ما الخيارات الاستراتيجية للحركة المناهضة للسلطة في لبنان؟
ركز المحاضرون/ات في مؤتمر "13 عاماً بعد الانتفاضات العربية: الخيارات الاستراتيجية للحركة المناهضة للسلطة في لبنان"، على ضرورة تحديد الاتجاهات والأنماط السلوكية التي تنتهجها الحركات غير الطائفية في لبنان.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ ضمن نشاط مبادرة الإصلاح العربي، عقد في العاصمة اللبنانية بيروت مؤتمر يسعى ليس فقط لتوفير منتدى تحليلي لمناقشة الأنماط الموضوعية والإجرائية التي هيمنت على مشهدية الحركة في السنوات العشر الماضية، ولكن أيضاً متابعة خريطة طريق وصفية وعملية حول الخطوات والأنشطة التي يجب على الناشطين والأكاديميين من يساريين وديموقراطيين وحركات نسائية وغيرهم اتباعها بناءً على تجربة التعلم المشتركة هذه.
منذ عام 2011، شرعت الحركة المناهضة للمؤسسة وغير الطائفية في لبنان في سلسلة من التحولات، وطرحت الاحتجاجات والمظاهرات في الشوارع التي اندلعت بأحجام مختلفة في أعوام 2011 و2015 و2019، مصحوبة بالتجارب الانتخابية لعامي 2018 و2022، أسئلة مهمة ونقاش حول مواضيع المؤتمر الأربعة والتي تناولت القيادة والتعقيدات والفرص، السياسة الراديكالية العالمية وأثرها على التكيف المحلي، العمل الانتخابي والعمل القاعدي في وجه العمل الإعلامي والخطابي، وتحضيراً لتنظيمات ممثلة للفئات المختلفة من الشعب ولا سيما المهمشة منها مثل النساء والشباب، وضرورة استدامة هذه التنظيمات، وأن تؤثر على الواقع السياسي ووصول ممثليها إلى مراكز القرار.
وحول القيادة والفرص، أشار المحاورون/ات إلى أنه على الرغم من أن القيادة هي واحدة من أهم العوامل الحاسمة والرائعة التي تحدد التحول السياسي في القرن العشرين، إلا أنها تحتل موقفاً خجولاً وسلبياً في العديد من تخصصات العلوم الاجتماعية اليوم، في لبنان على وجه الخصوص، وعلى النقيض من التحليلات التاريخية التقليدية التي تسلط الضوء على التوترات داخل النخبة والطائفة، ركزت الأدبيات المعاصرة حول الحركات الاجتماعية بعد عام 2011 بشكل أكبر على أنماط الحركة الإجمالية بدلاً من عناصر "القيادة الشخصية"، وخصوصاً عندما أعلنت هذه الحركات الاجتماعية الجديدة، في حد ذاتها، أنها تمثل مفهوماً جديداً للقيادة لا يكرر التسلسل الهرمي الطائفي السلطوي الأبوي للزعماء التقليديين في البلاد.
وفي محور السياسة الانتخابية، فعلى الرغم من القيود الديمقراطية التي يفرضها النموذج الوطني اللبناني من حيث السماح بتمثيل القوى البديلة، فإن الحركة المناهضة للمؤسسة في البلاد، والتي تشغل حيزاً متزايداً وتضخم قدراتها منذ عام 2011، استغلت تناقضات النظام الانتخابي لتحديد فرصها الخاصة في هذه العملية، وقد فتح هذا أيضاً نقاشاً حول استخدامات وإساءة استخدام مثل هذه الأداة؛ وقد ناقش المتحدثون تجاربهم الخاصة لتقديم تقييم يأخذ في الاعتبار السياق، ولكنه قدم أيضاً رؤى نظرية عامة حول الانتخابات كأداة للتحرك الفعال.
وقالت أستاذة الفلسفة في الجامعة الامريكية في بيروت بانة بشور إن "وجود تنظيمات جديدة وتقدمية في البلد ضرورة مهمة للغاية، ووجود النساء أمر أساسي فيها، لأن أي تنظيم جدي وتقدمي يجب أن يكون نسوياً وحاملاً لقضايا النساء، وأن يكون هناك تمثيل على أوسع نطاق للمجتمعات المهمشة في مراكز صنع القرار، لأنها تتكلم عن مصالح متنوعة وتعكس تجارب مهمة وتقدم وجهات نظر مختلفة، فتغييب النساء يعني تغييب نصف الشعب، وبالتالي نصف وجهات النظر لا تتمثل ونصف التجارب لن يتم الاستفادة منها، فوجود النساء في مراكز وضع القرارات أساسي وإلا ستظل منقوصة".
