مائدة مستديرة تؤكد على ضرورة دعم النساء وحمايتهن من العنف الأسري

أظهرت دراسة قامت بها مؤسسة الفرح الاجتماعية، ارتفاعاً في معدلات العنف ضد النساء خلال فترة الأزمات ولا سيما جائحة كورونا، وقد تمت مناقشة النتائج مع جمعيات نسائية ومختصين، تزامناً مع وضع خط ساخن للتبليغ ضمن حملة "التبليغ مسؤوليتنا".

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ ساهمت الأزمات المتراكمة التي يمر بها لبنان في القطاعات كافة لسنوات عديدة، بزيادة عدد الحالات العنف الاجتماعية والعائلية بين العديد من العائلات اللبنانية.

أدى افتقار الوعي حول العنف لا سيما ضد النساء والأطفال، فضلاً عن سوء تطبيق القوانين وعدم وجود العقوبات الوقائية والرادعة إلى زيادة التأثير السلبي وفقاً لدراسات وتقارير عدة، ومنها الدراسة التي أطلقتها مؤسسة الفرح الاجتماعية بعنوان "العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال الأزمات في مناطق عاليه، الشوف وطرابلس"، وسلطت فيها الضوء على ارتفاع مستويات العنف أثناء جائحة كورونا وبعدها ولأسباب مختلفة ضد النساء.

واختتمت مؤسسة الفرح الاجتماعية دراستها بتنظيم طاولة حوار مستديرة، أمس الأربعاء 27 تموز/يوليو، في العاصمة اللبنانية بيروت، لمناقشة نتائج هذه الدراسة بحضور شركاء من منظمات وجمعيات غير حكومية والجهات المانحة وبعض المستفيدين/ات من مؤسسة الفرح وخصوصاً الناجيات من العنف.

وتزامن إطلاق الدراسة مع حملات تضمنت منشورات وفيديوهات توعوية على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمؤسسة وعلى شاشات مؤسسات إعلامية، وإطلاق حملة "التبليغ مسؤوليتنا" لاتخاذ موقف رافض للعنف الأسري ولا سيما الجندري الموجه ضد المرأة، والتوعية حول أهمية التبليغ، خصوصاً بما يتعلق بنتائج هذه الدراسة وما أدت إليه جائحة كورونا من ارتفاع ملحوظ في جرائم العنف ضد النساء والفتيات، بالإضافة إلى استحداث خط ساخن للتبليغ حول حالات العنف ضد النساء هو الرقم (1745)، وتوزيع مناشير Flyers موجهة للنساء والفتيات للتوعية حول أنواع العنف وأهمية وطريقة التبليغ على الخط الساخن لقوى الأمن الداخلي.

 

ضعف المعرفة والوعي المجتمعي يزيد من نسب العنف

واستندت الدراسة على بيانات تم جمعها من خلال 9 مجموعات نقاش مركزة مع 108 امرأة من مناطق الشوف وعاليه وطرابلس من بينهن ناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى مسح ميداني استند على إجابات ومواقف 289 امرأة من المناطق المذكورة.

والهدف من الدراسة البحث حول مدى إدراك ومستوى وعي اللبنانيات بقضايا العنف الجندري، ومقارنة وتيرة وأنواع العنف قبل جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية وخلالها وبعدها وتوضيح العوائق التي تواجهها النساء والتي تمنعهن من وضع حد للعنف والتبليغ عنه.

وأظهر الاستطلاع أن ثلث النساء اللواتي تم أخذ آرائهن لا تربطن حالات عنفية قد تتعرضن لها بالعنف، كما بينت الدراسة أن حوالي 60% من المشاركات اعتبرن أن المجتمع غير واعٍ لحالات العنف الجندري، في حين أوضحت 75% من المستطلعات أن مرتكبي العنف الأساسيين هم الأخوة، الشريك، أفراد العائلة ثم الأهل.

كما أجمعت أكثر من نصف المشاركات في الدراسة أن العنف ضد النساء ازداد خلال جائحة كورونا، 70% في منطقة الشوف، 59% في عاليه، 51% في طرابلس، معتبرات أن أهم الأسباب هي التربية الأبوية، يتبعها الحجر الصحي بسبب الجائحة والوضع الاقتصادي المتردي.

وأشارت الدراسة إلى أنه بمعدل 54% من المستطلعات لم تأخذ أي خطوة لوقف حالات العنف أو فضلن عدم الإجابة، وأن الجهات الموثوق بها للتبليغ والدعم بنظرهن هي بالترتيب: العائلة والأصدقاء، المنظمات والجمعيات غير الحكومية وقوى الأمن الداخلي.

أما النتيجة الأبرز فأظهرت أنه بمعدل 62% من المشاركات يجهلن كيفية أو الجهة التي يجب تبليغها بحالات العنف واللواتي تعرفن لم تأتِ أي منهن على ذكر رقم ساخن للتواصل أو جهة رسمية مختصة بالأمر، بل اكتفين بذكر رقم التواصل مع قوى الأمن الداخلي 112، وجمعيات غير حكومية مثل "كفى" و"أبعاد".

