ملتقى المرأة العراقية والمجتمع المدني يعقد مؤتمره الثاني في بغداد
وسط دعوات لتعزيز حضورها، عقد ملتقى المرأة العراقية والمجتمع المدني مؤتمره الثاني في بغداد، تحت شعار "المرأة شريك أساسي في التنمية" بمشاركة واسعة من شخصيات حكومية ومدنية، سلط فيه الضوء على قضايا تمكين المرأة، ودورها في صناعة القرار.

رجاء حميد رشيد
العراق ـ أكدت المشاركات في ملتقى المرأة العراقية والمجتمع المدني، أن تمكين المرأة ضرورة تنموية لا غنى عنها لتحقيق الاستقرار والتقدم "يجب أن تعمل منظمات المجتمع المدني على تعزيز مشاركة النساء في صنع القرار وبناء السلام".
تحت شعار "المرأة شريك أساسي في التنمية" عقد ملتقى المرأة العراقية والمجتمع المدني بنسخته الثانية مؤتمره أمس الأربعاء 24 أيلول/سبتمبر، في العاصمة بغداد، وذلك في إطار التوجه نحو مستقبل مستدام.
وألقت سارة إياد علاوي مستشارة رئيس الوزراء لشؤون منظمات المجتمع المدني والمدير التنفيذي لملتقى المرأة العراقية والمجتمع المدني، كلمة أكدت فيها أن المرأة العراقية أثبتت عبر مختلف المراحل أنها عنصر فاعل في بناء المجتمع ومسيرة النهوض الوطني، وهي مسيرة تتطلب المزيد من المشاركة في جميع المجالات، من صنع القرار إلى التنمية، ومن العمل المجتمعي إلى القيادة السياسية.
وأشارت إلى أن منظمات المجتمع المدني لعبت دوراً محورياً في حماية حقوق المرأة وتعزيز حضورها، حيث شكلت نموذجاً ديمقراطياً رائداً من خلال اختصاصاتها المتنوعة، خاصة المنظمات المعنية بشؤون المرأة، التي كان لها دور مشرّف في الدفاع عن حقوق النساء وتوجيه الرأي العام فيما يخص التشريعات والقرارات الداعمة لمكانتها، كما ساهمت برامج التدريب والتطوير التي تنفذها تلك المنظمات في تمكين المرأة وتعزيز قدراتها.
وشددت على أن دور المرأة ليس مسألة هامشية بل دور إنساني وأن إعطاءها الفرصة يُعد ضرورة تنموية يتحقق من خلالها ازدهار العراق واستقراره، فكلما ترسّخ دور المرأة ومكانتها في المجتمع تجذّرت قيم السلام وانطلقت طاقات الإبداع وتوسعت آفاق التنمية، مضيفةً أن هذا الملتقى يُعد منصة وطنية فاعلة للحوار والتعاون وتبادل الأفكار وفرصة مهمة لبحث السبل الكفيلة بتجاوز التحديات والقيود التي تواجه المرأة، مثل الاعتداءات والتهميش والإقصاء والتعنيف.
وأكدت أن حضور المنظمات المدنية والنسوية وممثلي الدول يعكس إرادة قوية وجادة للعمل من أجل النهوض بواقع المرأة، مشيرةً إلى أن "مسؤوليتنا اليوم تكمن في توفير بيئة آمنة للمرأة، ودعم المبادرات والتشريعات التي تضمن مشاركتها الفاعلة في صناعة المستقبل، كما أنه من واجبنا دعم منظمات المجتمع المدني كونها على تماس مباشر مع المواطن، وتشكل حلقة الوصل بين مؤسسات الدولة والمجتمع، وهي أيضاً رسالة سلام تعبّر عن وحدة بلدنا".
"تمكين المرأة هو تمكين للمجتمع والوطن"
تلت ذلك كلمة ألقتها مستشارة رئيس مجلس الوزراء لشؤون المرأة وعضو المجلس الأعلى لشؤون المرأة، الدكتورة شهباء العزاوي، عبر تقنية الاتصال الإلكتروني (أونلاين) من خلال عرض فيديو، أشارت فيها إلى أن التعاون بين منظمات المجتمع المدني والحكومة تعد الركيزة الأساسية لبناء مجتمع متوازن قادر على التصدي للتحديات المستقبلية، مشددةً على ضرورة تحويل هذا التعاون إلى نهج مؤسساتي يُترجم إلى برامج علمية، وسياسات واضحة، وقرارات جريئة تنطلق من قناعة راسخة بأن تمكين المرأة ليس ترفاً، بل هو عنصر جوهري وشرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة.
