من قلب الحصار... حراك شعبي يطالب بإنهاء الحرب والإبادة

نظم مثقفون وصحفيون وأدباء حراك شعبي في غزة، رفضاً لمصادقة السلطات الإسرائيلية على خطة إعادة احتلال المدينة وتهجير أهلها، وتعبيراً عن صمود جماعي يطالب بوقف الحرب والإبادة.

نغم كراجة

غزة ـ أثارت خطة إعادة احتلال غزة جدلاً واسعاً دولياً، إذ اعتبرها الكثيرون أنها تصعيد خطير يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، وأنها انتهاكاً للقانون الدولي وتقويضاً لحل الدولتين.

في ظل الحرب المدمّرة على غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وما اتسمت به من دمار وتهجير قسري، احتشد صباح اليوم الخميس 21 آب/أغسطس، مئات من الصحفيين والصحفيات وممثلين وممثلات القوى الوطنية والمؤسسات الإعلامية والمجتمعية والنقابات المحلية والغرفة التجارية إلى جانب شخصيات اعتبارية من المدينة في وقفة تضامنية حملت عنوان "الحراك الوطني الفلسطيني للمطالبة بوقف الحرب" أمام مركز التضامن الإعلامي في مدينة غزة.

جاء هذا الحراك بمثابة صرخة مدوية تنبعث من قلب المدينة المحاصرة، لتصل أصداؤها إلى العالم كله، حيث رفعت اللافتات التي كتبت عليها عبارات تدعو إلى وقف الحرب وإنهاء الانتهاكات بحق المدنيين، فيما علت الأصوات تطالب بتكاتف الجهود المحلية والدولية لإنهاء نزيف الدم المستمر.

وفي هذا الإطار، قالت سحر نصار، عضو في نقابة الصحفيين إن "مشاركتي في هذا الحراك واجباً وطنياً وأخلاقياً كان من المفترض أن نقوم به منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب، لقد رأينا في غزة مشاهد تقشعر لها الأبدان، من نساء يصرخن طلباً للنجدة، إلى أطفال يختبئون بين الركام، أليس من حقنا أن يكون لنا صوت يصل إلى ضمير العالم؟ أليس من العار أن يستمر الصمت بينما تُرتكب المجازر في وضع النهار؟ نحن اليوم نرفع صوتنا لنقول أوقفوا الحرب، احقنوا دماءنا، كفوا عن تجويعنا وقتلنا".

وأكدت على أنه رغم اشتداد النيران فوق رؤوسهم في مدينة غزة المحاصرة والمستهدفة بكل أنواع الأسلحة، يعلن سكانها صمودهم وإصرارهم وأنهم لن يهجروا أرضهم فالموت أهون عليهم من أن يُقتلعوا من جذورهم.

ولم تقتصر كلماتها على وصف الواقع فحسب بل وجهت نداءً إلى نساء العالم أجمع "أنتن تعرفن معنى الأمومة والإنسانية، فكيف تقبلن أن تُسحق نساء غزة تحت ركام بيوتهن، وأن يُتركن بلا دواء ولا مأوى ولا قوت؟ إن نصرة المرأة الفلسطينية اليوم واجب إنساني واختبار حقيقي لضمير البشرية، نحن لا نطلب المستحيل، نطلب فقط أن توقفوا آلة الحرب، أن تمدوا أيديكنّ إلينا لنستعيد حقنا في الحياة".

وتحدثت ليلى أبو عمشة وهي امرأة سبعينية بكلمات مؤثرة "لقد ولدت في هذه الأرض وعشت فيها سبعين عاماً، واليوم يريدون أن يطردوني منها كما طردوا من سبقونا عام النكبة، إنني أقولها بكل وضوح لن أرحل عن غزة حتى لو طالني الموت في كل لحظة، صمدنا 22 شهراً تحت القصف والجوع والحرمان، واليوم يريدون أن يفرضوا علينا خطة تهجير جديدة، لكننا لن نخضع".

