المرأة الكردية في الصحافة قرن من النضال والكلمة الحرة
يُجسّد يوم صحافة المرأة الكردية مسيرة نضال طويلة امتدت لأكثر من قرن، واجهت فيها الصحفيات الكرديات التمييز والتهميش بثبات وإبداع، ورغم التحديات السياسية والاجتماعية، استطعن ترسيخ حضورهن في الإعلام الحر، وتحويل أقلامهن إلى أدوات مقاومة ومعرفة.

لافا كردي
مركز الأخبار ـ في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يُحتفى بيوم صحافة المرأة الكردية التي ناضلت من أجل الإعلام الحر وواجهت الظلم بقلمها، هذا اليوم يستحضر مسيرة غربتلي أرسوز، أول رئيسة تحرير لصحيفة "أوزغور غوندَم"، التي استشهدت عام 1997 وخلّفت إرثاً نضالياً خالداً، رغم التحديات، لم تتراجع الصحفيات الكرديات عن خط النضال، بل واصلن المسير بثبات، ويُستذكر هذا اليوم سنوياً تكريماً لعطائهن وشجاعتهن.
النساء الكرديات دخلن عالم الصحافة منذ أكثر من 112 عاماً، حاملات إرثاً نضالياً مليئاً بالتحديات والمواجهات، فبينما تواجه نساء العالم تمييزاً قائماً على النوع الاجتماعي فقط، تعاني المرأة الكردية من تمييز ثلاثي قائم على الجنس، القومية، والهوية، مما يجعل طريقها أكثر وعورة، ومع ذلك، وبعزيمة لا تلين، استطاعت أن ترسّخ حضورها في الإعلام الحر، رغم محاولات الإقصاء والتهميش.
في بيئة يسودها الصراع والإنكار، تصبح حياة النساء مهددة، وتُستهدف الصحفيات بشكل خاص، لأن سعيهن وراء الحقيقة يكشف المستور ويقلق من يسعى لإخفائه، كل تقرير صحفي يحمل في طياته مواجهة مع منظومات القمع، ولهذا تُحارب الصحافة النسائية في محاولة لإسكاتها، وفي كردستان، حيث يُنكر الوجود القومي، يتضاعف الضغط على النساء، ليصبح نضال الصحفيات الكرديات أكثر صعوبة، وأكثر أهمية في آنٍ واحد.
الصحافة النسائية الكردية صوت الحقيقة في زمن الإنكار
في الرابع من نيسان/أبريل عام 1913، تأسست أول صحيفة نسائية في الدولة العثمانية تحت اسم "عالم النساء"، على يد نورية علويّة مولان زاده في إسطنبول، وكما يُحتل التراب، يُحتل التاريخ أيضاً، إذ يُصرّ المؤرخون الأتراك على اعتبار نورية علويّة مولان زاده تركية الأصل، ويصفون صحيفتها بأنها أول صحيفة نسائية تركية، رغم أنها في الأصل تنتمي إلى القومية الشركسية.
الشركس، وهم شعب من شمال القوقاز، خاضوا مقاومة شرسة ضد الروس عقب هزيمة الدولة العثمانية أمامهم. ونتيجة لهذه المقاومة، نُفي قسم منهم على يد الروس، واضطر آخرون إلى الهجرة نحو أراضي الدولة العثمانية، حيث استقروا لاحقاً في سوريا، هذه الخلفية تكشف كيف أن مساهمات النساء الشركسيات، مثل نورية علويّة مولان زاده، غالباً ما تُطمس تحت سرديات قومية مهيمنة.
كانت صحيفة "عالم النساء"، منبراً موجهاً لجميع نساء الدولة العثمانية، بما في ذلك النساء الكرديات اللواتي كان لهن حضور بارز فيها، من بين أبرز الأسماء التي ساهمت في الصحيفة باستمرار مزّيَت بدرخان، فخرية بدرخان، ومسادَت بدرخان، حيث انضمت الأخيرة إلى هيئة تحرير الصحيفة وأسهمت في صياغة محتواها.
ورغم هذا الدور الريادي، فإن المعلومات المتوفرة عن هؤلاء الصحفيات الثلاث تبقى محدودة، ما يعكس التهميش الذي طال مساهمات النساء الكرديات في تاريخ الصحافة العثمانية.
شكلت صحيفة "عالم النساء"، منبراً ريادياً لخدمة قضايا المرأة، ولم تكتف بالمطالبة بحق التعليم العالي للنساء، بل دعت أيضاً إلى المساواة بين الجنسين في بيئة العمل، وحق النساء في الحصول على الخدمات المدنية، كما سلطت الصحيفة الضوء على قضايا الشعب الكردي، وأسهمت في تأسيس أول جمعية نسائية كردية تحت اسم "جمعية ترقية النساء الكرديات".
وبحسب المصادر المتوفرة، استمرت الصحيفة في نشاطها حتى عام 1921، وتمكنت خلال تلك الفترة من إصدار نحو 600 عدد، لتُسجل بذلك حضوراً مؤثراً في تاريخ الصحافة النسائية المبكرة.
