هل حان الوقت لتكون سوريا جامعة لكل السوريين؟
سوريا موطن لمجموعة واسعة من القوميات التي عاشت فيها منذ قرون، مثل الكرد، السريان، الآشوريين، الأرمن، الشركس، والدروز.

راما خلف
دمشق ـ بعد عقود من الحكم البعثي الذي فرض هوية قومية واحدة على مجتمع متنوع، تطرح مسألة تغيير التسمية من الجمهورية العربية السورية إلى الجمهورية السورية تساؤلات أعمق حول مفهوم الهوية الوطنية السورية، وإمكانية تجاوز الرؤية القومية الأحادية نحو سوريا حديثة تعترف بكل مكوناتها.
تاريخياً، لم تحمل سوريا في اسمها صفة "العربية" حتى منتصف القرن العشرين، ففي مرحلة ما قبل الاستقلال، كانت تسمى "دولة سوريا" أو "الجمهورية السورية"، كما ظهر في دستور عام 1930، لكن مع صعود التيارات القومية المتأثرة بالناصرية في مصر، وتجربة الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، تم إقرار التسمية الحالية "الجمهورية العربية السورية" بشكل رسمي في الـ 28 من أيلول/سبتمبر عام 1961 بعد الانفصال، تعبيراً عن التوجه الأيديولوجي الذي ساد آنذاك، والقائم على فكرة أن سوريا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية.
سوريا ليست عربية فقط، بل هي موطن لمجموعة واسعة من القوميات التي عاشت فيها منذ قرون، مثل الكرد، السريان، الآشوريين، الأرمن، الشركس، والدروز، وغيرهم، ويرى الداعمون لحذف مصطلح "العربية" من اسم البلد أن هذا التغيير يعكس الواقع الفعلي للمجتمع السوري، ويؤسس لبلد قائم على مفهوم المواطنة بدلاً من الانتماء القومي.
جانسيت طام، من المكون الشركسي، قالت إن النظام السابق سلب منها حقها في المواطنة العادلة، وأوضحت أن "في سوريا نتميز بتكويننا الصعب ونختلف عن العديد من بلاد العالم، فلدينا هنا تنوّع كبير في القوميات والأديان والطوائف، وأيضاً في سوريا قوميات أقدم من العرب، لذلك علينا أن نتخلى عن هذه العصبية وأن تكون سوريا للجميع"، متسائلةً "لماذا الكردي أو السرياني أو الآشوري يكون مجبراً على الانتساب لقومية أخرى؟".
ولفتت إلى أن من ينتقدون النظام السابق يتمسكون بما فرضه عليهم "أضيف مصطلح العربية على اسم الجمهورية السورية ليتوافق مع مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تأسس تأثراً بالحركة القومية العربية آنذاك، ونحن اليوم نسعى للتخلص من حزب البعث بكل تفاصيله".
وهذا ما أكدت عليه سيدرا كيوان من المكون الدرزي بأن تغيير الاسم ضرورة لعكس التعددية السورية "أرى أنه من المناسب تغيير اسم البلاد إلى الجمهورية السورية، لأن سوريا تضمّ غير العرب من أعراق أخرى، ولذلك، ينبغي ألا يحتج العرب، لأن مثلما لهم حقوق لنا أيضاً، ولا يجب أن يقال لنا أقليات بل نحن مكونات وإن قل تعدادنا".
أما بالنسبة لمعارضي التغيير فإنهم يخشون من أن يكون خطوة قد تفتح الباب أمام مطالبات أخرى قد تؤثر على وحدة سوريا، معتبرين أن "العربية" ليست فقط تعبيراً عن انتماء قومي، بل هي أيضاً اللغة الجامعة للسوريين وإزالتها قد تضعف الهوية المشتركة التي تجمعهم.
لكن الداعمين للتغيير يعتبرون هذه المخاوف غير مبررة، إذ يرون أن الانتقال إلى "الجمهورية السورية" يعني الاعتراف بأن سوريا ليست بلد عربي فقط، بل متعددة القوميات والثقافات، وينبغي أن يكون اسمها عاكساً لهذا الواقع.
ومع استمرار النقاش حول هذه المسألة، يبقى السؤال الأساسي هل يمكن لسوريا أن تحافظ على وحدتها الوطنية؟ أم أن المسألة أعمق من مجرد اسم، وتتعلق بإعادة بناء سوريا وفق رؤية جديدة تتجاوز إرث البعث وتؤسس لهوية وطنية أكثر عدالة وشمولاً؟
الجدل يعكس تحولات كبرى في المجتمع السوري بعد سنوات من الحرب، ومع استمرار النقاش، تبقى المسألة مرتبطة بقدرة السوريين على إيجاد توازن بين الماضي والمستقبل، وبين إرث عقود من الأيديولوجيا القومية ومتطلبات بناء سوريا حديثة قائمة على المواطنة الحقيقية.