مراكش... أيام ثقافية تبرز التعدد الثقافي في المغرب ودور المرأة في الحفاظ عليه

انطلاقاً من المرأة ودورها في الحفاظ على التراث الثقافي في المغرب، انطلقت الأيام الثقافية بمراكش وتستمر لمدة خمسة أيام على التوالي.

رجاء خيرات

المغرب ـ لا يمكن الحديث عن التعدد الثقافي بين المجتمع العربي والأمازيغي واليهودي والصحراوي في المغرب دون ذكر الدور الذي تلعبه النساء في إبراز معالم التراث الثقافي المتنوع.

لتسليط الضوء على دور المرأة في الحفاظ على التراث والثقافة، نُظم أسبوعاً ثقافياً في مدينة مراكش انطلق يوم الثلاثاء 16 أيار/مايو الجاري، وسيستمر حتى يوم غد السبت 20 أيار/مايو، افتتح الأسبوع بعرض مجموعة من الصور التي تبرز جمالية المرأة ودورها في التعدد الثقافي المغربي، تحت شعار "التعدد الثقافي: النساء المغربيات بين الإيتيقا والجمالية".

وقالت منظمة الأسبوع ونائبة رئيس جامعة القاضي عياض فاطمة الزهراء إفلاحن إن تنظيم أسبوع ثقافي تحت شعار "التعدد الثقافي: نساء مغربيات بين الأخلاق والجمالية" يأتي في إطار التعدد الثقافي والديني واللغوي الذي يميز تاريخ المغرب ودور المرأة في الحفاظ على الثقافة.

وأوضحت أن هذه الدورة التي تعد الثامنة ضمن دورات مونس الثقافية تم تخصيصها لموضوع "المرأة بين فلسفة الإيتيقا والجمالية" لما للمرأة المغربية من دور في الثقافة المتعددة الروافد وإسهامها في ترسيخ قيم الجمال التي تظهر بشكل لافت في كل ما أبدعت فيه النساء ودورهن في تكريس هذه الثقافة المتعددة وتمريرها للأجيال القادمة التي ينبغي أن تدافع عنها وترسخها.

كما أشارت إلى أن هذه الدورة التي ستستمر لأسبوع كامل، ستتخلل أيامها القادمة لقاءات ثقافية وندوات علمية ونقاشات وعرض لعدد من الأفلام الوثائقية والسينمائية.

 

 

وتشارك الفنانة التشكيلية من أصل روسي أولغا ليلى في المعرض الافتتاحي بلوحات رسمت فيها المرأة المغربية بأزيائها المتنوعة وأبرزت من خلالها جمال الزي التقليدي بأبعاده الأمازيغية والعربية والصحراوية واليهودية، مشيرةً إلى أنها تعيش في هذا البلد منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهذه الفترة منحتها الفرصة للتعرف على طبيعة النساء المغربيات واختلاف أزيائهن وتقاليدهن بحسب المناطق التي يقطن فيها.

وأضافت أن تواجدها لمدة سبع سنوات بمدينة العيون جنوب المغرب مكنها من التعرف بشكل أفضل على الثقافة الحسانية، التي شكلت لها مصدر إلهام عند رسمها عدد من اللوحات، كما أن ذلك ساهم في تعرفها على الثقافة الأمازيغية التي نهلت منها واقتبست الكثير من مظاهرها في لوحاتها الفنية.

وأشارت إلى أن أكثر ما يبهرها في النساء المغربيات هو كونهن تحافظن على الكثير من التقاليد التي تتصف بها بلادهن وتولين أهمية كبيرة للأزياء التقليدية (القفطان، القندورة) والحلي التي ترتدينها خلال المناسبات والاحتفالات.  

أما عن سبب اختيار المرأة كموضوع للوحاتها، أكدت أولغا ليلى أن كل ما يخص المرأة يشكل محوراً أساسياً في حياتها، حيث أنها عاشت في كنف أسرة أغلب أفرادها من النساء.

وبحسب المنظمين فإن الأيام الثقافية ستتخللها ندوات علمية حول مواضيع تهم "التربية والثقافة على المساواة" و "التاريخ الاجتماعي لتنشئة فتيات المغرب في مرحلة ما قبل الاستعمار"، بالإضافة إلى عرض أفلام وثائقية تسلط الضوء على تجارب نسوية في مجال الإخراج السينمائي، وأكدوا أن هذا الأسبوع الذي انطلق تحت شعار "نساء مغربيات بين الإيتيقا والجمالية" هو فرصة لإبراز دور النساء في تمتين الروابط التاريخية التي تجمع مكونات المغرب بمختلف انتماءاتها وثقافاتها، وتلاحم هذه الثقافات واندماجها مع بعضها البعض دون تمييز أو تفرقة.

