمال، عندما قالت إن الجمال الحقيقي هو "تجميل الحياة". وشرحت ذلك بقولها "إذا لم نجعل الحياة جميلة، فإن كل مظاهر الجمال ستكون مهددة، أي أن الجمال لا يقتصر على المظهر، بل ينبع من تحرير الروح ومن جعل الحياة نفسها جميلة"، وفي النهاية استخدمت هذا الفهم للجمال والحقيقة لتضيء الطريق أمام الآخرين.

امتلكت ناكيهان أكارسال معرفة عميقة في طريق نشر وتقديم الجنولوجيا، لذلك أصبحت إحدى المحطات الأساسية لهذا العلم في إقليم كردستان، ففي عام 2019، خطت خطوة أخرى نحو تأسيس جديد وخلال فترة قصيرة تعلمت الكردية الصورانية، ونقلت معرفتها إلى العديد من الأشخاص.

 

توحيد صفوف النساء شكل أبرز أهدافها

ناكيهان أكارسال شاركت بحماس وحب في مشروع فكري عُرف "تحقيق الذات"، هذا المشروع كان بالتعاون مع فنانات أخريات، وكان هدفه تعميق فهم النساء لذواتهن وهويتهن، ولم تكتفِ بفهم هذا المفهوم، كأنها تقول للنساء "أنتن قادرات على التغيير والتحرر"، ورغم أنها لم تصرّح بذلك بشكل مباشر، إلا أن تكرارها لعبارة "يجب أن تحب النساء بعضهن البعض وأن يكنّ متحدات" كان يحمل رسالة قوية عن أهمية التضامن النسوي والوحدة بين النساء.

لها دور في دعم المشروع الثقافي "مركز أرشيف وبحوث ومكتبة المرأة الكردية"، هذا المشروع كان حلماً لها، وهدفها الأساسي هو توحيد النساء في الأجزاء الأربعة من كردستان، بالإضافة إلى النساء الكرديات في الخارج، من أجل بناء وحدة نسائية ثقافية وفكرية.

وفي اقتباس من كتاباتها جاء فيه "المرأة في لحظة الغضب، قد تتحول إلى شيء عنيف كحلقة شيطانية، لكنها أيضاً قادرة على أن تكون مسالمة فمن أجل حب التراب تصبح ريحانة، أو خفيفة ومتحررة مثل الفراشة في الهواء، المرأة تصرّ على الحياة، لأنها لا تريد أن تنسى تلك الأحاسيس العميقة، وتمنحنا فهما ومعرفةً عن كيفية العيش بتناغم مع عناصر الطبيعة التراب، الهواء، والماء".

ومنذ عام 2019 وحتى آخر لحظات حياتها، بذلت ناكيهان أكارسال جهوداً نشطة في إقليم كردستان لجمع وأرشفة بحوث النساء في المنطقة، كان حلمها أن تؤسس مركزاً يكون منارة لإرشاد وتنوير النساء، وأن تبني مركزاً كبيراً للعلم وتاريخ النساء، وفكرة تأسيس "مركز أرشيف وبحوث ومكتبة المرأة الكردية"، كانت متجذرة في عقلها، ولاحقاً حولت هذه الفكرة إلى واقع، وجمعت نساء إقليم كردستان حولها.

في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2022، فقدت ناكيهان أكارسال حياتها في هجوم مسلح استهدفها قرب منزلها في شارع بختياري بمدينة السليمانية بإقليم كردستان، وهي ثابتة على مبادئها، تاركة وراءها إرثاً نضالياً يُلهم الأجيال القادمة.