من المقاومة إلى التوعية... شنكال تكتب فصلاً جديداً

أكدت الناطقة باسم لجنة العلاقات الدبلوماسية لـ (TAJÊ)، سهام شنكالي، على أن الانتحار ظاهرة ناتجة عن ضغوط اجتماعية ونفسية ممنهجة، مشددةً على أهمية الذكرى العاشرة لتحرير شنكال، معتبرة إياها رمزاً للمقاومة والكرامة.

شنكال ـ بمبادرة من حركة حرية المرأة الإيزيدية (TAJÊ)، وبالتعاون مع اتحاد المرأة الشابة الإيزيدية والإدارة الذاتية في شنكال، أُطلق في 30 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، حملة توعوية موحدة تحت شعار "لا تقتل نفسك، كل انتحار إبادة"، وذلك في مواجهة تزايد حالات الانتحار في المنطقة مؤخراً.

وأوضحت الناطقة باسم لجنة العلاقات الدبلوماسية لـ (TAJÊسهام شنكالي، أن هذه الحملة تأتي في إطار فعاليات اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والذكرى السنوية العاشرة لتحرير شنكال، مؤكدةً أن الحملة تسعى إلى رفع الوعي المجتمعي حول خطورة الانتحار، واعتباره نتيجة لضغوط اجتماعية وقهر ممنهج، وليس خياراً فردياً.

 

"الانتحار في شنكال أزمة نفسية وقهر اجتماعي"

أكدت سهام شنكالي أن حملة "لا تقتل نفسك، كل انتحار إبادة"، تكتسب أهمية بالغة، خاصة في ظل تزايد حالات الانتحار في المجتمع، لا سيما في شنكال، حيث تنتحر العديد من الشابات، ومؤخراً بدأ الشباب أيضاً بالإقدام عليه "هدفنا هو تقليص انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، التي تنجم عن أسباب متعددة، منها الضغوط النفسية والاجتماعية، والحروب، والقيود المفروضة على الشابات بشكل خاص".

وأشارت إلى أن عدداً من الشباب لا يرون حلولاً بديلة، فيعتبرون الموت مخرجاً، ما يؤدي إلى تفشي ثقافة الاستسلام والانهيار داخل المجتمع، لذلك تسعى الحملة إلى تفكيك العقلية التي تروّج لفكرة أن الانتحار شكل من أشكال التحرر، والعمل على ترسيخ وعي مجتمعي يرى في الحياة سبيلاً للنضال والتغيير.

وأشارت سهام شنكالي إلى أن الضغوط النفسية لا تقتصر على الشابات فحسب، بل تشمل أيضاً الشباب، حيث تشهد حالات الانتحار في صفوفهم تزايداً ملحوظاً "البيئة التي نعيش فيها تمهّد الطريق أمام الانتحار، كما أن وسائل الإعلام الرقمية تلعب دوراً كبيراً في التأثير على المجتمع"، مضيفةً "مجتمعنا ليس كغيره من المجتمعات، فقد تعرض لـ74 حملة إبادة، والإعلام الرقمي يعيد تسليط الضوء على هذه المآسي، مما يفاقم الشعور باليأس، هناك حرب نفسية تُشنّ على فئة الشباب، خاصة الشابات عبر هذه المنصات، ما يجعلهن أكثر عرضة للانهيار".

 

"الانتحار ليس قدراً والكرامة لا تُقاس بالشرف"

وأوضحت سهام شنكالي أن حركة (TAJÊ) تسعى من خلال حملتها لمخاطبة فئة الشباب عبر مسارين أساسيين هما التوعية والتعليم، بهدف تغيير الواقع القائم وبناء مجتمع أكثر وعياً وقدرة على مواجهة التحديات "لقد بلغنا مرحلة يُنظر فيها إلى الانتحار داخل المجتمع كأنه قدر لا مفر منه، وهذا تصور خاطئ يجب تفكيكه. الانتحار ليس قدراً، ولا ينبغي التعامل معه على هذا الأساس".

وأضافت أن هناك تقارباً نفسياً مقلقاً مع فكرة الانتحار داخل المجتمع، لكن لا ينبغي أن يصبح هذا القرب أمراً طبيعياً. فكما أن الأسرة تتحمل مسؤولية تربية أبنائها، فإن المجتمع أيضاً مسؤول عن تشكيل وعي الشباب "في TAJÊ نطمح إلى بناء مجتمع حر في شنكال، مجتمع ذاتي يقوده شباب ثائرون وواعون".

وشددت على أن الوقاية من الانتحار تبدأ من التربية السليمة، مشيرةً إلى أن الشباب الذين يتلقون تعليماً حقيقياً مبنياً على الفكر والإيمان بالذات، يمكنهم مقاومة فكرة إنهاء حياتهم "لا نتحدث عن التعليم التقليدي داخل النظام، لأن كثيراً من الشباب الذين مروا عبر هذا النظام انتهى بهم المطاف إلى الانتحار، لذلك ندعو إلى تعليم حقيقي، يعزز الوعي والكرامة والقدرة على التغيير".

