مستجدات قضية عصابة التيك توك... اعتداءات جنسية تطال القصّر أم فقاعة هواء؟
شغلت قضية "عصابة التيك توك" الرأي العام اللبناني والعربي، كونها مست ببراءة الطفولة وأدت لجرائم اعتداء واغتصاب بحق العديد من القصّر باستدراجهم عبر موقع التواصل الاجتماعي، ما يستدعي قيام حملة لحماية الأطفال والأسر من سلبيات الولوج إلى هذه الشبكات.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ لا تزال قضية "عصابة التيك توك" التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي ودوائر المجتمع اللبناني والعربي منذ 30 نيسان/أبريل الماضي، تشغل حيزاً كبيراً من ردود الفعل خاصةً بعد انتشار شائعات لم يتم التأكد من صحتها، حول توقيفات طالت كثيرين وفرار أو وجود العديد من المرتكبين خارج البلاد.
تتابعت السيناريوهات حول كيفية استدراج الأطفال وتجنيدهم بالحيل والإغراءات للنيل منهم للإيقاع بغيرهم، وقد وصل عدد الموقوفين في القضية إلى العشرات، دون أن يتم الإدلاء بتصاريح دقيقة وحفاظاً على سرية التحقيقات حول العدد الحقيقي أو مسار التحقيق وغيره، في الوقت نفسه، أشارت التحقيقات الأخيرة في هذه القضية مع عدم وجود أدلة على واقعة الاعتداء إلى أن القضية بأكملها قد لا تكون أكثر من فقاعة هواء.
لمحة عامة
تقع هذه الجريمة في إطار جرائم الإتجار بالبشر، والتي تعد ثالث أكثر نوع جرائم في العالم بعد تجارة الأسلحة وتجارة المخدرات، وهناك واحدة من أصل تسع من الفتيات، وواحد من 20 من الفتيان دون 18 سنة، يتعرضون للاعتداء الجنسي، ويؤدي هذا الاعتداء لتعرضهم بنسبة تصل إلى 4 مرات أكثر لكثرة تعاطي المخدرات، وأكثر بـ 4 مرات عرضة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، و3 مرات أكثر عرضة للإصابة بنوبة اكتئاب كبرى عند البلوغ، وأفاد تقرير نشر العام الماضي أن هناك 300 مليون طفل حول العالم يتعرضون للاستغلال الجنسي عبر الانترنت سنوياً، وأن واحد من ثمانية أطفال تم أخذ صورهم ومشاركتها أو تعرضوا لبث فيديوهات وصور إباحية بدون موافقتهم.
وبحسب المعلومات فإن عدد الموقوفين بالعشرات، وأن عدد الضحايا وأعمارهم تتراوح بين 13 و17 عاماً تجاوز الخمسين، وكان يتم استدراجهم إلى أماكن محددة ومن ثم نقلهم إلى شاليهات في بيروت وجبل لبنان بحجة حضور الحفلات، قبل أن يقعوا ضحية التحرش والاغتصاب بعد تعرضهم للتخدير.
فبعد تداول هذه القضية، دعا الكثيرون لحظر تطبيق "تيك توك" في لبنان، والذي لاقى اعتراضات لجهة كون هذه المنصة أصبحت مصدر دخل للعديدين، فضلاً عن تناول القضية لجهة أن كافة المواقع والمنصات يمكن أن تستخدم بصورة تحمل الوجهين السلبي والإيجابي، ما يستدعي حلولاً منطقية ومستدامة، تتعاون فيها الجهات المعنية لجهة التشريعات والقوانين التي تحدد المساحات الآمنة للأطفال والعقوبات الرادعة للمرتكبين عبرها، وتوعية الأطفال والأسر والمحامين والباحثين في مجال علم النفس والاجتماع بصورة استباقية، وقبل وقوع المحظور.
ودعا بيان للنيابة العامة التمييزية إلى ضرورة التقيد بسرية تامة للتحقيقات خصوصاً في الجرائم الكبرى التي تشكّل خطورة على المجتمع والعائلة لا سيما المتعلقة بأحداث أو قُصّر معرضين للخطر، كما يتعرض كل من يفشي سرية التحقيق للملاحقة أمام القاضي المنفرد الذي يقع ضمن دائرته الفعل المشكو منه ويعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مئة ألف إلى مليون ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وقالت المحللة النفسية والباحثة في علم النفس العيادي الدكتورة رندا شليطا الـ "بيدوفيليا من وجهة نظر علم النفس، وفي القانون عندما يعتدي الراشد على قاصرين، فهذا يعني أنه يقوم بأمور لا يقبل بها، ولا يمكن أن نقول يمارس الجنس مع قاصرين، وإنما نقول يتعدى على قاصر، فالقاصر لا يمكنه أن يحمي نفسه، وفي أي عمل جنسي يفترض أن يكون الطرفان موافقين، بمعنى يجب أن يكون هناك اتفاق على هذا الموضوع، وهو تماماً الحال في القانون".