من هاوار إلى تروسكة... محطات الصحافة النسائية الكردية
قدّمت المرأة الكردية مساهمات بارزة في تاريخ الصحافة، وكان لعدد من الرائدات دور محوري في ترسيخ الهوية الثقافية والتنوير الفكري، ففي عام 1933، نشرت روشَن بدرخان أول مقال نسائي باللغة الكردية وبالأبجدية اللاتينية في مجلة "هاوار"، لتكون بذلك أول امرأة كردية تكتب وتنشر بهذه الصيغة.
وفي عام 1950، تولّت رحمة خان، ابنة الشاعر بيراميرد، امتياز صحيفة "زين" بعد وفاة والدها، لتواصل مسيرته الأدبية والإعلامية، بعد ذلك بعامين، شهد إقليم كردستان صدور أول مطبوعة نسائية كردية باسم "المرأة الحرة"، لتفتح باباً جديداً أمام صوت المرأة في الإعلام.
كما برزت مجلة "توار" كمجلة موسمية ثقافية واجتماعية، صدرت إبان الثورة وظهور حركة البيشمركة في منطقة شاخ، حيث انطلق عددها الأول في 8 آذار/مارس 1990، ولا تزال مستمرة في النشر حتى اليوم، حاملةً هموم المجتمع وقضايا المرأة الكردية في قلب الأحداث.
شهدت الصحافة النسائية الكردية تطوراً ملحوظاً عبر محطات متعددة، كان من أبرزها صحيفة "صوت النساء" التي انطلقت في 8 آذار/مارس 1996 كمطبوعة تنويرية تهدف إلى تسليط الضوء على قضايا المرأة، استمرت الصحيفة في الصدور لمدة ثلاث سنوات، وأصدرت خلالها 70 عدداً، لتترك بصمة واضحة في مسار الإعلام النسوي الكردي.
وفي 19 حزيران/يونيو 1997، صدرت صحيفة "العودة إلى الحياة" كمطبوعة اجتماعية وتنويرية خاصة، ركّزت على رفع وعي المرأة والمجتمع، وسعت إلى ترسيخ شعارات تخدم استراتيجيتها وتتناول ملفات الحياة اليومية، وقد حافظت على استمراريتها حتى اليوم، حيث بلغ عدد إصداراتها 903 عدداً، ما يعكس حضورها الفاعل في المشهد الثقافي والإعلامي الكردي.
هذا التراكم الصحفي النسوي يعكس إصرار المرأة الكردية على أن تكون صوتاً واعياً ومؤثراً في قضايا مجتمعها، رغم التحديات السياسية والاجتماعية المحيطة.
ومجلة "آیندە سازي" المتخصصة بشؤون المرأة صدر عددها الأول في 27 حزيران/يونيو 1997، وكانت كوسَر سنجاوي رئيسة تحريرها، وقد صدر منها حتى نيسان/أبريل 2022 ما مجموعه 41 عدداً.
وفي 8 آذار/مارس 1998، صدرت صحيفة "الحياة الحرة" في مدينة السليمانية بإشراف میساء باقي المعروفة باسم "شيلان كوباني".
أما صحيفة "نوجين"، فقد نُشرت شهرياً في منطقة كرمیان بين عامي 2016 و2020، وبلغت 45 عدداً، وهي الآن مستمرة بالنشر عبر موقع إلكتروني.
مجلة "المرأة"، التي تحمل شعار "حرية للمرأة، سعادة للمجتمع"، تُعد مطبوعة سياسية، اجتماعية، ثقافية وأدبية، وقد صدر منها حتى الآن 74 عدداً، أما مجلة "تروسكة"، التي بدأت بالنشر عام 2004 بإشراف فیان سوران، ما زالت مستمرة حتى اليوم، وتُعد أطول مجلة نسائية عمراً في إقليم كردستان.
أما مجلة "المرأة"، فهي مطبوعة شهرية تُعد من مشاريع منظمة دعم الإعلام الدولي IMS، وتُعنى بنشر المعلومات والمقالات وتطوير وتعريف المرأة.
نساء يكتبن التاريخ... الصحافة الكردية من الهامش إلى الريادة
في مقالها المنشور في العدد 27 من مجلة هاوار بتاريخ 15 نيسان/أبريل 1941، عبّرت روشَن بدرخان عن عمق الأزمة التي يعاني منها الشعب الكردي، ووصفتها بأنها ليست مجرد جهل أو مرض يمكن علاجه بسهولة، بل مصيبة مركّبة تفوق حدود الفقر المعرفي، وتنبع من غياب التنظيم، والقيادة، والوعي الجماعي.
وأشارت إلى أن الأمم التي تمتلك حكومات ومؤسسات قادرة على معالجة أمراضها في مستشفيات خاصة، بينما يُطلق على هذه المؤسسات في مجتمعها اسم "مدرسة"، حيث يُحمّل المعلم دوراً ليس من اختصاصه، معتبرةً أن الشعب الكردي، بسبب افتقاره للتنظيم، يعيش في حالة من التشتت، ويقع تحت سيطرة الأمم المعادية، رغم أن هذه الأمم ليست أعظم منه، بل هو أعظم منها، لكنه يفتقر إلى المعرفة.
وختمت بدعوة صريحة إلى مقاومة هذا "العدو الخبيث"، مؤكدةً أن بداية النضال يجب أن تنطلق من النساء الكرديات، عبر تعليم أطفالهن القراءة والكتابة، وتحريرهم من مرض الجهل، ليكونوا نواة التغيير الحقيقي.