للحفاظ على الموروث الثقافي... إطلاق مشروع لتمكين الصانعات التقليديات
تسعى مجموعة من النساء من خلال تمكين الصانعات التقليديات، في الحفاظ على الموروث الثقافي والحرف التقليدية المغربية التي في طريقها إلى الاندثار.
رجاء خيرات
المغرب ـ نظمت مؤسسة "تيمنضوت" لنساء النسيج بإقليم الحوز، أمس الاثنين 22 أيار/مايو، لقاءً تواصلياً في مدينة مراكش لإطلاق مشروع إنشاء مركزين لاحتضان الصانعات التقليديات.
سيمكن المشروع الذي ستطلقه مؤسسة "تيمنضوت" لنساء النسيج، ما يقارب 99 صانعة تقليدية تنحدرن من الجماعات القروية المتاخمة لمراكش من الحفاظ على صناعة "السفيفة" و"العقاد" و"الطاقية" التي تدخل في صناعة القفطان المغربي الأصيل وبعض الإكسسوارات والديكور، من خلال توفير فضاءات تمكنهن من ممارسة هذه الحرف التي بدأت تندثر.
وعن هذا المشروع تقول المهندسة والمشاركة في المشروع زينب البدوري "قضينا أسبوعاً تقريباً برفقة صانعات "السفيفة"، مما مكننا من التقرب منهن والتعرف على مجال عملهن، كما أن ذلك أتاح لنا أن نعرف قصص النساء الحرفيات القرويات، التي ساعدتنا كثيراً في تحديد الحاجيات والمتطلبات التي وضعناها في اعتبارنا أثناء إنجاز المشروع".
وأشارت إلى أن هذه التجربة تبقى استثنائية لأنها جمعت ثلة من الطلبة والمهندسين المعماريين وكذلك الصانعات التقليديات من أجل بلورة تصور لتصميم مركز يستجيب لمتطلبات صانعات "السفيفة" واحتياجاتهن.
وعن شكل التصميم المعماري للمركز أوضحت أنه مستوحى من فكرة النسيج وشكل "المنسج" وصناعة "السفيفة" نفسها، بحيث يتيح للزائر من بعيد أن يتعرف بسهولة على طبيعة المركز.
ودعت إلى إعادة إحياء التراث المعماري التقليدي كذلك كما هو الشأن بالنسبة للحرف التقليدية، خاصة في منطقة كمراكش حيث المناخ حار وجاف، مما يتطلب اعتماد التراب في البناء لكونه يكون بارداً خلال الصيف ودافئاً في الشتاء، كما أن هذا البناء لا يتطلب مواد باهظة التكلفة.
من جهتها أوضحت المهندسة والمصممة الفنية وفاء كيران أن دورها يتمركز حول مواكبة الصانعات التقليديات القرويات، من خلال تلقينهن الوسائل الضرورية التي تخول لهن العمل من داخل بيوتهن.
وأشارت إلى أن الحرفيات اللواتي تعملن في صناعة "السفيفة" لديهن مؤهلات كبيرة في مجال الصنعة، لكنهن تفتقرن لآليات تطوير المنتوج وجعله يتماشى ومتطلبات العصر والسوق الخارجي، مضيفة أن الحرفيات استفدن كذلك من تكوينات في مجال إنشاء التعاونيات التي تتيح لهن فرصة تكثيف المجهود والاستفادة بشكل أفضل من تسويق المنتوج.
بدورها ذكرت رئيسة فرع جمعية "تيمنضوت" حسناء أدناس أن نساء إقليم الحوز محظوظات بهذه الفرصة التي أتاحت لهن تعلم صناعة "السفيفة" التي كانت مجهولة تماماً بالنسبة للمنطقة.
وأكدت على أهمية الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الذي تركه اليهود المغاربة والذي أصبح متجذراً في تصميمات القفطان المغربي، إلا أنه للأسف في طريقه إلى الاندثار، مشيرةً إلى أن الصانعات اليوم مطالبات بإدخال "السفيفة" في العديد من الأدوات مثل الديكور والحلي والإطارات وعدم الاكتفاء باستعمالها في القفطان لوحده.
وأضافت أن توسيع مجال استعمالها من شأنه أن يمنح لهذه الصناعة انتشاراً واسعاً وترويجاً أكبر في الأسواق الخارجية، مما يمكن من الحفاظ عليه، وهو الأمر الذي لن يتسنى للحرفيات في غياب تطوير المنتوج وجعله أكثر انفتاحاً على الأسواق الخارجية.
وعن تعلمها لهذه الصنعة وأهميتها تقول الصانعة التقليدية بديعة المعلاوي والتي تنحدر من منطقة "أوريكا" السياحية، أن هذا المشروع أتاح لها ولغيرها من الصانعات التقليديات تعلم هذه "الصنعة" التي لم تكن معروفة بمنطقتها الجبلية، كما أنها فتحت لها آفاقاً أوسع لتوسيع مجال عملها.
وأوضحت أن المشروع مكن النساء القرويات بالمنطقة من الخروج من عزلتهن حيث كن تقطن قرى معزولة، وعن الصعوبات التي واجهت الحرفيات في البداية، لفتت إلى أنه لم يكن مسموح لهن بمغادرة منطقتهن، قبل التحاقهن بالتعاونية.
وأوضحت رئيسة تعاونية "الغرزة" وكاتبة اتحاد مبدعات الصناعة التقليدية بمراكش عتيقة المبارك أن "السفيفة" هي صنعة توارثتها النساء على مر العصور، وتستخدمنها في صناعة القفطان، كما أنها توظف في صناعة الحزام و"الشمار" الذي يستخدم في رفع الأكمام الطويلة.
ولفتت إلى أن الفضل في ابتكار هذه الصنعة يعود لليهود المغاربة الذين أدخلوا هذا التقليد الذي كان يستعمل في صناعة القفطان، قبل أن يلتقطه مصممون أجانب ويطورونه، بحيث أصبح يشمل العديد من الاستعمالات كالاكسسوارات والديكور والحلي والأثاث المنزلي.
وأشارت إلى أن الصانعات التقليديات تعلمن أصول هذه الصنعة بمركز التكوين والتأهيل بمراكش، الذي تم إنشاؤه وشرع في استقبال النساء والفتيات الراغبات في تعلم الحرف والمنسوجات اليدوية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بهدف الحفاظ على بعض أنواع الصناعات التقليدية التي بدأت تندثر، كـ "السفيفة" و"الطاقية" و"المجدول" و"المحكة" وغيرها.
وتعتمد صناعة "السفيفة" على غزل خيوط الحرير وإدخال بعض الرسوم الملونة لتكوين أشكال هندسية متنوعة من الأحزمة والشرائط المزركشة والتي يتم تثبيتها بجوانب القفطان، حتى تعطيه تلك اللمسة الجمالية.