 

 

إيزة جنيني تستعرض تجربتها السينمائية

وعلى هامش الأيام الثقافية اقتسمت المخرجة المغربية إيزة جنيني ضيفة أمس الخميس 18 أيار/مايو الجاري، تجربتها السينمائية الممتدة لما يناهز نصف قرن مع المشاركين.

وعادت المخرجة إيزة جنيني من جديد لأصولها المغربية التي استمدت منها مصدر تجربتها السينمائية، من خلال إصدار عدد من الأفلام الوثائقية حول الموسيقى المغربية في تعددها العرقي والديني منها "الحال" الذي يوثق التجربة الغنائية لمجموعة "ناس الغيوان" الشهيرة، و"العيطة" الفيلم الذي أنتجته حول الشيخات و"إيقاعات مراكش" و"الموسم" و"كناوة" و"رعشات في أعلى الأطلس" و"العودة إلى أولاد مومن" و"أصوات المغرب" وغيرها.

وأوضحت أن ولوجها لعالم الفيلم الوثائقي لم يكن مخططاً له من قبل، بل جاء بمحض الصدفة، مؤكدةً في سياق إنجاز فيلم "العودة إلى أولاد مومن" أنها طلبت من أحد الفرنسيين أن يصور حواراً مع والديها أواسط السبعينيات من القرن الماضي، لتفكر فيما بعد بالاحتفال بعيد ميلادها بالمنطقة التي نشأ فيها الوالدان، وتدعو كل أقربائها المنتشرين عبر العالم للعودة إلى منطقة "أولاد مومن" والتعرف عن قرب على أهاليها وجذورهم وأصولهم، ومن ثم بدأ التفكير في العمل التوثيقي، الذي شغفت به وأحبته وعبرت من خلاله عن هذا التلاقح الثقافي بين مختلف مكونات المغرب العرقية والدينية.

وأشارت إلى أن الأفلام الوثائقية التي أخرجتها أو أنتجتها والتي تبرز من خلالها غنى وتنوع الموروث الغنائي المغربي من موسيقى كناوة والملحون والعيطة والطرب الأندلسي، مسكونة بالزخم الثقافي العفوي الذي يميز المغرب ويختلف من منطقة إلى أخرى، فيما يبقى فيلم "العودة إلى أولاد مومن" عملاً أرادت به المخرجة أن توثق للانتماء وتحيي الذاكرة لمكان ترعرع فيه والداها وارتبطا به، ولم تستطع الهجرة أن تمحو معالمه.

 

 

عن هذا العمل تقول "لا أنفي النزعة الأنانية التي طبعت التفكير في إنجاز هذا العمل في البداية، لكن فيما بعد تطور الأمر بالنسبة لامرأة عصامية مثلي في عالم الوثائقي، إلى شغف بالتوثيق، توثيق هذا التلاقح بين الثقافات المختلفة، والمتجلي سواء في الموسيقى والعادات أو غيرها"، مشيرةً إلى أن هذا النوع من الأفلام هي بمثابة شهادات حية على تاريخ عاشته ووقائع طبعت ذاكرتها وطفولتها عندما كانت ترافق والدها في الأسواق والمواسم التي أنجزت حولها أفلاماً. 

ولفتت إلى أن الفيلم الوثائقي الذي أنتجته وأخرجته أصبح يغزو الصالات السينمائية مثله مثل الفيلم الروائي، باعتباره يحمل تلك الرؤية السينمائية ويوظف التقنيات السينمائية، عكس ما كان ينظر إليه سابقاً بكونه لا يخرج عن نطاق الريبورتاج المصور.

واعتبرت أن اللقاء شكل فرصة لطرح أسئلة حقيقية حول التصورات والتمثلات التي يحملها المجتمع والغرب عموماً للمرأة المغربية، كما أن فيلمها "العيطة" الذي يوثق تجربة مجموعة من الفنانات الشعبيات، أرادت منه إسماع صوت هؤلاء الفنانات باعتبارهن تعبرن عن موروث ثقافي شعبي يميز العديد من مناطق المغرب "العيطة العبدية، العيطة الحوزة، العيطة المرساوية، العيطة الجبلية".