وأشارت إلى أن هذه الأرض هي ذاكرة أجدادها، ولن تتنازل عنها، متسائلةً "ماذا ينتظر العالم حتى يستيقظ من سباته؟ ألا تكفيه مشاهد الأطفال تحت الأنقاض والنساء المكلومة؟ ألا تكفيه رائحة الموت التي تملأ كل زاوية من غزة؟

من جانبها، قالت الناشطة النسوية ميرفت البيطار "لقد دفع شعبنا ثمناً باهظاً في هذه الحرب، شخصياً فقدت عدداً من أسرتي، ودُمر منزلي، عانيت من النزوح بكل ما فيه من ألم وحرمان لكنني أرفض أن يُقال إن غزة قد انكسرت، نحن لم نُهزم رغم كل ما مررنا به، إن مشاركة المرأة اليوم في هذا الحراك هي رسالة قوية للعالم أجمع، مفادها أن المرأة ليست متفرجة أو ضحية بل هي شريكة في النضال، وقدّمت أبناءها ومستقبلها، ومع ذلك ما زالت شامخة كالجبل".

وأضافت "لا يمكن لأحد أن يقتلعنا من هذا الوطن، نحن جزء لا يتجزأ منه، ومهما حاول الاحتلال أن يمزق أوصالنا فلن ينجح"، مطالبة العالم كله أن يتحرك لوقف هذه الحرب المجنونة، لرفع الحصار، لوقف شلال الدم الذي يغرقهم كل يوم.

بدورها، أكدت صوفيا الشرافي مسؤولة لجنة المرأة في دائرة اللاجئين، أن الحشود التي شاركت في هذه الوقفة هي أكبر دليل على رفض التهجير القسري "نحن هنا لنقول للعالم إننا لن نغادر غزة، ولن نرفع الرايات البيضاء، ولن نستسلم، لقد صمدنا 22 شهراً تحت كل أشكال القهر والحصار، واليوم نقول إننا أقوى من أي وقت مضى، جئنا لنرفع الهتافات تحت القصف، نحن لا نخاف، ونعلم أن هذه الأرض هي حياتنا ومصيرنا"، لافتةً إلى أن "إنهاء الحرب مسؤولية الجميع، وليس مسؤوليتنا وحدنا، وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك فوراً لإنقاذ من تبقى على قيد الحياة في غزة".

وأضافت "على العالم أن يفهم أن القوات الإسرائيلية إذا ما أقدمت على احتلال مدينة غزة مجدداً فإن العبء الأكبر سيتحمله النساء، نحن اللواتي نحمل مسؤوليات الأسرة على أكتافنا، ونحاول أن نوفر الطعام للأطفال رغم انعدام كل شيء، ونصنع الحياة من العدم، والقوات الإسرائيلية تعرف جيداً أن المرأة الفلسطينية قوة لا تُقهر، ولهذا تستهدفها دائماً لكن من الخطأ أن تظن أنه بإمكانها أن تكسرها، سنظل كما اعتاد العالم أن يرانا ثابتات، صامدات، راسخات في أرضنا".

وأشارت إلى أن "هذا الحراك شكل موقف وطني جامع، يرفض استمرار الحرب ويدين سياسة الإبادة الجماعية التي تُمارس ضد المدنيين في غزة، وفي جوهره محاولة لإيصال صوت أطياف المجتمع إلى العالم أجمع بأن غزة ليست مجرد جغرافيا، بل هي قضية وكرامة وحق".

وأضافت أن "الحراك الذي نظم اليوم في شوارع غزة هو صرخة من قلب المعاناة، ورسالة من مدينة تحترق تحت القصف إلى كل عواصم العالم، لذلك أوقفوا المجازر، أنهوا الحصار، امنحوا الفلسطينيين حقهم في الحياة والحرية، كما أنه تعبير عن صمود لا يُكسر، وإصرار لا يلين، ورغبة عارمة في البقاء مهما طال زمن الحرب".