على مدى عامين... تقرير مغربي يرصد ارتفاعاً في معدل تعنيف النساء
بالتزامن مع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، طالبت نساء حقوقيات مغربيات، بإقرار قوانين عادلة وواضحة من أجل رفع كل أشكال العنف والحيف والتمييز ضدهن.
حنان حارت
المغرب ـ سلط تقرير أصدرته شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع وشبكة نساء متضامنات الضوء على مظاهر العنف الممارس ضد النساء المغربيات نتيجة العقليات الذكورية التي لا تزال سائدة في المجتمع المغربي.
كشف تقرير أصدرته شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع وشبكة نساء متضامنات، أمس الخميس 23 تشرين الثاني/نوفمبر، خلال ندوة صحفية تصاعداً في وتيرة العنف الممارس على النساء المغربيات خلال العامين الماضيين ما تسبب لهن بآثار نفسية وخيمة.
وأشار التقرير إلى تعرض 9474 امرأة مغربية للعنف؛ خلال الفترة الممتدة بين 1تموز/يوليو 2021 ـ 30 حزيران/يونيو 2023، مبرزاً أن هذا العدد يمثل النساء اللواتي استقبلتهن مراكز الاستماع التابعة لشبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع وشبكة نساء متضامنات.
ووفق المصدر ذاته فإن العنف النفسي، يتصدر مجمل حالات العنف المصرح بها بنسبة 46.2% وهو ما يعادل 20353 حالة عنف، ثم يأتي بعده العنف الاقتصادي الاجتماعي 10940 حالة بنسبة 24.89% ثم العنف الجسدي 6572 حالة بنسبة 15.1% والعنف الجنسي 3518 حالة بنسبة 8.4% والعنف القانوني 2324 حالة بنسبة 5.5%.
وفيما يتعلق بمرتكبي العنف، أكد التقرير أن 5763 حالة يكون المعنف فيها هو زوج الضحية، و1129 حالة يكون من قبل طليقها، و458 حالة يكون من أقارب زوجها.
وبخصوص الفئات العمرية لمرتكبي العنف، فقد سجل التقرير أن الفئة العمرية من 29 ـ 38 عام هي الأكثر ارتكاباً للعنف بنسبة 38%، تليها الفئة العمرية من 39 ـ 48 سنة تكون بنسبة 23%.
وذكر التقرير أن العنف القائم على أساس النوع في الأوساط التي لم تتلق تعليماً ينخفض كلما ارتفع المستوى التعليمي، مشيراً إلى أن النشاط الاقتصادي لا يؤثر بشكل مباشر في سلوك مرتكبي العنف، لكون العنف القائم على أساس النوع يرتكبه أشخاص ينتمون لقطاعات مهنية مختلفة.
كما سلط التقرير الضوء على مظاهر العنف القانوني، كمسألة تزويج القاصرات، موضحاً أن الاستثناء تحول إلى قاعدة، أما بخصوص تعدد الزوجات أكد التقرير أن المدونة عملت على تضييق حالات التعدد من خلال تقييده بشروط تجعله شبه مستحيل، مقابل وجود مبرر استثنائي موضوعي لطلب التعدد.
وتطرق التقرير إلى مظاهر العنف القانوني الأخرى التي تبرز من خلال استمرار مفهوم الطاعة رغم إلغائها في القانون، حيث استحضر قرارين لمحكمة النقض يشير أحدهما إلى أن الزوج هو من يختار بيت الزوجية ويدعو زوجته إليه رضاء أو قضاء إلا أن يكون القصد به إلحاق الضرر بها.
أما فيما يتعلق بالإشكاليات المتعلقة بحضانة الأطفال، فقد سجل التقرير أن مدونة الأسرة المغربية لا تزال تقيم تمييزاً بين الوالدين في موضوع الحضانة، بإسقاطها عن الأم إذا تزوجت وكان طفلها يتجاوز 7 سنوات في حين لا يؤدي زواج الأب لسقوط حضانته، مشيراً إلى وجود تناقض بخصوص مبدأ الرعاية المشتركة للزوجين، بين مواد في المدونة تقرها وأخرى يتبوأ فيها الأب المرتبة الأولى في الولاية على الأبناء، وتعتبر ولاية الأم مقيدة بشروط منها عدم وجود الأب أو فقدانه لأهليته.
وبخصوص مقتضيات النسب والبنوة في المدونة، بين التقرير أنها تحمل تمييزاً بين الوالدين في تحمل مسؤوليتهما تجاه الأبناء وبين الأطفال سواء كانوا متزوجين أم لا، لافتاً إلى أن الأم الراغبة في إجراء الخبرة الطبية لإثبات نسب ابنها تطالب بضرورة إثبات العلاقة الزوجية، في حين يتم التعامل بمرونة أكبر مع الأب الراغب في الإقرار ببنوة ابنه.
