من التسول إلى التعليم... رحلة الأطفال نحو الأمل في مركز حلبجة
يولي "مركز حلبجة" اهتماماً بالأطفال الذين يجبرون على التسول أو جمع القمامة، بمنحهم حقوقهم في المجتمع، وضمان حمايتهم من آثار الحرب والاضطرابات النفسية وتمكينهم من الوصول إلى التعليم في بيئة آمنة ومحفزة.

نغم جاجان
قامشلو ـ في خطوة تهدف إلى حماية الطفولة وتعزيز قيم الرعاية الاجتماعية، افتتحت منسقية المرأة في بلدية قامشلو بإقليم شمال وشرق سوريا مركزاً جديداً في قرية خزنة تحت اسم "مركز حلبجة"، مخصصاً لرعاية الأيتام والأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة، بما في ذلك أولئك الذين يتسولون في الشوارع.
يسعى "مركز حلبجة" إلى توفير بيئة آمنة وداعمة لهؤلاء الأطفال، من خلال تقديم برامج تربوية ونفسية تساعدهم على تجاوز التحديات اليومية، وتمكينهم من التعلم والنمو في بيئة سليمة، كما يعمل المركز بشكل متكامل مع العائلات والمجتمع المحلي لترسيخ ثقافة حماية الطفل، وضمان مستقبل أكثر إشراقاً للأجيال القادمة.
مركز حلبجة نموذجاً لحماية الطفولة في زمن النزوح
وعن أهداف المشروع وآليات العمل والأنشطة التي ينفذها أوضحت الرئيسة المشتركة لمركز حلبجة آريا عثمان أن هذه المبادرة تمثل خطوة مهمة نحو بناء مجتمع أكثر عدالة للأطفال الذين حُرموا من الرعاية والاهتمام، وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي مرت بها سوريا خلال السنوات الأخيرة، من حرب ونزوح وهجرة، خلّفت آثاراً عميقة على الأطفال، حيث فقد الكثير منهم ذويهم واضطروا إلى التسول في الشوارع أو جمع القمامة لتأمين لقمة العيش.
وقالت "نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وجد العديد من الأطفال أنفسهم في مواجهة مباشرة مع أشكال متعددة من العنف، سواء النفسي أو الجسدي أو الجنسي، دون أي حماية أو دعم، ومن هنا، بادرت منسقية المرأة في بلدية قامشلو إلى تأسيس مركز حلبجة عام 2022، بهدف توفير بيئة آمنة لهؤلاء الأطفال، وضمان حقوقهم في المجتمع".
وأوضحت أن المركز لا يكتفي برعاية الأطفال، بل يعمل أيضاً على التواصل مع أسرهم "ناقشنا مع العائلات الأسباب التي دفعت أطفالهم إلى العمل في الشوارع، وأكدنا لهم أن هذه الأعمال لا تليق بالأطفال، لكننا في الوقت ذاته ندرك أن الحل لا يكمن في المنع فقط، بل في تقديم الدعم الحقيقي للعائلات التي تعاني من ضائقة اقتصادية".
وبيّنت أن "فرق الدوريات التابعة للبلدية تجوب المدن، وعند رصد الأطفال في هذه الظروف للمرة الثانية، يتم نقلهم إلى المركز المؤقت في حي أم فرسان، وتُفرض غرامة مالية على أسرهم، ووفقاً لقانون مركز حلبجة، إذا تكررت الحالة للمرة الثالثة، يُنقل الطفل إلى المركز الرئيسي، حيث يخضع لبرنامج تعليمي وتوعوي لمدة ثلاثة أشهر قبل أن يُعاد إلى أسرته، أما في حال التكرار للمرة الرابعة، فتمتد فترة الرعاية إلى ستة أشهر".
"منع التسول يبدأ من دعم الأسرة"
وأوضحت آريا عثمان، أنهم واجهوا في البداية تحديات كبيرة مع بعض العائلات، حيث عبّرت العديد منها عن استيائها وطالبت بعدم فصل أطفالها عنها "رغم تحذيراتنا، لاحظنا أن الأطفال ما زالوا يتجولون في الشوارع ويجمعون القمامة، وهو ما دفعنا لتحمّل مسؤوليتنا الأخلاقية والإنسانية في رعايتهم والقيام بدور الأهل تجاههم".
وأضافت أن "المركز يوفّر لهؤلاء الأطفال التعليم الأساسي والتوعية النفسية والاجتماعية، بهدف انتشالهم من واقع التسول والعمل في الشوارع، ومنحهم فرصة لحياة أفضل، كما يتم تأمين جميع الخدمات الضرورية لهم، من مأوى ورعاية صحية إلى الدعم النفسي".
"التعليم بلغتهم الأم يُعيد لهم لغتهم وهويتهم"
وعن الأنشطة التعليمية والتربوية التي يقدمها المركز للأطفال بينت "كل طفل يتلقى تعليمه بلغته الأم، في إطار نظام متكامل تم وضعه منذ تأسيس المركز، وهناك تنسيقاً مع هيئة التربية والتعليم لضمان جودة المحتوى التعليمي المقدم"، مضيفةً "لدينا معلمة تستقبل الأطفال بحفاوة، وتبدأ معهم بتعلم أساسيات النظافة الشخصية، ثم ننتقل إلى الأنشطة التربوية مثل الأعمال اليدوية، إلى جانب تعلم القراءة والكتابة بلغتهم الأم، وتعزيز مهاراتهم من خلال دروس في الموسيقى والرسم".
وأضافت "كما يوفر المركز بيئة ترفيهية متكاملة، حيث يلعب الأطفال، يشاهدون التلفاز، ويستمعون إلى القصص التي تُقرأ لهم، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة خارجية تساعدهم على التفاعل مع العالم من حولهم، وبعد إتمام برنامجهم التعليمي الذي يستمر ثلاثة أشهر، يُظهرون تغيرات إيجابية واضحة في سلوكهم وشخصياتهم، ما يعكس أثر الرعاية والدعم الذي يتلقونه داخل المركز".
وأوضحت آريا عثمان، أن المركز يستقبل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و18 عاماً "الهدف ليس فصل الأطفال عن أسرهم، بل مساعدتهم على تجاوز أزماتهم النفسية والاجتماعية، مع الحفاظ على روابطهم الأسرية والمجتمعية".
وقالت "نقيم معارض دورية لعرض الأعمال اليدوية والمنتجات التي يصنعها الأطفال داخل المركز، وندعو أصدقاءهم وأفراد المجتمع لحضورها، بهدف تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتشجيعهم على التعبير عن مواهبهم، كما نرحب بكل من يرغب في دعم هؤلاء الأطفال، من خلال التواصل المباشر مع إدارة البلدية".
وأكدت على أهمية دور الأسرة في حماية الطفل "على الأهالي رعاية أطفالهم، وضمان حقوقهم في التعليم والحياة الكريمة، حتى لا يُتركوا عرضة للتشرد أو الاستغلال في الشوارع".