منظمة العفو الدولية تخلُص إلى أن إسرائيل "ترتكب جريمة إبادة جماعية"
في تقرير تاريخي جديد، قالت منظمة العفو الدولية إن بحوثها وجدت أدلّةً وافيةً تثبت أن إسرائيل قد "ارتكبت، ولا تزال ترتكب، جريمة الإبادة" الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة "المحتل".
مركز الأخبار ـ بعنوان "بتحس إنك مش بني آدم: الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة"، توثّق المنظمة فتح إسرائيل أبواب الجحيم والدمار على الفلسطينيين في قطاع غزّة، بصورة سافرة ومستمرة، مع الإفلات التام من العقاب.
قالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية في تقرير للمنظمة صدر اليوم الاثنين التاسع من كانون الأول/ديسمبر، "يثبت تقرير منظمة العفو الدولية بوضوح أن إسرائيل ارتكبت أفعالاً تحظرها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وتشمل قتل الفلسطينيين في قطاع غزّة، وإلحاق أذى بدني أو نفسي بهم، وإخضاعهم عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي، وعلى مدى شهور ظلّت إسرائيل تعامل الفلسطينيين وكأنهم فئة دون البشر لا يستحقون حقوقاً إنسانية ولا كرامة، وأظهرت أنَّ قصدها هو تدميرهم المادي".
كما أضافت "يجب أن تكون نتائجنا الدامغة بمثابة صيحة تنبيه للمجتمع الدولي أن هذه إبادة جماعية، ولا بد أن تتوقف الآن، ويجب على الدول التي تواصل توريد الأسلحة لإسرائيل في هذا الوقت أن تدرك أنها تخل بالتزامها بمنع الإبادة الجماعية، وأنها عرضة لأن تصبح متواطئة في الإبادة الجماعية، ويجب أن تتحرك فوراً جميع الدول التي تمتلك نفوذاً على إسرائيل، وخاصة تلك التي تزودها بالأسلحة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، ولكن أيضاً الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من أجل إنهاء الفظائع التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين".
ولفتت إلى أنه "خلال الشهرين الماضيين، اشتدت حدّة الأزمة بوجه خاص في شمال غزّة، حيث يكابد السكان المحاصرون التجويع والتهجير القسري والإبادة وسط القصف المتواصل عليهم بلا هوادة والقيود الخانقة التي تحول دون وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح إليهم".
وقالت أنياس كالامار "لقد أظهرت أبحاثنا أن إسرائيل استمرت لعدة أشهر في ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية، وهي تدرك تماماً ما تلحقه بالفلسطينيين في قطاع غزّة من أضرار لا يمكن جبرها، وقد تمادت في ذلك ضاربة عرض الحائط بما لا حصر له من التحذيرات بشأن الأوضاع الإنسانية الكارثية، وبالقرارات الملزمة قانوناً من محكمة العدل الدولية التي تأمر إسرائيل باتخاذ تدابير فورية لتمكين المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المدنيين في قطاع غزّة".
وأضافت أنياس كالامار "لقد ظلّت إسرائيل تزعم مراراً أنّ أفعالها مشروعة، ويمكن تبريرها بهدفها العسكري المتمثل في القضاء على حماس، ولكن قصد الإبادة الجماعية يمكن أن يكون قائماً إلى جانب الأهداف العسكرية، ولا يتعيّن بالضّرورة أن يكون هو القصد الأوحد لدى إسرائيل".
كما قالت إن "الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة في 7 تشرين الأول 2023 ضد الإسرائيليين والضحايا من جنسيات أخرى، بما في ذلك عمليات القتل الجماعية المتعمدة وأخذ الرهائن، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسوّغ الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في القطاع".
ويقر فقه القانون الدولي بأنّ ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ليس مرهوناً بنجاح الجاني في مسعاه لتدمير الجماعة التي تحظى بالحماية، سواء كلياً أم جزئياً؛ بل يكفي ارتكاب الأفعال المحظورة بقصد تدمير الجماعة بصفتها هذه.
