مهرجان "جسد" يسلط الضوء على أوضاع المخُرجات

المسرح أحد الفضاءات التي تتيح فرصة للمرأة لتعبر عن ذاتها ورؤيتها الفنية، إلا أنه كغيره من المجالات التي تتعرض فيها المرأة للإقصاء والتهميش.

رجاء خيرات

المغرب ـ أجمعت المشاركات في الدورة الثانية لمهرجان "جسد" في المغرب أن المخرجات لازلن تعانين من الإقصاء والتهميش في المشهد الثقافي عموماً والمسرحي خصوصاً، بسبب السياسات الثقافية المتخلفة في المجتمعات العربية.

أكدت المخرجات المشاركات في الندوة التي نظمت بمقر جمعية مسرح "أكواريوم" على هامش مهرجان "جسد" بمدينة الرباط المغربية والذي سيستمر ما بين 25 و 29 كانون الثاني/يناير، أن المسرح يشكل فضاء يتيح للمرأة فسحة للتعبير عن رؤيتها الفنية وتمثلاتها عن المجتمع الذي تعيش فيه، مزودة بآليات تمكنها من فرض مكانتها في المجال المسرحي، بشكل مختلف عن الرجل.

وقالت المخرجة والكاتبة المسرحية التونسية وفاء الطبوبي "لا أحبذ عبارة "المسرح النسائي" وأفضل أن يقال "النساء في المسرح"، لافتةً إلى أن محترفات العمل المسرحي في تونس كن جنباً إلى جنب مع الرجل المسرحي، حيث بنوا سوياً المسرح التونسي، والأسماء كثيرة في هذا المجال، فهؤلاء الرواد الذين أسسوا المسرح بدؤوا في وقت صعب حيث لم يكن تلك المؤسسة الثقافية مقاومة للرجعية والتخلف.

وعن مكانة النساء اللواتي يحترفن المسرح في تونس، قالت إن "المرأة التي تعمل في المسرح، سواء في كتابة النصوص أو الإخراج أو حتى النقد المسرحي استطاعت أن تفرض نفسها في تونس شأنها شأن الرجل، وأن هذا التواجد الكثيف للنساء والرجال في المسرح استطاع أن يخلق مسرحاً متنوعا بمشارب عديدة و برؤى مختلفة"، مؤكدةً أن "المسرح يمكن أن يخدم عدة قضايا اجتماعية وإنسانية وفكرية منها قضية المرأة، فالمسرح هو نضال لفعل لا يموت، كما أنه استطاع تطوير قوانين وتفعيلها، ويمكن أن يكون وسيلة للتغيير".

وعن العرض المسرحي الذي تشارك فيه تحت عنوان "آخر مرة"، قالت "إنه نص كتب بصيغتين، واحدة بالجسد كونها لغة مضبوطة ومباشرة والأخرى لغة الكلام حيث أردت أن أوصل رسالة معينة من خلال "عركة وهمية" بين رجل و امرأة، مفادها أن المرأة موجودة ولها مكانتها في الحياة والمجتمع، صحيح أن الرجال يصنعون التاريخ ظاهرياً، لكن النساء هن صانعاته وصانعات الرجال أنفسهم، فالمرأة هي الأم والزوجة والمعلمة".

 

 

من جانبها أكدت المخرجة الإيطالية سيمونا جونيل التي تشارك بعرض مسرحي عبارة عن مونولوج "نساء السلام في زمن الحرب"، أن قيامها بجولات مسرحية في العديد من دول العالم وتعرفها على عوالم فنية أخرى متنوعة وصلت إلى حقيقة أن إيطاليا منغلقة على نفسها، وأن اهتمامها بالمسرح التاريخي عموماً دفعها لإخراج هذا العرض الذي يتحدث عن مجموعة من النساء من دعاة السلام من جميع أنحاء أوروبا وأمريكا اجتمعن للبحث عن طريق يؤدي إلى السلام إثر الحرب العالمية الأولى.