وعلى هامش الندوة قالت رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب سميرة موحيا حول المعطيات التي جاءت في التقرير الذي صدر خلال ندوة نظمت تحت شعار "لنتحد... فرصة من أجل القضاء على العنف والتمييز القانوني والتمييز ضد النساء أو الأطفال"، أن الإعلان عن الإحصائيات التي يتضمنها التقرير هو تتويج للمسار النضالي الذي تخوضه الفيدرالية، من أجل مناهضة العنف ضد النساء وإيصال صوت النساء المغربيات ومعاناتهن مع العنف القانوني الذي تعانين منه في حياتهن اليومية وبعلاقته بقانون 13 ـ 103 ومدونة الأسرة والقانون الجنائي مؤكدة أن "هذه التشريعات القانونية تكرس الحيف والتمييز والعنف القانوني، فعندما يكون القانون غامض وغير واضح وغير كافي فإنه يتضمن العديد من الحيف والتمييز".
وأشارت إلى أن "تزويج القاصرات وتوسيع حالات الاستثناء من طرف القضاة والولاية القانونية التي تعتبر أن النساء ناقصات المواطنة ولا تستطعن مباشرة الشؤون الإدارية والقضائية والمالية لأطفالهن، والمشاكل التي تعاني منها النساء في مسألة البنوة والنسب، وعبء الإثبات الذي يحول دون ولوج النساء للعدالة ولا تنصفهن الأحكام القضائية التي تحكم فيها بمبالغ مالية هزيلة فيما يتعلق بالنفقة وسكن المحضون، كل ذلك يشكل مظاهر تمييز وعنف يمارس ضد المغربيات، وبالتالي يعيق ويعرقل تمكين النساء والفتيات".
ولفتت إلى أن أهمية التقرير تتجلى في أنه يوثق صرخة النساء المغربيات ومعاناتهن سواء من القوانين أو المحاكم أو المجتمع أو العقليات الذكورية التي لا تزال سائدة في المجتمع المغربي "تضمن التقرير معطيات وإحصائيات وتحليلات، وقصص إنسانية للنساء اللواتي تعانين من العنف، كما جاء فيه قراءة في اجتهادات قضائية لها علاقة بتطبيق مدونة الأسرة من طرف القضاة، كما تم فيه تقديم مقترحات في كيفية القضاء على العنف كيفما كان شكله، والتأكيد على التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة، التي نطمح أن تكون مبنية على المساواة والعدل وعدم التمييز بين الجنسين أو المعتقدات أو اللغة".
وقالت رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع نجية تزروت إن تقديم التقرير يتزامن مع تنظيم الحملة الأممية 16 يوماً للقضاء على العنف، مشيرةً إلى أن هذ العام تم اختيار عنوان التقرير "المراجعة الشاملة والعميقة لمدونة الأسرة... مدخل لمناهضة عنف ضد النساء"؛ للتقاطع الكبير بين مدونة الأسرة والعمل على موضوع العنف ضد النساء، لأنه من خلال العمل يتبين أن جميع المشاكل التي تتخبط فيها النساء هي حقوق مهضومة وبسبب التمييز الذي تكرسه مدونة الأسرة.
وأوردت الفاعلة الحقوقية أن العنف النفسي يتصدر حالات العنف المسجلة، مشيرةً إلى أنه من خلال العمل مع النساء ميدانياً عند استقبالهن في مراكز الاستماع لشبكة الرابطة إنجاد ومراكز شبكة النساء متضامنات، حيث تقدم لهن خدمة الاستماع والمواكبة النفسية والإرشاد القانوني، تم الوقوف على إشكالات تعيشها النساء وهي مرتبطة بالأساس بمدونة الأسرة، التي بصدد مراجعتها الآن.
وقالت إن التقرير تضمن كذلك توصيات للجهات المعنية والمسؤولين من أجل تطبيق قانون 13 ـ 103 لمحاربة العنف ضد النساء، وكذلك من أجل مجتمع ديمقراطي وعادل، وحياة كريمة خالية من كل أشكال العنف والتمييز".
فيما أوضحت الناشطة الحقوقية سعاد بنمسعود أن التقرير رصد أكثر من 9000 حالة، وبناء على الأرقام المتواصل بها تم تسجيل ارتفاع في معدل العنف، مقارنة مع آخر إحصائيات قدمتها الشبكتين في آخر تقرير لهما.
وحول أسباب ارتفاع العنف أشارت إلى أن "هناك عدة اعتبارات تجعل من ظاهرة العنف متفشية في المجتمع المغربي، منها الشق المتعلق بالجانب القانوني سواء في التطبيق أو قصوره على مستوى بعض المقتضيات، وأيضاً الشق المرتبط بما هو ثقافي وتغيير العقليات وتطبيع المجتمع المغربي مع العنف وتقبله".
وأوضحت المساعدة الاجتماعية حكيمة وقاس أنه تم رصد أكثر من 43 ألف حالة مورس عليهن العنف بأشكاله المختلفة، النفسي والجسدي، الجنسي والاقتصادي والقانوني، لافتةً إلى أنه على الرغم التشريعات فإن ظاهرة العنف ضد النساء ما زالت مستمرة بشكل كبير في المجتمع المغربي.
وحول مطالب النسويات من أجل محاربة العنف ضد النساء، أكدت "نطالب بقانون واضح يراعي مبدأ المساواة بين الجنسين، والمصلحة الفضلى للطفل ومناهضة كل أشكال العنف ضد النساء المغربيات، لأن العنف يقصيهن من التنمية المجتمعية ويمنعهن من التطور".