مؤتمر في تعز يناقش الآثار النفسية والاجتماعية للحرب وسبل التعافي

نظّمت مؤسسة المرأة الآمنة للتنمية في مدينة تعز اليمنية المؤتمر العلمي النفسي الأول، ناقشت خلاله التحديات المتزايدة التي تواجه المجتمع اليمني، خاصة النساء والأطفال، في ظل استمرار آثار الحرب والحصار والفقر.

رانيا عبد الله

 اليمن ـ تعدّ الصحة النفسية عنصراً أساسياً في معالجة آثار الحرب في اليمن، لما لها من تأثير مباشر على الفرد والأسرة والمجتمع، لذلك بات من الضروري إدماج الدعم النفسي في برامج الإغاثة والتنمية، باعتباره خطوة أساسية نحو التعافي وبناء بيئة تتقبل العلاج النفسي كحق إنساني.

تزامناً مع اليوم العالمي للصحة النفسية، نظّمت مؤسسة المرأة الآمنة للتنمية في مدينة تعز، أمس السبت 11 تشرين الأول/أكتوبر، المؤتمر العلمي النفسي الأول تحت عنوان "الآثار النفسية والاجتماعية للحرب في اليمن (الطريق نحو التعافي والدعم المستدام)".

وشهد المؤتمر مشاركة واسعة من الأكاديميين والأكاديميات والمتخصصين في الصحة النفسية، والقيادات المجتمعية، والناشطات في مجال حقوق الإنسان، الذين ناقشوا التحديات المتزايدة التي تواجه المجتمع اليمني، خصوصًا النساء والأطفال، في ظل استمرار آثار الحرب والحصار والفقر.

وفي كلمتها خلال افتتاح المؤتمر، أكدت وكيلة محافظة تعز للشؤون الصحية والبيئية، الدكتورة إيلان عبد الحق، على أهمية وضع السياسات العامة لمعالجة الآثار النفسية التي خلّفتها الحرب، مشيرةً إلى أن لهذه الآثار انعكاسات خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع، تصل في بعض الحالات إلى تفكك النسيج الاجتماعي وضعف الروابط الأسرية.

وقدم متخصصون وأكاديميون من خلفيات مختلفة عدد من أوراق العمل حول الآثار النفسية المتعلقة بالحرب والنزاعات المستمرة في اليمن.

وعلى هامش المؤتمر، لفتت رئيسة المؤسسة ابتهال الأغبري إلى أن "تنظيم المؤتمر يأتي في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية في زمن الأزمات"، مضيفةً أن "تعز واليمن عموماً تعاني من تبعات نفسية واجتماعية عميقة بسبب سنوات الحرب، وأن الحاجة إلى الدعم النفسي باتت ملحّة كالحاجة إلى الغذاء والدواء".

وأشارت إلى أن المؤتمر يهدف إلى الخروج بتوصيات عملية تُسهم في رسم خارطة طريق نحو التعافي والدعم المستدام.

من جانبها، أوضحت المدربة في الدعم النفسي لطيفة الحذيفي أن إقامة مثل هذه الفعاليات تساعد في إزالة الوصمة المجتمعية المرتبطة بالأمراض النفسية، مؤكدةً أن "الكثير من الأشخاص لا يزالون يشعرون بالحرج من طلب المساعدة النفسية، ما يدفعهم إلى اللجوء إلى المشعوذين أو المعالجين الروحانيين بدلاً من الأخصائيين النفسيين".

وأضافت أن الوعي المجتمعي المحدود تجاه أهمية الصحة النفسية يؤدي إلى تفاقم الاضطرابات السلوكية والنفسية، مبينةً أن "الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الجسدية، وأن التوازن بينهما أساس الحياة السليمة".

كما قدّمت أسماء الراعي، المديرة التنفيذية لرابطة أمهات المختطفين، ورقة بحثية حول الآثار النفسية لدى النساء والأطفال جراء الاختطاف والاختفاء القسري، مؤكدةً أن "الكثير من النساء يواجهن صدمات نفسية حادة نتيجة فقدان ذويهن أو اعتقالهم القسري"، مشيرةً إلى أن "هذه التجارب تترك ندوباً عميقة على الصحة النفسية وتؤثر في البنية الاجتماعية للأسر والمجتمع ككل".

وأوضحت أن الرابطة تعمل على تقديم الدعم النفسي للمختطفين المحررين وأسرهم، لكنها تواجه تحديات كبيرة في ظل غياب الدعم المؤسسي الكافي.

من جهتها اعتبرت الدكتورة خديجة الحدابي، رئيسة مؤسسة "سلام يمن"، أن المؤتمر يشكّل محطة علمية وإنسانية مهمة في مسار التعافي النفسي والاجتماعي للمدينة "ما زلنا نعيش في ظل الحرب، والآثار النفسية لم تنتهِ بعد، الأسر تعاني، والشباب يواجهون صعوبات كبيرة في التكيف، ومن الضروري أن يُنظر إلى الاضطراب النفسي باعتباره مرضاً يحتاج إلى علاج لا إلى تهميش"، مضيفةً أن "المعرفة هي الخطوة الأولى نحو العلاج، وأن التوعية تسهم في كسر حاجز الخوف والوصمة".

واختُتم المؤتمر بعدد من التوصيات التي دعت إلى إدماج الدعم النفسي في برامج الإغاثة والتنمية، وتوسيع نطاق مراكز الإرشاد النفسي، وتدريب الكوادر المحلية لتقديم خدمات مستدامة تعزز التعافي المجتمعي.

وشددت المشاركات على أهمية إشراك النساء في وضع وتنفيذ برامج الصحة النفسية، لما لهن من دور محوري في عملية التعافي الاجتماعي.

وأكد المنظمون أن هذا المؤتمر يمثّل خطوة أولى نحو بناء وعي جماعي بالصحة النفسية في اليمن، وإرساء بيئة مجتمعية تتقبل العلاج النفسي كحق أساسي من حقوق الإنسان، خاصة في بلد أنهكته الحرب وأثقلت كاهله المعاناة.