وعن دور المسرح في النهوض بأوضاع النساء قالت "إنه يلعب دوراً مهماً في المجتمع فهو يربط الجسد بالإحساس والمشاعر وهو وسيلة للتعبير عن الأفكار التي من شأنها أن تغير الكثير في العقليات والمعتقدات وأساليب الحياة عموماً، كيفما كانت السياسات الثقافية للمجتمع".

 

 

من جهتها اعتبرت المخرجة والممثلة الكاميرونية مبيل يايا بيطانيك أن "النساء والرجال على حد سواء من حقهم التعبير عما يلتقطون من تفاصيل وتحولات داخل المجتمع ويعبرون عنها بالأسلوب الذي يرونه مناسباً وبشكل متساو دون تمييز"، مضيفةً أن مهرجان "جسد" فسح المجال للمخرجات للتعبير عن رؤيتهن الفنية كمخرجات دون تصنيف، وذلك زاد الرغبة لديها للمشاركة، وأنها سبق ورفضت حضور بعض الأنشطة والمهرجانات الأفريقية التي تعنى بالإبداع النسائي كونها تضع النساء في تصنيفات محددة.

وعن وضع المخرجات في إفريقيا أكدت أنها لا تستسيغ أن ينظر لها كمخرجة امرأة، بل تريد أن تفرض نفسها كمحترفة مسرح فوق أرضية واحدة تجمعها بالرجل المخرج حتى تتمكن من فرض رؤيتها ونظرتها الفنية وفق التصورات والتمثلات التي راكمتها من خلال تجربتها في المسرح والفن والثقافة.

ولفتت إلى أن المرأة المخرجة التي تمتهن الفن عموماً في إفريقيا لا زالت تعاني الكثير من المشاكل كما أنها لا تحظى بنفس الفرص المتاحة للرجل، على الرغم من أنها تحمل العديد من الأوجه فهي الأم والزوجة وغيرها، التي تعبر عنها على خشبة المسرح سواء كممثلة أو مخرجة، مؤكدة أن المخرجة في فرنسا حيث تقيم الآن تتعرض لذات المشاكل والتحديات تقريباً، حيث أن الرجل يحظى بفرص أكثر سواء من حيث التمويل أو المتابعة.

واعتبرت أن المسرح فضاء أتاح للنساء التعبير عن ذواتهن وإبراز مواهبهن، سواء كمخرجات أو ممثلات أو غيرهن من محترفات المسرح، وهو ما يمكن أن يساهم بشكل أو بأخر بتحرر النساء وإشراكهن في تغيير وتطوير المجتمع، بالرغم من خطابات الكراهية التي تتعرضن لها والتمييز سواء في التمويل أو نظرة المجتمع الذي لازال يرفض تواجد النساء في العديد من الفضاءات.

ومن جانب آخر كان لجمهور المهرجان موعد مع العرض المسرحي "رقصتي" الذي أخرجته وأدته المخرجة والكاتبة المصرية نورا أمين، حيث سلطت الضوء على الراقصة ووضعها في المجتمع، وأدت خلال العرض مونولوج كريت من خلاله أجابت على مجموعة من الأسئلة حول أن الفن الذي تؤديه مجرد غواية لا أكثر.

وشكل عرضها دعوة للنساء لكي تحررن أجسادهن من المعتقدات السائدة وتمنحنه مساحة للتعبير، لافتةً إلى أن الرقص الشرقي هو فن يمكن أن يرقى بالإنسان، حيث استحضرت العديد من الفنانات المصريات اللواتي استطعن أن يقدمن فناً راقياً من خلال الرقص مثل سامية جمال ونعيمة عاكف وتحية كاريوكا.

 

 

وتستمر أعمال الدورة الثانية لمهرجان "جسد" للمخرجات لغاية 29 كانون الثاني/يناير بالرباط، حيث سيكون لجمهور المسرح موعد مع عروض مسرحية متنوعة بفضاءات مختلفة، بالإضافة إلى لقاء سيجمع النساء السينوغرافيات وماستر كلاس لمحترفي المسرح.