لبنان... إطلاق وثيقة لضمان الحماية للنساء والفتيات الناجيات من العنف

بهدف حماية الفئات المهمشة عبر توفير الحماية والخدمات والعمل ضمن استراتيجية واضحة ترسم خطى إعادة بناء الحكومة ومؤسساتها أطلقت وثيقة "معايير دور الحماية الآمنة المؤقتة الخاصة بحماية النساء والفتيات الناجيات من العنف" في العاصمة بيروت.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ تحت رعاية وزارة الشؤون الاجتماعية والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ممثلة برئيسة الهيئة كلودين عون تم إطلاق وثيقة "معايير دور الحماية الآمنة المؤقتة الخاصة بحماية النساء والفتيات الناجيات من العنف"، أمس الثلاثاء 23 تموز/يوليو.

خلال حفل أطلاق وثيقة "معايير دور الحماية الآمنة المؤقتة الخاصة بحماية النساء والفتيات الناجيات من العنف" ألقت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون قالت فيها "خلافاً لبقية الجرائم، تستدعي معالجة جرائم العنف ضد النساء التي يتم ارتكابها في نطاق الأسرة أو في نطاق الإتجار بالبشر، بالإضافة إلى معاقبة المرتكب، الاهتمام بتوفير الأمان والحماية للضحية، فالعقاب هناك لا يكفي لتحقيق العدالة، وتكون الضحية في هذه الحالات، معرضة لأزمات يصعب تخطيها من دون دعم ومساعدة المجتمع، وأول ما نحتاج إليه هو توفير شروط الأمان والسلامة، لذا تندرج تلبية هذه الحاجة ضمن الأهداف الأولى لأية سياسة يتم اعتمادها لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات".

وأشارت إلى أن "إقامة المراكز الخاصة بإيواء نساء ضحايا العنف الأسري أو الإتجار بالبشر، سبقت إدراك المشرع لضرورة إقرار قانون يجرم ارتكاب العنف ضد النساء في النطاق الأسري، وقد قامت هذه المراكز بفضل إدراك منظمات المجتمع المدني المعنية بتقديم الخدمات الإنسانية".

وأوضحت أنه "في خضم اللقاءات التي عقدت لوضع خطة العمل الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1325 حول المرأة والسلام والأمن، برزت ضرورة إيجاد نظام متكامل لحماية الناجيات من العنف ومساعدتهن، يكون ذات طابع مؤسساتي، ومن ضمن التدخلات التي نصت عليها الخطة لتحقيق هذه النتيجة، كان إجراء تقييم لمراكز الإيواء القائمة".

ولفتت إلى أن "هذا التقييم موضوع الدراسة التي أعدتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بالشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية وصندوق الأمم المتحدة للسكان في العام 2021 تحت عنوان "المعايير الدنيا لإنشاء وإدارة مراكز إيواء خاصة بالناجيات من العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي"، وارتكزت الوثيقة التي نطلقها اليوم على مخرجات هذه الدراسة، لقد تناولت وثيقة "معايير دور الحماية الآمنة المؤقتة الخاصة بحماية النساء والفتيات الناجيات من العنف" إرشادات توجيهية توزعت على ثماني مجالات هي: الحوكمة، والموارد البشرية، والمعايير الهندسية والبنيوية، وإدارة السلامة والأمن والصحة، والفئات المستهدفة والإجراءات المتعلقة بها، وإدارة البرامج والخدمات، وإدارة المعلومات، وإدارة الشراكات والعلاقة مع البيئة المحلية".

وأضافت "من هذه الإرشادات ما هو أساسي يتضمن المعايير الإلزامية، ومنها ما هو متقدم يضم عناصر إضافية لتعزير الجودة والسلامة، فالهدف الأساسي لهذه الوثيقة كما ورد في تحديدها لرسالتها، هو توفير خدمات ذات جودة ونوعية متمحورة حول الناجية تضمن شروط السلامة والأمان في بيئة داعمة تعزز التعافي والتأهيل وإعادة الإدماج".

وأكدت أن الهدف يندرج أيضاً ضمن الأهداف المرجوة لخطة العمل الأولى للاستراتيجية الوطنية للمرأة في لبنان 2022-2030، وهو في الواقع الهدف الذي سعت إليه الإدارات والمؤسسات المشرفة على دور الحماية الآمنة الخاصة بحماية النساء والفتيات من العنف.