وأكدت أنه فيما يتعلق بوضع القصر والأطفال، فإن الإرشادات والنصائح وحدها لا تكفي، ولكن علينا أن نعرف فعلياً أين هم ومراقبتهم طوال الوقت، فالمعتدين على الأطفال لهم أساليب معينة ومتطورة كثيراً".
"القوانين باتت قديمة ولا تحكي الواقع"
ومن جهتها، أوضحت رئيسة لجنة شؤون الأحداث وحقوق الطفل في نقابة المحامين نادين دكروب، أن "لجنة شؤون الأحداث وحقوق الطفل تعمل بتوجيهات من نقيب المحامين وبتكليف منه، وقد تعاونا مع لجنة التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لتنظيم مؤتمر شامل جمع كافة الجهات المعنية للتعاون بهدف تقديم خطة وطنية شاملة لحماية الأطفال من أخطار الإنترنت وحملة تحت عنوان "أمّن طفلك"، ونحن نهتم بكل قضايا الأطفال وملفات الأحداث، ولدينا محامين متخصصين في هذا الموضوع، ومتطوعين في بعض الأحيان، بالتعاون مع لجنة المعونة القضائية للدفاع أولاً عن الطفل، وتشمل كل طفل إن كان مخالفاً للقانون أو حتى معرضاً للخطر".
وبينت أن "الأطفال المخالفون للقانون بهذه القضية بالذات، أي المتورطين بهذا الملف، هم ضحايا تم استدراجهم حتى أصبحوا متورطين، هذا الطفل يكون مخالفاً للقانون بحسب قانون الأحداث، لأنه تحت سن الـ 18 سنة، وبالتالي لا يُحاكم مع البالغين، وبالتأكيد في هذا الموضوع يجب أن تكون هناك عقوبات غير عقوبات البالغين، بمعنى أن العقوبة لا تكون مشددة كما هو الحال مع البالغ".
وأضافت "قانون العقوبات صدر عام 1943 ونحن اليوم في الـ 2024، وبالتالي القانون أصبح قديماً ولا يحاكي الواقع، وواقع التكنولوجيا المتقدم، وهذا التحرش يحدث بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي العقوبات ليس رادعة بشكل كافٍ، وحتى عندما تشدد العقوبة عندما يكون هناك اغتصاب للأطفال غير كافية، وبالتالي نحن نعمل من أجل أن نقترح مشاريع قوانين تواكب العصر التكنولوجي لردع هذا النوع من الجرائم".
وأشارت إلى أن "قضية التحرش بالأطفال واغتصابهم، وما يسمى بقضية (التيك توك) هزت الرأي العام اللبناني، وعلى الرغم من عدم تدخلنا أو تناولنا لمسار التحقيقات أو خبايا هذه القضية إلا أنه على كل الجهات المعنية، من وزارات، مجلس نواب، وبشكل خاص، ونحن كنقابة محامين من خلال لجنة شؤون الأحداث وحقوق الطفل لنواكب هذه الجريمة الكبيرة ونجد الثغرات، إن كان القانونية أو التقنية التكنولوجية لنتمكن من مواكبتها بشكل عام، مع تشريع مبتكر جديد يحاكي التطور الحاصل في التكنولوجيا".
"اللجنة تواكب المواضيع المتعلقة بالتحول الرقمي"
وقالت رئيسة لجنة التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في نقابة المحامين المحامية سهى إسماعيل "تم استحداث لجنة تحول رقمي في نقابة المحامين في بيروت، لمواكبة جميع المواضيع المتعلقة بالتحول الرقمي، لا سيما في العصر الذي نعيش فيه، أي عصر الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، وقد ساهمنا بتنظيم المؤتمر الذي عقد مؤخراً لهذه الهدف ولحماية الأطفال من التعديات المختلفة عبر الشبكة، لأن الجريمة قد وقعت على مواقع التواصل الاجتماعي، أداة الجريمة الأساسية فيها هي الـ "تيك توك"، وبالتالي، وفي هذا العصر أصبحت أكثرية الجرائم إلكترونية، ابتزاز إلكتروني وتحرش، حتى استدراج الأطفال الذين تعرضوا للاغتصاب كان من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، من هنا اهتمامنا كلجنة تحول رقمي تركز حول هذا الموضوع، كون الأمر مرتبط بالجريمة الإلكترونية، بمعنى أن كل ما يتعلق بالفضاء الرقمي هو موضع اهتمام هذه اللجنة".
