ملتقى المرأة في الحسكة من أجل العدالة والمساواة
نظّم مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي ملتقاه الثاني بمدينة الحسكة، تناول خلاله أبرز المفاهيم الفكرية التي طرحها القائد أوجلان، وفي مقدمتها مفهوم "القاتل الزمروي" ومفهوم "الكومونة"، واختتمه بالتأكيد على مجموعة من المخرجات الأساسية.
الحسكة ـ في إطار المرحلة السادسة من حملة مناهضة العنف ضد المرأة التي أطلقها مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي تحت شعار "نحو بناء سوريا ديمقراطية بقيادة المرأة الحرة"، نظّم المجلس تحت شعار "الحياة الندية الحرّة ضمان بناء مجتمع كومينالي ديمقراطي"، ملتقاه الثاني.
شارك في الملتقى الذي نظم اليوم الثلاثاء الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، في مدينة الحسكة بإقليم شمال وشرق سوريا، 180 ممثلاً وممثلة من مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي، إلى جانب منظمات نسائية، وأحزاب سياسية، ومثقفين، وأعضاء من مؤسسات المجتمع المدني من مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، في فعالية جمعت مختلف الأطياف لمناقشة قضايا المرأة وبناء المجتمع الديمقراطي.
دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" في صلب النقاشات
وخلال المنتدى، جرى تسليط الضوء على دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" التي أطلقها القائد عبد الله أوجلان، مع التأكيد على الدور المحوري للمرأة في بناء حياة مجتمعية قائمة على القيم الديمقراطية، ومواجهة الذهنية السلطوية الأبوية التي تعيق تطور المجتمعات.
بدورها ألقت ممثلة مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي حورية شمّدين، كلمة أكدت فيها أن المنتدى يمثل خطوة مهمة في مواجهة الذهنية السلطوية، ويجسد نضالاً مستمراً لبناء قيم جديدة تقوم على الأخوّة، والمساواة، والحياة المشتركة "الحياة الحرة والمتساوية ليست مجرد شعار نردده، بل هي واقع نعيشه في كل بيت ومجتمع ومؤسسة ديمقراطية، لقد أثبتت ثورة 19 تموز أن المرأة ليست مجرد ظل في التاريخ، بل هي فاعلة تكتب حاضرها بدمها، وعقلها وكرامتها، لتقود مسيرة التغيير الاجتماعي وتؤسس لمجتمع قائم على الحرية والمسؤولية الجماعية".
وأوضحت حورية شمّدين أن القائد أوجلان، في ظل عالم يزداد معاناة بسبب الحروب والصراعات، قد رفع راية السلام والمجتمع الديمقراطي، وطرحها كخيار إنساني بديل يهدف إلى تحرير البشرية من التهميش والإقصاء، مؤكدة أن هذا الطرح يشكّل دعوة لبناء عالم أكثر عدالة وإنسانية.
"القاتل الزمروي يتجاوز الجسد ليطال الهوية والثقافة"
تناول المنتدى محورين أساسيين، الأول بعنوان "القاتل الزمروي في دعوة السلام والمجتمع الديمقراطي"، وقدّمته نورشان حسين، الرئيسة المشتركة للجنة العلاقات الدبلوماسية لإقليم شمال وشرق سوريا، وفي كلمتها أوضحت أن مصطلح "كاستيك" يعود إلى أصل لغوي يُعبّر عن الظلم والتدمير، وقد تم تعريفه في الدعوة باعتباره شكلاً من أشكال العنف.
وأضافت أن هذا المفهوم، حين يُفهم في سياقه السياسي والأيديولوجي، لا يقتصر على التدمير الجسدي فحسب، بل يشمل أيضاً الأبعاد النفسية، والثقافية، والأخلاقية، مما يعكس عمق تأثير العنف في بنية المجتمعات.
وأوضحت نورشان حسين أن مفهوم "القاتل الزمروي" لا يظهر بشكل واضح في الأدبيات الأكاديمية أو السياسية التقليدية، بل يُستخدم كمصطلح مجازي في نقد القائد عبد الله أوجلان للبنية السلطوية للدولة، وللذهنية الأبوية والاستعمارية، ويُبرز هذا المفهوم الجذور العميقة للعنف المتغلغل في الأنظمة التي تقوم على الهيمنة والإقصاء.
وسلّطت الضوء على السياق التاريخي الذي يمنح هذا المفهوم عمقه الحقيقي، مشيرةً إلى أن أولى مظاهره بدأت باستهداف النساء من خلال تفكيك المجتمع الأمومي.
وتناولت في دراستها كيف يعمل الاستعمار من خلال تحليل "التشرذم الداخلي للجسد الأسود بنظرة البيض"، وهو نمط لا يزال يؤثر في وعي المجتمعات حتى اليوم، مؤكدةً أن الشعور بالخجل من اللغة الأم والانفصال عن الذاكرة هما من آثار "القاتل الزمروي".