ويعاين تقرير منظمة العفو الدولية بالتفصيل انتهاكات إسرائيل في قطاع غزّة على مدى التّسعة أشهر التي انقضت بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وأوائل تموز/يوليو 2024، وأجرت المنظمة مقابلات مع 212 شخصاً، من بينهم ضحايا وشهود فلسطينيون وأفراد من السلطات المحلية في قطاع غزّة وعاملون في مجال الرعاية الصحية، كما أجرت أبحاثاً ميدانية وعكفت على تحليل مجموعة واسعة من الأدلة المرئية والرقمية، بما فيها صور الأقمار الصناعية.
نطاق وحجم لم يسبق لهما مثيل
جاء في تقرير المنظمة أن "أفعال إسرائيل أدت في أعقاب الهجمات التي شنتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى دفع سكان قطاع غزّة إلى شفا الانهيار، فحتى 7 تشرين الأول/أكتوبر 2024، أدى هجومها العسكري الوحشي إلى مقتل أكثر من 42,000 فلسطيني، من بينهم أكثر من 13,300 طفل، وإصابة ما يزيد على 97,000 آخرين، سقط الكثيرون منهم في هجمات مباشرة أو عشوائية متعمدة، أسفرت في كثير من الأحيان عن إبادة عائلات متعددة الأجيال بأكملها"، مع ذكر شهادات لمدنيين عاشوا أهوال الحرب.
وذكر التقرير أن "إسرائيل فرضت ظروفاً معيشية في القطاع خلقت مزيجاً من سوء التغذية والجوع والمرض، وساقت الفلسطينيين إلى موت بطيء ومتعمد، كذلك أخضعت إسرائيل المئات من الفلسطينيين من القطاع للاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة".
وأكدت المنظمة في تقريرها أن "بعض الأفعال التي شملها تحقيق منظمة العفو الدولية، عند النظر إليها بمعزل عن غيرها، تعد انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولكن إذا ما أُخذت بعين الاعتبار صورة الحملة العسكرية الإسرائيلية في مجملها، وما ترتب على سياسات إسرائيل وأفعالها من آثار تراكمية، فعندئذٍ يتجلى قصد الإبادة الجماعية باعتباره الاستنتاج المنطقي الوحيد".
قصد التدمير
ذكر التقرير أنه "للتحقق من أنّ القصد الخاص لإسرائيل هو التدمير المادي للفلسطينيين، بصفتهم هذه، عكفت منظمة العفو الدولية على تحليل النمط العام لسلوك إسرائيل في قطاع غزّة، وما صدر عن مسؤولي الحكومة والجيش الإسرائيليين، وخصوصاً أرفعهم، من تصريحات تجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتطالب بإبادتهم الجماعية، وأخذت بعين الاعتبار سياق نظام الأبارتهايد الإسرائيلي والحصار غير الإنساني للقطاع والاحتلال العسكري غير المشروع للأرض الفلسطينية منذ 57 عاماً".
وأضاف أنه قبل استخلاص استنتاجاتها، نظرت منظمة العفو الدولية في ادعاءات إسرائيل بأنّ جيشها استهدف حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في مختلف أنحاء قطاع غزّة بصورة مشروعة، وأنّ الدمار غير المسبوق الناجم عن ذلك ومنع وصول المعونات كانا نتيجة للسلوك غير المشروع من جانب حماس وغيرها من الجماعات المسلحة، وخلصت المنظمة إلى أن هذه الادعاءات عديمة المصداقية، فوجود مقاتلي حماس بالقرب من منطقة مكتظة بالسكان أو داخلها لا يعفي إسرائيل من التزاماتها التي تستوجب اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لدرء الأخطار عن المدنيين وتجنيبهم الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة، وتبيَّن للمنظمة من خلال أبحاثها أنّ إسرائيل تقاعست عن الوفاء بهذه الالتزامات المرة تلو الأخرى.