وأضافت "في حملتنا هذه بالتعاون مع جهات معنية، سنقيم ورش مستمرة، يشارك فيها مدراء مدارس، جمعيات أهلية ومحامين، كي ندرب على البرامج المتعلقة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وما هي الجرائم التي يتعرض لها الأطفال، وكيف يمكن أن يتحرك الأهل، وسيكون هناك أيضاً أخصائيون نفسيون، وسيكون هناك قاضي أحداث، بمعنى أنه سيكون هناك إطار تدريبي حيال هذا الموضوع".
"نحتاج إلى العمل الجماعي لتحقيق العدالة"
وبدورها قالت رئيسة قسم حماية الطفل في اليونيسف فرع لبنان مايكي هويجبريتس "شاركنا في مؤتمر حماية الأطفال في لبنان، وبحضور معنيين مثل وزراء الاتصالات والتربية والتعليم والعدل وبوجود أعضاء معنيين في البرلمان اللبناني وغيرهم، كوننا نحتاج اليوم إلى العمل الجماعي لتحقيق العدالة بحق المرتكبين في عصابة التيك توك".
وأكدت أن "الأطفال بحاجة لحماية أنفسهم وبحاجة للوعي لهذه التهديدات التي قد يتعرضون إليها عبر الإنترنت، عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو هواتفهم المحمولة، ويجب أن يتعلموا كيفية حماية أطفالهم، وسنتعاون بصورة جماعية مع البرلمان اللبناني لتقوية التشريعات والعمل مع الصناعة التقنية ونقوم بمفاوضات مع تيك توك وميتا للتأكد من حماية الأطفال وبصورة أشمل".
وعن كيفية تنفيذ استراتيجية شاملة لحماية الأطفال أوضحت أن "اليونيسف تعمل مع الجهات المعنية، من محامين في لجان عدة منها الأحداث والذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، لتدريبهم حول الأمن الرقمي، ليتمكن المحامون من التعرف على ضحايا الإساءة والاستغلال في المجال الرقمي، كما نعمل مع وزارة التربية والتعليم لتدريب المعلمين في المدارس على الأمن الرقمي وتوفير المعلومات الهامة في هذا المجال، ومن خلال المدارس نقدم خدمة للطلاب لنعرفهم كيف يمكنهم حماية أنفسهم عند دخول صفحات الإنترنت، وسنعمل مع المجلس النيابي لتأسيس وتطوير إطار قانوني لحماية القوانين الخاصة بهذا المجال، كما سنتواصل مع مركزنا الرئيسي في نيويورك لمناقشة كيفية تطوير الحماية بصورة شاملة للأطفال على منصات خاصة مثل ميتا وتيك توك".
تطورات القضية
ووفقاً لمصدر قضائي، فقد استلم القضاء 3 محاضر خاصة باثني عشر موقوفاً، بينهم اثنان من القاصرين كانت مهمتهم استدراج الضحايا بملف التيك توك، وكانوا قد مثلوا أمام قاضي التحقيق، وتضمن المحضر الأول 5 موقوفين تم تحديد جلسة خاصة بهم في شهر تموز/يوليو المقبل تمهيداً لإصدار القرار الظني، والثاني 5 موقوفين آخرين، أما المحضر الثالث فتضمّن موقوفَين.
وأضاف المصدر أنه "بالنسبة إلى مذكرات التوقيف الغيابية، فقد صدرت بحق ثلاثة أشخاص خارج لبنان، وقد عمم القضاء على الإنتربول نشرة حمراء بحق المتوارين، لوجود عدد منهم في أكثر من دولة".
وفي معلومات ضمن تحقيق صحافي لأحد المحطات التلفزيونية، تمت الإشارة إلى مظلومية كثير من المتهمين القصّر، خصوصاً في ظل عدم وجود فيديوهات وأدلة حقيقية حول جرم الاغتصاب والتعدي، وخصوصاً من أحد المتورطين الذي تم الادعاء عليهم وتوارى عن الأنظار خارج البلاد، وكان قد تم سجنه في وقت سابق لجناية مماثلة، كما أثبت تورطه بالكثير من محاور هذه القضية وغيرها، ما يفتح مجالاً للتكهنات، بأن القضية بأكملها ولا سيما بحق القصّر "ربما" تكون فقاعة هواء!