وقالت نورشان حسين إن الدولة القومية الحديثة، عبر أدواتها الأيديولوجية، أعادت تشكيل الفرد ليصبح مجرد كيان يخدم السلطة، من خلال تفريغه من جوهره الإنساني وتحويله إلى أداة في خدمة النظام، مشيرةً إلى أن القاتل الزمروي لا يقتصر على هذا الجانب، بل يتجلى أيضاً في مظاهر النيوليبرالية المتطرفة، مثل اقتصاد الاستهلاك، والتقليد، وثقافة الشاشة، والتلاعب بالخوارزميات، حيث تُستخدم هذه الوسائل لفرض أنماط سلوكية وقيمية تخدم المنظومة السلطوية وتكرّس الهيمنة.
"رؤية القائد أوجلان تقوم على الأمومة والحداثة والديمقراطية"
وقدّمت الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي بروين يوسف، المحور الثاني من المنتدى تحت عنوان "الحلول السياسية والاجتماعية لتحقيق المساواة والعدالة"، وفي كلمتها استعرضت رؤية القائد عبد الله أوجلان، التي تقوم على المجتمع الأمومي، تمكين المرأة، والحداثة الديمقراطية، موضحةً أن هذه الركائز تفتح الطريق أمام بناء مجتمع موحّد قادر على مواجهة إرث الهيمنة والسلطة.
وأكدت أن القائد أوجلان يرى في الحرية والمساواة والعدالة مفاهيم عملية وليست مجرد نظريات، ويمكن تحويلها إلى مسارات واقعية لإعادة بناء المجتمع على أسس المشاركة والديمقراطية، مع احترام التنوع الإثني والديني والثقافي، بما يضمن العدالة الاجتماعية والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع.
وتابعت بروين يوسف حديثها مشددةً على أهمية دور الكومينات، وأن فهم الكومين الأمومي يُعد حجر الزاوية في فكر القائد عبد الله أوجلان، حيث أن هذا النموذج المجتمعي يُجسّد وحدة تقوم على المساواة والعدالة، حيث لا تُعتبر الكومينات الأمومية مجرد شكل بدائي من التنظيم الاجتماعي، بل نماذج متقدمة لبنية مجتمعية تضمن الحقوق لكل فرد وتتيح له المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار.
وأضافت أن هذه الكومينات ساهمت في كسر الحلقة التاريخية للاستغلال، التي ارتبطت بالسلطة والثروة والنفوذ، من خلال بناء نظام اجتماعي يضع الإنسان في مركزه، ويعتمد على المشاركة والعدالة بدلاً من الهيمنة والإقصاء.
وأشارت إلى أن الإدارة الذاتية رغم التحديات التي تواجهها، تطرح مفهوماً للعدالة يقوم على احترام كرامة الإنسان، لا على المساواة الشكلية في توزيع الموارد، فالعدالة، من منظورها، تعني توفير فرص حياة كريمة لكل فرد، وبناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، لا على التبعية أو الهيمنة.
وشددت على أن تحقيق العدالة والمساواة ليس مجرد مرحلة قانونية أو سياسية، بل هو مسار تحرري مستمر، وقد قدّم القائد عبد الله أوجلان رؤية تنويرية تنقل العدالة من إطار السلطة إلى فضاء الحياة، ومن لغة الحقوق المجردة إلى ممارسة يومية للحرية والمشاركة الفاعلة في بناء مجتمع ديمقراطي تعددي.
زيادة التوعية ونشر مفهوم الحياة الندية
أبرز المخرجات استمرار النضال من أجل الحرية الجسدية للقائد أوجلان، كونه يمثل حرية جميع الشعوب التواقة إلى العدالة، التأكيد على استمرار النضال الفكري والسياسي والتنظيمي ضد كل أشكال العنف والتمييز الممارس ضد المرأة، ترسيخ مفهوم العائلة الديمقراطية التي تقوم على الحب والاحترام والحرية، بعيداً عن التملك والوصاية.
بالإضافة للعمل جماعياً من أجل تفعيل دور المجالس والكومينات كقواعد أساسية لبناء المجتمع الأخلاقي والسياسي الديمقراطي، زيادة التوعية ونشر مفهوم "الحياة الندية الحرة" بين كل فئات المجتمع والمؤسسات لتعزيز ثقافة المساواة، إقامة ورشات مختلطة للرجال والنساء بهدف بناء العائلة الديمقراطية كخطوة مركزية لترسيخ القيم الكومينالية، النضال بروح المسؤولية التاريخية من أجل إنجاح مبادرة القائد للسلام، اعتبار النضال ضد الذهنية الذكورية نضالاً مشتركاً بين المرأة والرجل من أجل استعادة التوازن الطبيعي للعلاقات الإنسانية".