وفي إطار تحليلها، أخذت المنظمة بعين الاعتبار الحجج البديلة مثل تلك القائلة بأن إسرائيل كانت تتصرف بتهور أو أنها لم تكن تبالي ببساطة إن كانت بحاجة لتدمير الفلسطينيين في غضون هذه العملية، مما يظهر استخفافاً قاسياً بأرواحهم، وليس قصد إبادتهم الجماعية، "يجب أن تكون نتائجنا الدامغة بمثابة صيحة تنبيه للمجتمع الدولي: هذه إبادة جماعية، ولا بد أن تتوقف الآن".
وقالت أنياس كالامار لكن بصرف النظر عما إذا كانت إسرائيل ترى في تدمير الفلسطينيين وسيلة لتدمير حماس أو تحصيلاً حاصلاً مقبولاً لتحقيق هذا الهدف، فإن مجرد النظر إلى الفلسطينيين على أنهم طرف يمكن التخلص منه أو أنهم غير جديرين بأي اعتبار هو في حد ذاته دليل على قصد "الإبادة الجماعية"، كما كانت الكثير من الأفعال غير المشروعة التي وثقتها منظمة العفو الدولية مسبوقة بتصريحات للمسؤولين تحث على تنفيذها.
القتل وإلحاق أذى بدني أو نفسي خطير
جاء في التقرير أن منظمة العفو الدولية وثقت أفعال إبادة جماعية في قطاع غزّة تتمثل في قتل الفلسطينيين وإلحاق أذى بدني ونفسي بهم، من خلال الاطلاع على نتائج التحقيقات التي أجرتها بشأن 15 غارة جوية وقعت خلال الفترة بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و20 نيسان/أبريل 2024، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 334 مدنياً، من بينهم 141 طفلاً، وجرح مئات آخرين، ولم تعثر المنظمة على أي أدلة على أن أياً من هذه الغارات كانت موجهة لهدف عسكري.
وذكر التقرير أن هذه الحالات لا تمثل سوى غيض من فيض تلك الغارات الجوية الإسرائيلية، فإنها تشير إلى نمط أوسع من الهجمات المباشرة المتكررة على المدنيين والأعيان المدنية أو الهجمات العشوائية المتعمدة، كما أن الهجمات قد شُنّت بأساليب يراد بها إيقاع عدد كبير جداً من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
إخضاع الفلسطينيين لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي
يوثق التقرير تعمّد إسرائيل إخضاع الفلسطينيين في قطاع غزّة لظروف معيشية يراد بها أن تؤدي، إلى تدميرهم وقد فُرضت هذه الظروف من خلال ثلاثة أنماط متزامنة فاقمت الآثار المدمرة لبعضها البعض بصفة متكررة، منها تخريب وتدمير مرافق البنية التحتية الداعمة للحياة، وغيرها من الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة؛ والاستخدام المتكرر لأوامر "الإخلاء" الجماعي الواسعة النطاق، والتعسفية، والمبهمة بهدف التهجير القسري لجميع سكان قطاع غزّة تقريباً؛ وحرمانهم من الخدمات الأساسية، والمساعدات الإنسانية، وغيرها من الإمدادات اللازمة لإنقاذ الحياة، وعرقلة إيصالها إلى القطاع وبداخله.
وخلال الأشهر التسعة التي يتناولها هذا التقرير، واصلت إسرائيل حصاراً خانقاً غير مشروع على القطاع، وفرضت رقابة صارمة على سبل الوصول إلى مصادر الطاقة، وتقاعست عن تيسير السبل المجدية لإيصال المساعدات الإنسانية للقطاع، ومنعت استيراد وإيصال السلع والمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، وبخاصة إلى المناطق الواقعة شمال وادي غزّة؛ وبذلك فاقمت إسرائيل أزمة إنسانية كانت قائمة من قبل.