وشددت على أن "التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي نعيشها، وأزمة النزوح، والتدهور الحاد للظروف المعيشية للمواطنات والمواطنين، وتهالك البنى التحتية وصعوبة عمل المؤسسات، وصولاً إلى الحرب في جنوب لبنان، تزيدنا إصراراً على القيام بواجباتنا، فخلال الأزمات تصبح الفئات المهمشة في أي مجتمع أكثر عرضة للتمييز وللعنف، فتزداد الحاجة إلى توفير الحماية والخدمات لتلك الفئات، والعمل ضمن استراتيجية واضحة ترسم خطى إعادة بناء الحكومة ومؤسساتها، من هذا المنطلق، اندرج إعداد وثيقة "معايير دور الحماية الآمنة المؤقتة الخاصة بحماية النساء والفتيات الناجيات من العنف" ضمن أولوياتنا الوطنية، على أن يستكمل العمل من خلال التعاون مع دور الحماية لتطبيق هذه المعايير".

 

 

من جهتها ألقت مديرة منظمة "أبعاد" غيدا عناني كلمة جاء فيها "النساء تتصدين للأزمة المعيشية من خلال التأقلم مع واقعها ودورها، وباتت أجسادهن ساحات معارك تصفى بها الحسابات"، مشيرة إلى أن مراكز الإيواء هي تلك الأماكن الآمنة التي تلتقط فيها النساء أنفاسهن لمتابعة القتال للوصول إلى ضفة الأمان مع أولادهن، واليوم نطلق هذه الوثيقة ومعها صرخة من النساء الحاملات لهموم الأسرة والأبناء والمجتمعات المحلية وأحمال أدوار عديدة فرضتها عليهن الأزمة.

وقالت "نتطلع أن تكون هذه الوثيقة خارطة طريق لفتح النقاش الجدي تتضمن أحوال وحاجات وتطلعات مراكز الإيواء الآمنة في لبنان، وتعزيز التضامن النسوي والإنساني للوقوف إلى جانب حاملي هذه الرسالة وأصحاب الحقوق".

 

 

بدورها قالت المديرة بالإنابة لمكتب صندوق الأمم المتحدة باميلا دي كاميلو في كلمتها "هذه المعايير دليل على تفانينا المشترك في حماية حقوق وسلامة وكرامة النساء والفتيات في لبنان، وهي توفر خارطة طريق للعمل الفعال للملاجئ، وضمان حصول الناجيات على الدعم الشامل الذي تحتجن إليه، وتشمل هذه الإجراءات كل جانب من جوانب الرعاية، من الاستقبال الأولي إلى إعادة التأهيل، من الحماية القانونية إلى الدعم النفسي والاجتماعي، وقوة الشراكات والجهود التعاونية في أوقات الأزمات".

وأشارت إلى أنه "غالباً ما يجرد العنف ضد النساء والفتيات من الثقة والكرامة واحترام الذات والحق في اتخاذ قراراتهن المخولة، لذلك لابد من تبني نهج يركز على الناجيات بوضعهن في ملاجئ آمنة وأماكن الإقامة البديلة في قلب عملية صنع القرار، مما يجعلهن يشعرن بالتمكين والاحترام والمعاملة بكرامة".

 

 

وألقت بعدها ممثلة وزيرة الخارجية الهولندية سيلفيا ديبن كلمة أوضحت فيها على "أن إطلاق وثيقة يعد خطوة حاسمة في خلق بيئة آمنة وكريمة، وبالتالي تمكين النساء، وفي خضم التحديات المستمرة، نؤكد من جديد التزامنا بحماية حقوق المرأة في لبنان، فإن توفر هذه المبادئ التوجيهية تعتبر ملجأً فورياً تضع الأساس لمستقبل خالٍ من العنف ومليء بالكرامة".

 

 

ثم قدمت الخبيرة في مجال العنف ضد الأطفال والعنف المبني على النوع الاجتماعي أمل فرحات باسيل والتي ساهمت في إعداد هذا التقرير، عرضاً حول معايير دور الحماية الآمنة المؤقتة الخاصة بحماية النساء والفتيات الناجيات من العنف، أهميتها ومنهجية إعدادها، إضافة إلى إرشادات الوثيقة التوجيهية التي توزعت على ثماني مجالات.

 

 

وقالت كلودين عون لوكالتنا "في ظل الأوضاع الصعبة التي نعيشها في لبنان، فإن مراكز دور الحماية للناجيات من العنف الأسري والإتجار بالبشر تواجه تحديات مالية كبيرة تزامنا مع إقفال عدد منها، وقد بدأنا دراسة خاصة بهذه الدور قبل الأزمة الاقتصادية، وكنا نبحث ونهدف لجودة الخدمات لتستطيع الناجية من العنف أن تجد بيئة حاضنة ولنستطيع تمكينها وإدماجها في المجتمع، واليوم أطلقنا وثيقة هذه المعايير الخاصة بدور الحماية، ونأمل تأمين تمويل لدعم دور الحماية هذه".