وخلصت الدراسة إلى وجود ضعف في المعرفة والوعي المجتمعي حول العنف، وأهمية وسبل التبليغ ودعم الناجيات، وضعف الثقة بالجهات المعنية بالمحاسبة على العنف وكيفية التواصل مع الجهات المعنية، واختتمت الدراسة بتوصيات عملية لرفع مستوى وعي النساء من مختلف الفئات العمرية، وتدريبهن على كيفية التعامل مع حالات العنف.

 

"العنف يقف عقبة أمام تحقيق المساواة والتنمية والسلم"

وعلى هامش طاولة حوار مستديرة قالت مديرة مؤسسة الفرح الاجتماعية فريال المغربي لوكالتنا "جاءت هذه الدراسة بعد عملنا بقطاعات عدة ومنها قطاع الخدمات الإنسانية، وقد تبين وجود العديد من حالات العنف، وكان هذا المحفز الأساسي للبدء بالمشروع وبهدف فهم احتياجات المجتمع ودعمه بالطرق المناسبة، حيث لاحظنا ارتفاعاً في معدل العنف ضد المرأة".

وأوضحت أن "المشروع انطلق على مرحلتين، المرحلة الأولى مرحلة بحثية في ثلاثة أقضية طرابلس الشوف وعاليه من خلال مجموعات تركيز مع 108 امرأة من فئات عمرية مختلفة، البعض منهن ناجيات أو معرضات للعنف الاجتماعي، وقد قمنا خلال الاستطلاع بسؤالهن حول تعريف العنف، أنواعه، سبل التبليغ وما هي نظرة المجتمع لهذا الموضوع، وعن تعرضهن للعنف".

وأشارت إلى أنه "بعد جمع آراء هؤلاء النساء، قمنا باستطلاع رأي أكثر من 300 شخص عبر الانترنت، بطرح نفس الاسئلة، وبعد جمع النتائج الصادمة في الدراسة، تبين أن 70% من النساء لديهن نقص في التوعية حول العنف وتعريفه وأشكاله وكيفية التبليغ، ما يعني أن هذا النقص لا يطاول النساء فحسب بل كافة أفراد المجتمع، لذا تابعنا في المرحلة الثانية بعد انتهاء الدراسة بحملة توعية حول التبليغ عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والقسم الثاني بشكل مباشر عبر أكثر من 5 آلاف من المنشورات".

ولفتت إلى أنه من "خلال حلقة الحوار هذه، التي شاركت فيها الكثير من الجمعيات العاملة في هذا المجال، سيتم توزيع هذه المناشير من خلال نشاطات هذه الجمعيات المختلفة، كما وعدت الجمعيات بمتابعة حالات العنف التي يتم التبليغ عنها، كون مؤسستنا لا تقدم خدمات للنساء المعنفات، ولكن بالمقابل فأي اتصال يردنا أو حالة تصلنا، سنحولها عبر التشبيك مع الجمعيات المعنية، كما وسنستمر بتوزيع هذه المناشير باعتبارها وسيلة توعية مستدامة حول العنف الموجه ضد النوع الاجتماعي".

وأكدت فريال المغرب على أن "التصدي للعنف ضد النساء والحد منه مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع، وهو قضية مجتمعية ووطنية وليست قضية خاصة، ويمثل عقبة أمام تحقيق المساواة والتنمية والسلم، ولا يجوز التذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية للتنصل من المسؤولية المجتمعية تجاه اتخاذ موقف رافض للعنف ضد النساء، ومساندة الناجيات ورفع الصوت والوعي حوله والتبليغ على الخط الساخن لقوى الأمن الداخلي 1745".

 

 

"القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية هو الحل"

من جانبها اعتبرت المحامية منال ماجد عضو التجمع النسائي الديموقراطي أن "الدراسة وعلى الرغم من أنها من مناطق محددة، إلا أنها تعكس جزءاً من الواقع النسائي في مجتمعنا، ولا تعد هذه النسب شاملة فهناك حالات لم يتم الكشف عنها بعد، فليس هناك اعتراف من قبل النساء بالعنف الذي يتعرضن له بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وعوامل عدة، وهو ما يؤدي إلى وصول بعض الحالات إلى جرائم قتل، وهو ما نشهده بكثير من الأحيان، فمثلاً عندما تلجأ المرأة إلى قسم الشرطة، تكون بحالة ميؤوس منها، كونها لم تقدر على استدراك موضوع العنف قبل ذلك، وأن تمنع هذا الأمر طبعاً الاتصال بالخط الساخن والرقم 1745 المخصص للعنف الأسري، هو أول وسيلة تلجأ إليها النساء لحماية أنفسهن".

