مجالس محلية ذكورية بصلاحيات منعدمة

ترى الجمعيات المشاركة في ملاحظة الانتخابات أنّ الغموض الذي يلف المجالس المحلية المنتخبة بات مخيفاً من حيث علاقتها بالمجالس المركزة والسلطة المحلية والجهوية، منتقدةً ضعف تمثيل النساء فيها.

تونس - قدمت مجموعة من الجمعيات الملاحظة لانتخابات المجالس المحلية في تونس ورقة سياسات حول مكانة المجالس المحلية في المشهد المؤسساتي التونسي، وذلك في إطار مشروع "الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية في تونس وتعزيز قدرات المجتمع المدني في المجال الانتخابي"، المنفذ من قبل المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية وشبكة مراقبون بالتعاون مع الجمعيات الشريكة لملاحظة الانتخابات.

تناولت الورقة مكانة المجالس المحلية في المشهد المؤسساتي في تونس مع التأكيد على الغموض الذي لازال يلفّ نظامها القانوني على مستوى اختصاصها أو الرقابة الخاضعة لها ومن ثمة علاقاتها بالدولة أو بجماعات محلية أخرى.

وقال المجتمعون/ات، إن من أهم المؤاخذات التي وجهت لدستور 27 كانون الثاني/يناير2014 هو التعقيد المفرط للتنظيم الترابي اللامركزي الذي كرسه والذي قام على بنية لا مركزية ثلاثية تنطلق من البلديات وصولاً إلى الأقاليم مروراً بالجهات مع الإقرار بوجوب تعميم هذه الأصناف الثلاث من الجماعات المحلية على كامل تونس، كما تعتبر التنظيم الترابي لدستور 2014 مهدداً لوحدة الدولة لقيامه على مفهوم السلطة المحلية ومفهوم التدبير الحر.

ولفت/ت المتدخلون/ت إلى انّ دستور 2022 عاد بمقاربة اللامركزية إلى ما كان عليه دستور 1959 وذلك ليس فقط من حيث اقتضابه، بما أنه مرّ من اثنتي عشر فصلاً خصصها لها دستور 27 كانون الثاني/يناير 2014 إلى فصل وحيد بل كذلك من حيث الأصل بما أنه خلا من القواعد التي تنظم اللامركزية في تونس.

وتطرقوا/ن إلى التعقيد المفرط لدستور 2022 من ناحية التنظيم الترابي للدولة وقد أضاف بمقتضى المرسوم 10 لسنة 2023 جماعة محلية جديدة تسمى "مجالس محلية"، دون أن يبين اختصاصها أو علاقتها بالإدارة المركزية أو الإدارة اللامحورية أو حتى علاقتها بالبلديات.

وحسب الورقة فإنه بحسب دستور 2022 يمكن الاستخلاص أن المجالس المحلية مرتهنة للسلطة المركزية في وجودها.

وقالت أستاذة القانون الدستوري، سلسبيل القليبي، في حديث مع وكالتنا، إنّ الورقة جاءت لوضع إطار لصنف جديد من الجماعات المحلية وتركزت على ثلاث نقاط تمثلت في علاقة المجالس المحلية بالسلطة المركزية ومن يمثلها خاصة في الجهات الوالي أو المعتمد حيث لا يوجد صورة واضحة لهذا التوجه وثانياً علاقتها بالإدارة المحورية وثالثاً بالبلديات.

ولفتت إلى وجود غموض يلفّ المجالس المحلية خاصة من حيث الاختصاصات والصلاحيات الموكلة إليها كمجالس منتخبة ومدى تقاطع الأهداف مع صلاحيات المجالس الأخرى المركزة كالبلديات مثلاً، متسائلةً عن الموارد المالية التي ستعتمدها المجالس المحلية لممارسة سلطتها في الجهات حيث لا توجد أي فكرة حول الموضوع ولم تفسّر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ذلك.

وأفادت أنّ الشيء الثابت الوحيد يتمثل في إرساء أعضاء للمجالس الجهوية باعتبارهم يعينون بالقرعة من بين المجالس المحلية.

وعن مدى المحافظة على المكتسبات الديمقراطية في تونس مع غياب قانون التناصف وإقصاء النساء من الانتخابات والذي أفرز مجالس محلية ذكورية، قالت الخبيرة في القانون الدستوري، إنّه "وجب التنصيص على المحافظة على مكتسبات النساء وقد اعتمد دستور 2022 فصلاً يُقر بالتزام الدولة بالحفاظ على تلك المكتسبات وضمان المناصفة في التمثيل في جميع الهياكل المنتخبة، لكن هذا الالتزام الدستوري لم يترجمه التشريع وذلك عبر التوجه إلى الاقتراع على الأفراد بعد أن كان على القائمات والجميع يعلم أن الاقتراع على الأفراد".

ووصفته بأنه "ليس صديقاً للمرأة" ولا يفتح الباب أمام المناصفة بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة بدليل أن نسبة التمثيل النسائي في المجالس المحلية اليوم لم تتعدى الـ 10 بالمئة وهي الأضعف على امتداد الـ 13عاماً الماضية "حتى في البرلمان ضعفت تمثيلية النساء وتدنت مقارنة بالبرلمانات السابقة ولم تتجاوز سقف الـ 20 بالمئة بينما كانت تجاوزت سابقا الـ 30 بالمئة".

وأشارت إلى أن النزعة الذكورية في المجالس المنتخبة وخاصة فيما يتعلق بالسلطة التشريعية للمجلس الوطني بغرفتيه يبعث إلى الانشغال حول التشريعات المرتبطة بحقوق المرأة مستقبلاً حيث لا تعتقد أن برلمان بتمثيل ذكوري واسع يمكن أن يتحمّس لسن قوانين تكفل تلك الحقوق وتطورها.

 

 

وبدورها أفادت أمال بن خوذ المديرة التنفيذية بجمعية شباب بلا حدود الشريكة في ملاحظة الانتخابات، أنّ الورقة السياسية التي تم الإعلان عنها وتتناول ثلاث محاور في علاقة المجالس المحلية المنتخبة بالمؤسسات المركزة مهمة لفهم الوضع الحالي لهذه المجالس، وتم التطرق إلى الغموض الذي لا يزال يحوم حول النظام القانوني للمجالس المحلية حيث يغيب تركيز أي نص قانوني يحدد صلاحيات أعضاء هذه المجالس فضلاً عن غياب نص يحدد الرقابة التي ستخضع لها المجالس خاصة مع وجود القاعدة القانونية التي تقول "لا رقابة بدون وجود نص".

 وخلصت إلى أن الخبراء/ت تطرقوا/ن إلى مصير مبدأ التدبير الحر ومصير مبدأ الديمقراطية التشاركية.

وقدمت الورقة توصيات وجهتها لمختلف السلطات أبرزها تحديد صلاحيات واختصاصات المجالس المحلية والسلكة اللامحورية وتحديد السلطة الترتيبية الخاصة بتلك المجالس، فضلاً عن تحديد النظام القانوني الخاص بالأملاك والمرافق العمومية الراجعة الى المجالس المحلية وتحديد النظام المالي الخاص بالمجالس، ودعت إلى إصدار قانون أساسي ينص على ضبط تنظيم المحكمة الدستورية والإجراءات المتبعة أمامها والضمانات التي يتمتع بها اعضاؤها عملاً بأحكام دستور 2022.