معرض الدمى الأول في سنه... حكايات النساء المنسوجة بالقماش
بمناسبة اليوم العالمي للدمى أقيم معرض في مدينة سنه بشرق كردستان والذي ضم دمى من مختلف الأمم والدول والتي تعبر كل واحدة منها عن ثقافة وحكاية مختلفة واستمر المعرض من 8 إلى 11 حزيران/يونيو الجاري.

سنيا مرادي
سنه ـ في معرض الدمى الذي افتتح في مدينة سنه بشرق كردستان، أثبتت نجین وکیلي أن الدمى ليست مجرد كيانات مصنوعة من مواد مختلفة، بل هي جزء من حياة كل إنسان، فمن خلال زيارة المعرض ومشاهدة هذه الدمى، يشعر الزائر وكأنه قد خطا إلى عالم طفولته، ليبدأ رحلةً داخليةً تستمر لبضع دقائق.
خاطت نجین وکیلي الملابس مرةً تلو الأخرى، حتى تناسب الدمى، وتُغطي معاناتهن بالقماش الملون، صورت من خلالها معاناة صاحباتهن، وأحلام القاصرات اللواتي اجتمعن في المعرض، ليُظهرن أنهن ما زلن على قيد الحياة، والفتيات اللواتي أصبحن اليوم جدّاتٍ يحدّقن في الأبواب، ربما بانتظار حفيدة تحمل دمية، أو نساءً يرقدن تحت التراب، بقيت معاناتهن حاضرةً.
نجین وکیلي مديرة معهد "روياي رنكي" وصاحبة امتياز مجلة الطفل والناشئ "رنك رويا"، وبسبب شغفها الكبير بالدمى، أمضت سنواتٍ في أماكن ودول مختلفة، مما مكّنها من إنشاء مجموعة فريدة تتضمن دمىً تحمل رموزاً دينية وثقافية، ولها قصصٌ متعددة، ترتبط في معظمها بالمآسي المشتركة التي عاشتها النساء.
وفي هذا الإطار، قالت نجين وكيلي "كانت والدتي تصنع لي الدمى منذ الطفولة، باستخدام مواد بسيطة مثل القماش والخشب والجلد، وهذا ما جعلني أرتبط بها بشدة، فالدمى التي ترونها هنا تعود لطفولتي وأفراد عائلتي وأعمامي، خالاتي، عمّاتي، وحتى جدتي وقد جمعتها كلها، ومن شدة عشقي لهذا العالم، بدأت أيضاً في جمع الدمى الطقسية من مختلف الأمم والدول، وكل دمية منها تحمل بين طياتها قصةً وعقائد متنوعة".
وأوضحت أنه "في اللغة الفارسية، تعني كلمة "عروسك" العروس الصغيرة، وفي الكردية أيضاً "بوك" تحمل نفس المعنى، وهي رمزٌ لزواج القاصرات، فقد كانت الأم تعلم أن ابنتها لا تزال تحمل أفكاراً طفولية، لذا كانت تضع لها دميةً ضمن هدايا الزفاف، لتلعب بها عندما يكون زوجها خارج المنزل".
ولفتت إلى أن "جزءٌ من هذا المعرض يعكس هذه الفكرة، وجزءٌ آخر يحمل طابعاً نوستالجياً، حيث يجد الأطفال الذين عاشوا في حقبتي السبعينيات والثمانينيات ذكريات متجددة عند زيارته".
وأشارت إلى مجموعة دمى تشبه "البقجة"، "إنها ترتبط بثقافة خراسان، حيث لم تكن العروس تستطيع مشاركة المائدة بسهولة مع أهل الزوج بعد الزواج، لذا كانت والدتها تضع لها بعض الطعام داخل هذه البقجة، وقد كان بإمكان هذا الطعام أن يكون أي شيء، كانت هذه الدمية تُعتبر زاداً غذائياً للعروس".
كما أوضحت أن جزءاً آخر من الدمى يرتبط بثقافات إفريقية "هذه الدمى تُجسّد فترة الخصوبة، حيث يُطلق عليها اسم دمى الولادة، وهي دمى تحمل طفلاً بين ذراعيها وآخر على ظهرها، مما يرمز إلى التركيز على الإنجاب".
أما الدمى الطقسية، فأشارت نجين وكيلي إلى إحدى الدمى باسم "كترا كیشة" "هذه الدمى مصنوعة من ملاعق خشبية تنتمي إلى تراث منطقة جیلان، حيث كانت تُستخدم لهطول الأمطار، ودمية أخرى تُسمى "ورزا مشته" مصنوعة من سنابل الأرز تعود إلى مازندران، حيث كان الناس يصنعونها بعد حصاد الأرز ويضعونها في أحد زوايا المنزل، تعبيراً عن الامتنان للرزق والبركة، آمِلين أن يكون محصول العام المقبل أكثر وفرة، وكانت أول حزمةٍ من الأرز تُقدّم للبقرة، لكي تُنتج حليباً طازجاً ومباركاً".
وأضافت أنه "من بين الدمى المعروضة، تبرز دمية شاماران، المستوحاة من الأساطير التاريخية لكردستان"، موضحةً "شاماران امرأةٌ ذات جسد أفعى، جذورها ضاربة في عمق كردستان، وتحمل رواياتٍ قديمة، كنت أرغب في أن تكون جزءاً من مجموعتي التي تضم دمى من مختلف الشعوب، ولهذا حرصت على وجودها في معرضي".
في ختام حديثها، قالت نجين وكيلي "في النهاية، يمكن القول إن ما جُمع في هذا المعرض ليس مجرد دمى، بل سردٌ لإبداع نساءٍ صنعن في قلب التقليد والصمت شكلاً آخر من النضال؛ نضالٌ ناعم، بلا صوت، لكنه خالد، في مواجهة التمييز والمحظورات، ابتكرن وسائل لمواساة أنفسهن والاستمرار، لا لمجرد البقاء، بل للحفاظ على ذواتهن وإعادة تشكيلها، نساء وأمهات وجدن أنفسهن أمهات دون أن تعشن طفولتهن، في ظل بنية أبوية، لم ينسين أنفسهن، بل تركن ذاكرةً حيّة عن حياتهن. ذاكرة نسائية متعددة الطبقات، تتناقلها الأجيال، لتصبح اليوم إرثًا للجدّات والأمهات المستقبليات، ليس فقط كذكرى للألم، بل كمصدر إلهامٍ للتجدد.
وفي عالمٍ لم تتمكن فيه الكثير من النساء حتى من الحداد على طفلةٍ سُلبت منهن، ما نراه في هذا المعرض هو تجسيد إبداعي بديل لما حُرمن منه، وهنا قد يُطرح السؤال: النساء اللواتي صغن الرواية من رحم الألم، وخلقن ذاكرةً نسائيةً للمستقبل، هل أنقذن أنفسهن؟ أم أنقذننا نحن؟