وأوضحت أن تمكين المرأة لا يعني فقط منحها فرصة فردية، بل هو تمكين لأسرة كاملة، وتعزيز لمجتمع بأسره، وبناء لوطن أكثر استقراراً "من موقعنا في المجلس الأعلى لشؤون المرأة، نؤكد التزامنا الكامل بدعم هذه الطموحات وكل المبادرات التي تساهم في تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية"، مؤكدةً على أنهم ماضون معاً كشركاء في صناعة مستقبل تتكافأ فيه الفرص وتزدهر فيه الطاقات ويعلو فيه صوت المرأة من أجل الكرامة والعطاء.
النساء تصنعن التغيير
وفي كلمتها، أكدت رشا الجبوري الناشطة في مجال حقوق المرأة ومنظمات المجتمع المدني، أن النساء تعملن بصمت وتصنعن الأثر بقوة في مجتمعات ربما لم تُفتح لهن الأبواب لكنهن اخترن أن تصنعن مفاتيح التغيير بأنفسهن "نحن اليوم لا نتحدث فقط عن وجود المرأة في منظمات المجتمع المدني بل عن تأثيرها على نساء لم تعدن مجرد أدوات تنفيذ، بل أصبحن صاحبات قرار وصانعات رؤية".
وشددت على أن "صناعة القرار مسؤولية تبدأ من داخلنا عندما نؤمن بذواتنا عندما نُشفى من جراح الماضي، عندما نُربي جيلاً واعياً، ونكسر الصمت عن كل ما يُقيد المرأة ويُعطل قدراتها، أن المرأة اليوم لم تعد تنتظر من يمنحها الفرصة بل تصنعها بنفسها، فالمرأة الواعية، المثقفة، القادرة على فهم احتياجات مجتمعها هي الأقدر على صياغة حلول حقيقية وعلى التأثير في السياسات العامة ومسارات التنمية ودوائر التغيير".
وعن أهمية دور منظمات المجتمع المدني، أكدت أنها ليست مجرد هياكل إدارية بل منابر صوت ومصانع وعي وحين تكون المرأة داخل المنظمات صاحبة قرار فإنها تساهم في بناء مجتمع متوازن وحماية الفئات الهشة، ونشر ثقافة الحقوق والواجبات وتمكين النساء نفسياً، اقتصادياً، واجتماعياً".
المرأة شريك أساسي في التنمية
وتناول المؤتمر في جلسته الأولى موضوع "الدور الحكومي في دعم المرأة ومنظمات المجتمع المدني"، باعتبارهم شركاء أساسيين في البناء والتنمية وذلك تحت عنوان "المرأة شريك أساسي في التنمية" وركزت الجلسة على أهمية دور الحكومة في دعم المرأة، والتصدي لمحاولات التشويه التي تستهدف صورتها، بالإضافة إلى مناقشة التشريعات البرلمانية الأخيرة، والسياسات والتوجيهات الحكومية الرامية إلى تعزيز مشاركة المرأة في التنمية وصنع القرار.
وفي مداخلتها، أكدت سارة إياد علاوي أن المرأة ما زالت مهمشة في مواقع اتخاذ القرار السياسي، مشيرةً إلى أن وجود النائبات في مجلس النواب لا يعكس بالضرورة تمثيلاً حقيقياً بل هو تمثيل شكلي في الكثير من الأحيان "إن تجاوز هذه العقبات يتطلب توعية الناخبين والمجتمع بشكل عام بأهمية المشاركة في العملية الانتخابية، وعلى النساء أن تكنّ صاحبات قرار في اختيار من يمثل قضاياهن"، مؤكدة أنه لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون مشاركة فاعلة للمرأة".
المرأة وصناعة القرار
وتناولت الجلسة الثانية من المؤتمر أهمية المشاركة السياسية للنساء وأثرها في صياغة السياسات الوطنية، بالإضافة إلى دور منظمات المجتمع المدني في دعم المرأة والدفاع عن حقوقها، وذلك تحت عنوان "المرأة وصناعة القرار".