وحول القوانين التي تحمي النساء في البلاد، تقول "هناك قانون في لبنان يحمي النساء من العنف الأسري، ويصدر نتيجته قرارات حماية، إلا أنها تصطدم أمام المحاكم الدينية، الروحية والشرعية، خصوصاً عندما تقرر المرأة الطلاق فتصل إلى حائط مسدود وعوائق كبيرة، وقد تضطر إلى التراجع بسبب القوانين غير المنصفة في مسائل النفقة والحضانة وغيرها"، معتبرةً بأن الحل هو بـ "القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية".

 

 

اختتام الدراسة بحملة توعية للنساء ودعمهن

وأوضحت الباحثة ومستشارة المشروع ندى خداج صبح "قمنا بإنشاء مجموعات مركزة تضم نساء تتراوح أعمارهن ما بين الـ 18 وما فوق والناجيات من العنف الاجتماعي، بالتوازي مع إحصاء ومسح ميداني في هذه المناطق، وقد وصلت الدراسة إلى أن نسبة ليست بقليلة من النساء تعانين فعلاً من العنف الجندري ولكنهن لا يعرفن فعلياً الأشياء التي ينسب إليها العنف الجندري، و75% منهن تتعرضن للعنف من قبل الأب أو الزوج أو الأخ، أو رجال من العائلة، كما وأن هؤلاء النساء ليس لديهن ملجأ ليتحدثن عن العنف الذي تتعرضن له، سواء من الأقارب أو الشرطة أو الجمعيات المعنية، ولم تذكر أي منهن خطاً ساخنا للتبليغ إن تعرضت لأي شكل من أشكال العنف، وتمحور عملنا حول التعريف عن العنف، وما هي السلطات التي يمكن اللجوء إليها في حالة التعرض لأي شكل من أشكال العنف".

وأضافت "أكملت الجمعية المسؤولة أهداف الدراسة بحملة توعية تهدف لمساعدة النساء ودعمهن وكيفية التبليغ عن حالات العنف وأرقام التبليغ، وكذلك توعية النساء والمجتمع بوجود أشخاص ملتزمين بحماية النساء في حال تعرضهن لأي شكل من أشكال العنف الأسري، وكيفية اللجوء للقضاء".

 

 

"على كافة أفراد المجتمع تحمل المسؤولية"

وقالت الناشطة النسوية وعضوة جمعية "في ـ مايل" حياة مرشاد "الهدف من اجتماعنا مع مؤسسة الفرح الاجتماعية، الوصول إلى توصيات تهدف لاستمرار العمل المستقبلي للحد من العنف، علماً أن هذه الدراسة نتج عنها حملة عبر الإنترنت كان عنوانها "التبليغ مسؤوليتنا" بهدف تعريف النساء والمجتمع بالخط الساخن 1745، فضلاً عن تشجيع كافة أفراد المجتمع بضرورة تحمل مسؤوليته والإبلاغ عن العنف ضد النساء".

وفي مداخلتها خلال الحلقة الحوارية تطرقت إلى تفاصيل الحملة مستندة إلى الواقع وخلاصات الدراسة التي أجرتها الدكتورة ندى خداج، وبناءً على الأرقام الصادمة من عدد الشكاوى وحالات العنف "حيث ارتفعت نسبة التبليغ بين عامي 2019 ـ 2020 بنسبة 108%، بينما ارتفعت نسبة التبليغات عن العنف الأسري في لبنان خلال الأشهر الأولى من التعبئة العامة والحجر المنزلي إثر تفشي فيروس كورونا بسنبة 100%، ولعل الأخطر كان ارتفاع جرائم قتل النساء في لبنان بنسبة 107% عام 2020، مقارنة بالعام 2019".

 

 

وأكدت حياة مرشاد على أن "الحل هو بالتبليغ، وكون العدد الأكبر من الناس لا يعلمون عن كيفية وسبل التبليغ قررنا تسليط الضوء من خلال حملتنا على أهمية تبليغ القوى الأمنية من قبل النساء المعرضات للعنف والمجتمع والأشخاص الذين يعلمون أو يشهدون على أي حالة عنف، ومن خلال نشر الوعي عن حماية المعنفات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وضرورة توثيق واقعة العنف بتقرير طبيب شرعي خلال مدة 48 ساعة من حدوثها، في حال تعرض المرأة للعنف، فقد بينا في حملاتنا أنه يمكنها اللجوء للقضاء وبالتحديد قاضي الأمور المستعجلة لطلب أمر الحماية والذي هو أولاً معفى من الرسوم، ويمكن تقديمه دون الاستعانة بمحامي، كما ويمكن التبليغ على الخط الساخن للقوى الامنية 1754 بدون الكشف عن الهوية، في حال هناك خوف من تبعات التبليغ، كما وأن القوى الأمنية تكفل لأي شخص هذا الحق".