من جهتها، أوضحت غيدا عناني أن "كل واحدة من هذه المراكز قادرة على استيعاب حوالي 25 امرأة في الوقت نفسه مع أطفالهن، ونعمل على قاعدة لا تمييز سواء على مستوى الجنسية أو أي خلفية بشرط التعرض للعنف، وسلة الخدمات المتوفرة بهذا الدور تشمل الاستماع والإرشاد ومرافقة ولكن أيضاً تقييم ودعم نفسي واستشارات قانونية، وطب شرعي عند الحاجة، وتمكينها بمهارات تضاعف من فرصها الاقتصادية وليس لدرجة تأمين وظائف".

وأضافت "تدير منظمة أبعاد ثلاثة مراكز إيواء آمنة لوضعيات الطوارئ للنساء، وهو جزء لا يتجزأ من الرسالة وتحديداً كمركز موارد بالوقوف إلى جانب النساء والفتيات، وموضوع الخدمة المتخصصة المنقذة للحياة، ونطمح اليوم بالدرجة الأولى في هذه الأزمة، أن يكون هناك إبقاء لهذه الخدمة وأن تكون متوفرة لنكمل هذه الرسالة، كون الوضع الاقتصادي سيء للغاية ويحد من هذه الخدمة الإنسانية واستدامتها، كما نطمح أن تؤمن في هذه المراكز الحد الأدنى من الجودة والكرامة الإنسانية، حتى تمر هذه الأزمة، ونطمح أن تنتفي الحاجة لمثل هذه المراكز، إنما للأسف فإن هذه المساحات الآمنة أساسية لتستطيع النساء الخروج من محيط معين وأن تفكر بخيارات لحياتها وأن تكسر دائرة العنف وتعود للانخراط في مجتمعها بفعالية".

سيلفيا ديبن قالت "أنا فخورة اليوم بتمثيل بلدي هولندا في هذا الحدث المهم، فحقوق النساء هي حقوق الإنسان، وفي جوهره الحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ونشهد مزيداً من حالات العنف بسبب الوضع الحالي والأزمات في لبنان، ونحن ملتزمون بمساعدة النساء والفتيات للوصول إلى أقصى إمكاناتهن في مجتمعاتهن".

وأكدت باميلا دي باليرمو أن "صندوق الأمم المتحدة للسكان دعم تطوير هذه المعايير لدور الحماية للنساء والفتيات في لبنان، ويأمل الصندوق بتطبيق هذه المعايير على الناجيات من العنف في لبنان".

وأوضحت أمل فرحات باسيل أنها "تعاونت مع فريق عمل وزارة الشؤون الاجتماعية والهيئة الوطنية وبالشراكة مع منظمة أبعاد، وعبر لقاءات متعددة وبناء على عدة ورش عمل وتحليل واقع الحالة في لبنان وضمن المعايير الدولية، لتطوير هذه الوثيقة مع اعتماد عناصر مهمة وأساسية منها الحوكمة والبرامج وغيرها التي يجب توفرها في دور الحماية هذه، لضمان الجودة والخدمات المتخصصة التي تقدم للنساء والفتيات".

ولفتت إلى أن "هناك مراكز في ثلاث مدن في لبنان وهناك حوالي 10 دور حماية آمنة، إلا أن هناك صعوبات كثيرة في الوضع الاقتصادي للجمعيات التي تشرف عليها، وللأسف فهناك حالات لنساء وفتيات تلجأن لدور الحماية هذه وهن مهددات بالخطر والقتل، ولكن لا توجد أماكن لاستقبالهن نتيجة الوضع الاقتصادي الذي نعيشه حالياً، ومن المؤكد وجود نقص في فريق العمل المتعدد الاختصاصات، ولا سيما وأن العنف يترك آثاراً على عدة أصعدة، نفسية واجتماعية وقانونية، فيجب أن يكون فريق العمل متعدد الاختصاصات ليتمكن من تأمين الخدمة المطلوبة وبجودة بهدف إعادة إدماج النساء في مجتمعاتهن، وهنا نطلق صرخة للمجتمع الدولي، بالنظر للوضع المالي والاقتصادي ومتابعة الدعم المالي لدور الحماية هذه لتستمر، سواء للنساء أو للأطفال والفتيات".