من جانبها، قالت النائبة السابقة في البرلمان لدورتين وأمينة المكتب السياسي في تيار الحكمة الوطني ليلى الخفاجي، أن المرأة العراقية تتفوق على نظيراتها في العديد من الدول العربية، مشيرةً إلى أنها كانت وما تزال امرأة قوية، صبورة، صامدة، مناضلة ومجاهدة "المرأة العراقية عانت لثلاثة عقود من التهميش، والإقصاء، والتعذيب، والنفي، والسجن، وكانت شريكة للرجل في كل المحن، حتى في الحروب العبثية".
وأكدت أن المرأة رغم كل ذلك حافظت على تماسك العائلة العراقية وساهمت في صمودها رغم ظروف الحروب والتحديات "المرأة العراقية أثبتت كفاءتها، حيث شغلت مناصب مهمة مثل الوزارة والقضاء، وتساءلت كيف نساعد المرأة العراقية اليوم بعد كل ما مرت به من محن وتهميش؟"، مشيرةً إلى أن الدعم لا يجب أن يقتصر على الدفاع عنها فقط، بل يجب أن يشمل تمكينها ومنحها الفرص الحقيقية للمشاركة في صنع القرار، وأن المرأة يجب أن تكون فاعلة في صناعة القرار السياسي من داخل الأحزاب والمؤسسات، قبل أن تصل إلى البرلمان، فالمرأة تصنع مكانتها بنفسها ويجب أن تتصدر المشهد في الأحزاب والعملية السياسية، لا أن تنتظر من يمنحها موقعاً.
واستعرضت سارة صلاح الدين رئيسة منظمة كهرمانة لشؤون المرأة، دور منظمات المجتمع المدني في دعم المرأة والدفاع عن حقوقها، مؤكدةً أن هذه المنظمات كانت وما زالت تعمل بفعالية وجدية في سبيل تمكين النساء وإيصالهن إلى مواقع قيادية "إن منظمات المجتمع المدني ومن بينها منظمة كهرمانة تبنت مشاريع متعددة تهدف إلى دعم المرأة في مختلف الجوانب لا سيما في دعم مشاركتها السياسية".
وأشارت إلى أن المنظمة نفذت برامج خاصة لتمكين النساء من خلال تزويدهن بالمهارات اللازمة للمشاركة السياسية الفاعلة، بالإضافة إلى تنظيم دورات تدريبية حول كيفية إدارة الحملات الانتخابية، بهدف تأهيل النساء للدخول في المعترك السياسي والوصول إلى قبة البرلمان، مؤكدةً أن عمل المنظمات لم يقتصر على جانب واحد، بل شمل مختلف الجوانب التي تساهم في دعم ومساندة المرأة من خلال طرح حلول عملية مستندة إلى واقع المجتمع، والعمل المباشر مع أصحاب القرار للنهوض بواقع المرأة في جميع المجالات.
المرأة وبناء السلام
وفي الجلسة الثالثة من المؤتمر، والتي ناقشت موضوع "مشاركة المرأة العراقية في جهود السلام وحفظ الأمن"، ودور منظمات المجتمع المدني في خدمة المجتمعات المتأثرة بالصراعات، تم التركيز على أهمية دور المرأة في السلام بعد الصراعات وذلك تحت عنوان "المرأة وبناء السلام".
وخلال الجلسة، تحدثت سوزان عارف رئيسة منظمة تمكين المرأة ورئيسة شبكة المرأة والسلام عن واقع منظمات المجتمع المدني ودورها في دعم المرأة القيادية، ومساندتها في تجاوز التحديات، قائلة إن العمل المشترك والتعاون بين المنظمات هو جوهر العمل المدني وأساس نجاحه "المرأة العراقية أثبتت قوتها وجدارتها، بالرغم من مرورها بتجارب قاسية وأزمات متلاحقة، إلا أنها صمدت وواجهت التحديات بشجاعة، وحافظت على الأسرة والمجتمع".
وشددت على ضرورة تعزيز دور المرأة من خلال مشاركة حقيقية وفاعلة، لا شكلية أو رمزية، إضافة إلى أهمية قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة منها الحديث عن القرار 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن والقرار 2250 بشأن الشباب والسلام والأمن "هذه القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وضعت إطاراً دولياً يعترف بأن النساء والشباب ليسوا فقط ضحايا في النزاعات، بل هم أيضاً عناصر فاعلة في عمليات السلام، وإعادة الإعمار، وتحقيق الاستقرار".
واختتمت حديثها بالقول "لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في العراق دون مشاركة حقيقية للنساء والشباب في جميع مسارات العملية السياسية والاجتماعية والتنموية".