وإن التقاعس المُدوّي والمشين من جانب المجتمع الدولي على مدى أكثر من عام عن الضغط على إسرائيل لحملها على وضع حد لفظائعها في قطاع غزّة، أولًا من خلال تأخير الدعوات لوقف إطلاق النار، ثم الاستمرار في توريد الأسلحة، هو وصمة عار على ضميرنا الجمعي وسيظل كذلك.
كما قالت أنياس كالامار مرة تلو الأخرى، سنحت لإسرائيل الفرصة لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزّة، ولكنها ظلت ترفض مراراً وتكراراً على مدى أكثر من عام اتخاذ خطوات تقع بشكل واضح ضمن سلطتها، مثل فتح نقاط العبور الكافية إلى القطاع، أو رفع القيود الصارمة عمّا يمكن إدخاله إلى القطاع، أو عرقلتها لإيصال المساعدات داخل القطاع في الوقت الذي ظلت فيه الأوضاع تزداد سوءاً على سوء.
وأضافت أنه من خلال أوامر "الإخلاء" المتكررة، هجّرت إسرائيل نحو 1,9 مليون فلسطيني، أي 90% من سكان قطاع غزّة إلى جيوب من الأرض آخذة في التقلص وغير آمنة، تحت ظروف لاإنسانية، وبعضهم هُجّروا عشر مرات، وبسبب هذه الموجات المتعددة من التهجير القسري، أصبح الكثير من الفلسطينيين عاطلين عن العمل، كما خلفت لديهم صدمات ومعاناة نفسية عميقة، خاصة وأن نحو 70% من سكان غزّة هم لاجئون أو أبناء وأحفاد لاجئين، تعرضت بلداتهم وقراهم لحملة تطهير عرقي نفّذتها إسرائيل أثناء نكبة عام 1948.
ورفضت السماح للمهجرين بالعودة إلى ديارهم في شمال القطاع أو إعادة توطينهم مؤقتاً في مناطق أخرى من الأرض الفلسطينية المحتلة أو في إسرائيل، وظلّت تحرم الكثير من الفلسطينيين من حقهم في العودة بموجب القانون الدولي إلى المناطق التي هُجّروا منها عام 1948. وقد فعلت إسرائيل ذلك وهي تدرك أنه ما من مكان آمن للفلسطينيين في قطاع غزّة يمكنهم الفرار إليه.
المساءلة عن الإبادة الجماعية
قالت أنياس كالامار في تقرير المنظمة إن "التقاعس المُدوّي والمشين من جانب المجتمع الدولي على مدى أكثر من عام عن الضغط على إسرائيل لحملها على وضع حد لفظائعها في قطاع غزّة، أولاً من خلال تأخير الدعوات لوقف إطلاق النار، ثم الاستمرار في توريد الأسلحة، هو وصمة عار على ضميرنا الجمعي وسيظل كذلك".
وأضافت "يجب على الحكومات أن تكفّ عن التظاهر بالعجز عن وضع حد للإبادة الجماعية التي أصبحت ممكنة بسبب عقود من إفلات إسرائيل من العقاب عن انتهاكاتها للقانون الدولي، يتعين على الدول أن تفعل أكثر من مجرد إطلاق التصريحات التي تعبر عن الأسف أو الاستياء".
وقالت "إننا نحث مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على النظر فوراً في إضافة الإبادة الجماعية إلى قائمة الجرائم التي يُحقق فيها، وأن تستخدم جميع الدول كافة السبل القانونية المتاحة لها لتقديم الجناة إلى العدالة، لا ينبغي السماح لأحد بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والبقاء دون عقاب".
كما تطالب منظمة العفو الدولية بالإفراج عن جميع الرهائن المدنيين دون شروط، وبمحاسبة حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة عن الجرائم التي ارتكبتها في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتحث المنظمة مجلس الأمن الدولي أيضاً على فرض عقوبات موجهة على المسؤولين الإسرائيليين ومسؤولي حماس الأكثر ضلوعًا في الجرائم التي يشملها القانون الدولي.