ولفتت سهام شنكالي إلى أن النظرة المجتمعية تجاه النساء، خاصة الشابات، تُعد من أبرز أسباب تفشي ظاهرة الانتحار، مشيرةً إلى أن المجتمع يربط المرأة بمفهوم "الشرف"، ما يضعها تحت ضغوط نفسية واجتماعية هائلة "وفقاً للمعتقد الإيزيدي، يُعد الانتحار خطيئة، لأن الحياة تحمل هدفاً ورسالة، لذلك يجب أن نتجاوز فكرة أن الانتحار مجرد حالة نفسية أو قدر محتوم، النساء خاصة الشابات، يُنظر إليهن كرمز للشرف، ويتعرضن لضغوط في المنزل والمجتمع ومكان العمل، ما يدفع الكثير منهن نحو الانتحار".

وأضافت "في عام 2014، سقطت شنكال في قبضة داعش، وتعرضت آلاف الإيزيديات لانتهاكات مروعة، بينما اعتُبرت المرأة وحدها رمزاً للشرف، وتحمّلت عبء المأساة، هذه العقلية لا تزال تفرض نفسها، وتُمارس على النساء ضغوطاً تجعل الموت يبدو وكأنه خلاص".

وبيّنت أن مواجهة هذه الذهنية تتطلب وعياً وموقفاً حازماً من النساء، خاصة الشابات، اللواتي يجب أن يتحلين بالثبات ويواجهن العنف والانتحار بإرادة قوية "التعليم والتوعية هما السبيل لتغيير هذا الواقع، ففي حركة TAJÊ نؤمن بأن الحل يبدأ من النساء أنفسهن، ومن خلال هذه الحملة نسعى إلى إيجاد حلول حقيقية والحد من ظاهرة الانتحار".

 

" تحرير شنكال ولادة جديدة للشعب الإيزيدي"

في سياق حديثها، شددت سهام شنكالي، على أهمية 13 تشرين الثاني/نوفمبر، الذي يصادف الذكرى السنوية لتحرير شنكال، معتبرةً إياه لحظة تاريخية وميلاداً جديداً للمجتمع الإيزيدي "نبدأ احتفالنا بهذه الذكرى بإهدائها إلى القائد أوجلان، وإلى جميع الشهداء الذين رووا تراب شنكال بدمائهم، وكانوا شعلة الأمل في درب الحرية. تحرير شنكال لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل ولادة جديدة لشعبٍ ظن أنه لن يرى النور مجدداً، خاصة أولئك الذين عاشوا فصول المجازر وشاهدوا وحشية داعش بأعينهم، ولم يصدقوا أن أحداً يمكنه الوقوف في وجه الظلام".

وأضافت "لقد خاضت وحدات مقاومة شنكال ووحدات المرأة في شنكال، المكوّنة من شباب وفتيات إيزيديين، مقاومة بطولية استمرت 11 شهراً، أعادت الأمل إلى قلوب الناس، وأثبتت أن الإرادة أقوى من السلاح".

وانتقدت محاولات التزييف التي تمارسها بعض الجهات "في الوقت الذي انسحب فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني، وسقطت معظم المناطق في يد داعش، كانت شنكال وحدها تقاوم، هناك عشرات الصور والمشاهد التي توثق هذه الحقيقة، وتُظهر أن مقاومة شنكال كانت بمثابة بيت للإنسانية".

ولفتت إلى أنه "رغم كل الأدلة، لا يزال البعض ينكر الحقيقة، ويدّعي أنه قاتل وحرر شنكال، متجاهلاً تضحيات من بقوا وصمدوا. أولئك الذين عاشوا لحظة التحرير يعرفون الحقيقة جيداً، لأنهم رأوا كل شيء بأعينهم، وعاشوا تفاصيله".

وأكدت أن تحرير شنكال تحقق بفضل مقاومة بطولية قادها مقاتلو الحرية، مشيرةً إلى أن "العشرات منهم استشهدوا في المراحل الأخيرة من المعركة، هؤلاء الأبطال لا يجوز أن يُنسَوا، فالمقاومة التي خاضوها في جبال شنكال كانت الدرع الحقيقي الذي حمى الأرض والكرامة".

وأضافت "اليوم، لا تزال وحدات المرأة في شنكال ووحدات مقاومة شنكال، التي لعبت دوراً محورياً في التحرير، تواصل أداء واجبها الوطني بكل مسؤولية. لا يمكن الحديث عن شنكال دون الاعتراف بوجود هذه القوات والإدارة الذاتية، فبدونهم لا يمكن لأي جهة أن تخطو خطوة واحدة على هذه الأرض".

وشددت على أن شنكال اليوم ليست مجرد منطقة جغرافية، بل رمز للإرادة والصمود "منذ لحظة التحرير وحتى الآن، تستمر هذه القوى في حماية المجتمع وتحمل مسؤولياتها، ويجب أن تبقى هذه الحقيقة حيّة في الذاكرة الجماعية، لأنها تمثل جوهر نضال المجتمع الإيزيدي من أجل الحرية والكرامة".