من جانبها قالت المهندسة ديما عياش ومسؤولة الإعلام والتواصل في شبكة مدى (وهي شبكة شبابية تضم النوادي العلمانية)، إن "النظام الأبوي والذكوري والذي يتقاطع مع النظام الرأسمالي وغيره من الأنظمة، التي تقمع بالأساس الكثير من الناس في مجتمعاتنا وليس في لبنان فحسب، بل حول العالم، وهو ما يجب علينا العمل على تكسيره وتفكيكه بهدف بناء نظم بديلة وخصوصاً ما شكله من أنظمة قمع واستبداد حول العالم، ونظامنا الحالي، وقبل القيام بأي خطوة، يجب علينا مواجهة هذا النظام وبناء مؤسسات وأطر سياسية بديلة يمكنها المواجهة".
وأضافت "الوقت ليس الأهم للقيام بالتغيير المطلوب، فدوماً يجب العمل على تنظيم أنفسنا، لأنه دون تنظيم لن يكون لدينا شيء ولن نتمكن من خلق أطر بديلة، وبالعكس فهناك لحظات تاريخية مثل 17 تشرين الأول 2019 وعام 2015 وغيرها، تمكنا من المراكمة عليها، فالعمل التنظيمي السياسي هو عمل تراكمي على مدى العديد من السنوات من التسعينيات والألفين و2011 و2015 و2019 وليست وليدة اللحظة".
وقالت الناشطة أمل طربيه "كان هناك أمر مهم وهو أن الجمهور شارك وأعطى رأيه في المؤتمر، وبالنسبة لدور المرأة كان الجو منفتحاً وهناك نساء شاركن وقدمن آراءهن. المرأة قامت بالتدخل وتمكنت من إثبات حضورها، والجميل اليوم هو فتح المجال للمرأة لأن تقول إلى أي مجال تريد الدخول، وبرأيي فإن المرأة سيكون لها دور كبير مستقبلاً في لبنان، ومن أجل مستقبل أفضل".
وأضافت "ما استنتجته اليوم هو أنه يجب أن نلتقي مع بعضنا البعض، ويكون لدينا هدف واضح وهو لبنان أفضل، ووقف المحاصصة وهذا النظام البشع الذي جعلونا نعيش فيه أي هذه المنظومة، ويجب أن نتلاقى جميعاً ونكون نطاق واحد قادرين على استيعاب ودعم بعضنا البعض وتكون لدينا فترة طويلة لنتكاتف ووضع الخطة التي نريدها، ومن بعدها ننطلق في فترة التنافس بيننا لنأخذ مناصب في الحكومة لتنفيذ الخطة التي وضعناها جميعاً كمجموعة متنوعة التقينا لبناء مشروع واحد، وهناك طريقة جديدة لتحقيق ذلك وهي موضع بحث من قبلنا".
من جهتها قالت الأكاديمية في مجال الإعلام ليال الدويهي "بالنسبة إلى دور الإعلام في لبنان وللأسف، لا يقوم بدوره كاملاً وذلك بسبب سيطرة القوى السياسية ورأس المال، لكن لا شك يبقى دور الإعلام في لبنان مهم جداً، لقد تم زج الأدوات الإعلامية تحت سلطة النظام الحالي، فأصبح الإعلام في مكان من الأمكنة أو بعض الإعلاميين مرتهنين لأجندات معينة، وبالتالي دور الإعلام يجوز إعادة هيكلته و"فلترته"، والعمل عن كثب على هذه السلطة الفعالة، وكما نلاحظ في كل تاريخ الحروب أو المعارك السياسية، أو التجارب السياسية إذا صح التعبير، الإعلام هو الأقوى في المجتمعات، ويجب أن يكون دور الإعلام اللبناني فعالاً أكثر، ويحقق الأهداف بشكل سليم وموضوعي، وبشكل يرعى حماية المجتمع وليس تهميشه وزيادة الانقسام".
وقالت سوزان ماثاني وهي دكتورة في مجال اللغات من أمريكا "أحضر هذا المؤتمر لأني مهتمة للغاية بالوضع في لبنان، وأنا هنا منذ 4 أشهر، وقد قابلت العديد من الأشخاص المميزين، واستمع لقصصهم وأريد معرفة ما الذي يتسبب بمشاكلهم، وأريد أن أعرف سبب ما يعانون منه، وكان يهمني أن أستمع لآراء مختلف الأشخاص الموجودين هنا في المؤتمر في بيروت وما يختبرونه، والأفكار التي استمعت إليها اليوم لافتة للاهتمام، ومحفزة، وآمل فعلاً أن يستمع الناس لما يقوله هؤلاء الأشخاص، وأن يصبحوا جزءاً من تحركهم".
وعن دور النساء في التحرك القادم، لفت إلى أنه "أعتقد أن للنساء دوراً كبيراً، لأن أدوارهن في المجتمع هو الأكبر، فهن الأمهات والزوجات والمحفزات للأطفال وراعيات المستقبل، وإن كن جزءاً من هذا التحرك وأعطين القوة للقيام بالتأثير، وضمن المجموعات الاجتماعية، فأنا متأكدة من نجاح هذا التنظيم".