منبر العدالة النسائي في أفغانستان... المحكمة الشعبية تفضح الانتهاكات
مثّلت المحكمة الشعبية النسائية الأفغانية أول منبر حقيقي للنساء تحت حكم طالبان، حيث تحوّل الصمت الطويل والألم العميق إلى صوت جماعي جريء، في شهاداتهن امتزجت المعاناة بالمقاومة، لتُعيد هذه الجلسات إحياء مفهوم العدالة في وجه القمع.

بهاران لهیب
بامیان ـ اختتمت محكمة الشعب النسائية الأفغانية جلساتها التي دامت ثلاثة أيام، لتُشكّل أول خطوة عملية نحو إيصال صوت نساء أفغانستان إلى العالم، ورغم أن محاكم مماثلة أُقيمت سابقاً خلال فترة الغزو السوفييتي لأفغانستان، فإن هذه الدورة تميّزت بموضوعها وأجوائها المختلفة كلياً.
هذه المرة، لم تكن الجرائم المرتكبة في سياق الحرب التقليدية محور النقاش محكمة الشعب النسائية الأفغانية، بل كانت شهادات النساء الأفغانيات عن الانتهاكات التي تعرضن لها خلال السنوات الأربع الأخيرة تحت حكم حركة طالبان، هي التي تصدّرت المشهد، لتكشف عن واقع مرير من القمع والعنف الممنهج ضد المرأة في ظل غياب العدالة والدعم الدولي الفعّال.
وخلال جلسات المحكمة التي امتدت من الثامن إلى العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أدلت نحو اثنتين وعشرين امرأة بشهادات مؤثرة، سواء بشكل حضوري أو عبر تسجيلات صوتية أو من خلال مشاركات غير مباشرة، كشفت فيها عن الجرائم والانتهاكات المستمرة بحق النساء في أفغانستان.
نظّمت هذه المحكمة أربع مؤسسات مدنية أفغانية، وتولّت إدارتها بالكامل نساء من وكلاء النيابة والقضاة، ممن يلمسن عن قرب معاناة النساء ويعبّرن عنها بصدق وتجربة.
تزامن انعقاد المحكمة مع زيارة وزير خارجية طالبان، أمير خان متقي، إلى الهند، الدولة التي تصف نفسها بأنها مهد الديمقراطية، لكنها منعت الصحفيات الهنديات من حضور مؤتمره الصحفي، وفي الوقت ذاته، كانت تُعقد في روسيا جلسة حول استعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية، ما يعكس تداخل الأحداث السياسية مع نضال الأفغانيات من أجل العدالة والاعتراف بمعاناتهن.
في ظل انعقاد محكمة الشعب النسائية الأفغانية، عبّر العديد من مستخدمي شبكات التواصل الافتراضي، من النساء والرجال في أفغانستان، عن دعمهم الكامل لهذه المبادرة، معتبرينها خطوة مهمة نحو كشف الحقيقة وإيصال صوت النساء المضطهدات، ولم تُسجّل معارضة تُذكر سوى من عدد محدود من جماعات الضغط التابعة لطالبان، الذين سارعوا إلى إدانة الجلسات.
ورغم أن المحكمة خصّصت في يومها الثاني وقتاً رسمياً لطالبان كي تعرض وجهة نظرها، فإنها التزمت الصمت ولم تُبدِ أي رد فعل، ما زاد من رمزية هذا الغياب في مواجهة شهادات مؤلمة.
وفي هذا السياق، تحدّثت ليلما صفدر، إحدى النساء المحتجات في ولاية باميان "أشعر بألم كل امرأة أدلت بشهادتها في المحكمة، لقد تحدثت 22 امرأة عن الجرائم التي تعرضن لها، وأنا على يقين بأنهن يُمثّلن صوت ملايين الأفغانيات داخل البلاد، اللواتي يُقمعن يومياً بطرق مختلفة، ويعشن لحظة بلحظة معاناة لا توصف، يعانين من العنف والاضطهاد بأجسادهن وأرواحهن".
بعينين يملؤهما الإصرار وتلمع فيهما قوة العزيمة، قالت "استهان البعض بهذه المحكمة وسخروا منها، وأنا أعلم أن بين المشاركين من كانوا خلال العقدين الماضيين جزءاً من جلسات ما يسمى بمفاوضات السلام مع طالبان، وحاولوا تلميع صورتها وإظهارها بصورة ديمقراطية، لكن الحقيقة أن تطرف طالبان وأفكارها المعادية للمرأة لم تتغير يوماً".
وتابعت حديثها عن النساء اللواتي أدلين بشهاداتهن "رأيت في أعينهن وكلماتهن، إلى جانب الألم، روح الصمود، لم يشعرن بالندم على نضالهن، رغم ما تعرضن له من سجن وتعذيب وإهانة، بل لو أُتيحت لهن الفرصة من جديد، لاخترن الطريق ذاته"، مؤكدةً أنه "مجرد الحديث عمّا جرى لهن داخل السجون يُعد شكلاً من أشكال المقاومة ضد الفكر المتطرف والذكوري، ففي مجتمع يعتبر الحديث عن الاغتصاب والجرائم ضد النساء أمراً مخزياً، فإن الإدلاء بشهادة في محكمة كهذه هو فعل شجاع وثوري".