كوباني جسر يربط بين شرق كردستان وروج آفا

كان لمقاومة كوباني، من خلال إقامة علاقات عميقة بين شرق كردستان وروج آفا، تأثير هائل ليس فقط على التطورات في روج آفا ولكن أيضاً على الحركات الاجتماعية في شرق كردستان.

مهتاب شريفي

أورمية ـ في العقود الماضية، أصبحت مقاومة كوباني واحدة من أكثر الأحداث المصيرية في تاريخ الكرد والمجتمع الدولي، وكانت المعركة بمثابة استجابة جماعية لواحد من أكثر التهديدات وحشية في عصرها، وهو صعود داعش، الذي أرهب المنطقة بدعم من الحكومات الرجعية بما في ذلك تركيا وقطر.

ارتكب داعش مجازر بحق الناس، خاصة في مدينة كوباني، التي كانت أول مدينة يتم تحريرها من إقليم شمال وشرق سوريا، بعد انضمامها للمشروع الديمقراطي عام 2012، وبعد عدة سنوات من الاشتباكات المتفرقة مع الجماعات المتطرفة المدعومة من الدولة التركية، تعرضت هذه المنطقة لهجوم عنيف من قبل داعش في عام 2015.

 

تأثير حرب كوباني على الناشطات السجينات

ومن بين النساء الرائدات اللاتي انضممن إلى قلب المقاومة في كوباني من شرق كردستان، يمكن ذكر وريشة مرادي وبخشان عزيزي، ففي الوقت الذي كانت فيه تركيا تدعم داعش لوجستياً علناً، وكان العالم يراقب بفارغ الصبر السقوط الوشيك لكوباني، دافعت هؤلاء النساء عن هذه المدينة جنباً إلى جنب مع مقاتلي وحدات حماية الشعب/المرأة.

وأصيب وريشة مرادي خلال هذه المعركة، وبعد هزيمة داعش في كوباني، وضعت الدولة التركية اسمها على قائمة الإرهاب، لكن هذه لم تكن نهاية القصة، فالنظام الإيراني اتبع نفس السياسات التي اتبعها داعش والدولة التركية، واعتقلها واتهمها بالخيانة، وأمضت عاماً في السجن.

كذلك تواجه بخشان عزيزي بصفتها ناشطة اجتماعية أثناء مقاومة روج آفا وكوباني، لدعم ضحايا الحرب، حكم الإعدام الصادر عن محاكم السلطات الإيرانية، وقد وصفت وريشة مرادي الوضع في إحدى رسائلها من سجن إيفين عندما قالت "داعش يقطع رؤوسنا والجمهورية الإسلامية تعلق رؤوسنا".

 

حرب البقاء... تواجد المرأة والشباب الكردي في ساحة المقاومة

في هذه المعركة التاريخية، وصلت النساء والشباب الكرد من جميع أنحاء كردستان، بدافع وطني وشجاع، إلى كوباني ودخلوا في حرب هددت بقاءهم، وانتهت هذه المقاومة التي استمرت أربعة أشهر، بقيادة المقاتلين والشعب المؤيد للتحرير بالنصر، وهو انتصار لم يساعد في ترسيخ ثورة روج آفا فحسب، بل قدم أيضاً مخططاً للتوحيد بين مختلف أجزاء كردستان، وخاصة العلاقة بين روج آفا وشرق كردستان.

 

تواصل عميق بين روج آفا وشرق كردستان

بعد النصر التاريخي في كوباني، ترددت أصداء أفراح الشوارع شرق كردستان، وشعارات التضامن بين الشعبين عام 2015، وقبل هذا الحدث، وبسبب الحدود الجغرافية، لم يكن هناك مثل هذا الارتباط العميق، لكن مقاومة كوباني، والتي كانت كرد فعل على اعتقال القائد عبد الله أوجلان أخرجت الشعب الكردي مرة أخرى إلى الشوارع، وهذه المرة، دعماً لمقاومة كوباني، وتوجه عدد كبير إلى جبال قنديل وروج آفا، للانضمام إلى المعركة، كما نظم طلاب الجامعات تظاهرات دعماً لكوباني وضد داعش، وخرجت مظاهرات واسعة النطاق في مختلف مدن شرق كردستان دعماً لروج آفا.

 

دعم واسع من الطلاب والناشطين المدنيين

كما دعمت النساء والطلاب والناشطون المدنيون والسياسيون في شرق كردستان مقاومة كوباني على نطاق واسع، وأظهر تواجد هؤلاء الأشخاص في مختلف الساحات الاجتماعية وإقامة الاحتفالات والتجمعات تضامن المجتمع الكردستاني العميق مع كوباني.

 

من كوباني إلى شرق كردستان: Jin Jiyan Azadî

في مقاومة كوباني توضحت فلسفة Jin Jiyan Azadî وكان ذلك بالضبط ضد "تكبير" داعش، كما ذكرت وريشة مرادي برسالتها أنه "كان تفاخرهم يذكرنا برؤوس النساء والأطفال المقطوعة، وكان هتافنا يذكرنا بشعارJin Jiyan Azadî".

إن النقطة المشتركة بين الجماعات الرجعية هي معارضتها للمرأة، ونقطة ضعفها بالضبط تحرير ووعي المرأة، ومثلما كان كابوس داعش هو هتاف النساء مع Jin Jiyan Azadî، وفي إيران ومع مقتل جينا أميني على يد السلطات بسبب ما سمي بعدم مراعاة الحجاب الإلزامي، اندلعت شرارة انتفاضة ثورية بشعار Jin Jiyan Azadî وتحقق التحرر، وأوصلته أكبر انتفاضة انطلقت من قلب المجتمع بهذه الفلسفة إلى المستوى العالمي. والآن في كل أنحاء العالم، ضد الأنظمة الاستغلالية والمناهضة للمرأة، يُردد هذا الشعار.

 

سرد التجارب الحياتية والمشاكل أثناء المقاومة

وأكدت ناشطات مدنيات وطلاب من شرق كردستان أن الضغوط الأمنية كانت كبيرة على كل نشاط داعم لمقاومة كوباني.

وتتذكر ليلى (اسم مستعار)، وهي طالبة سابقة في جامعة بايام نور مهاباد، أيام مقاومة كوباني وتقول "خلال تلك الفترة كنا منخرطين في قضية مقاومة كوباني مع الناشطين الطلابيين الآخرين بطرق مختلفة، وجميع المناقشات، من اللقاءات الجماعية في الجامعة إلى المحادثات بين الأصدقاء، تدور حول أحداث كوباني".

وأضافت "تأثر جو الجامعة والمجتمع بشدة بهذه القضية، وشاركنا نحن الطلاب في العديد من المسيرات الداعمة لروج آفا ومقاومة كوباني، ولكن بسبب الضغط الأمني ​​الشديد تم استدعاء الكثير منا إلى المكاتب الأمنية، وخاصة مكتب استخبارات مهاباد وبوكان، وكان لرئيس جامعة بيام نور آنذاك، وهو شخص تابع للحكومة وله توجهات دينية إخوانية، دور فعال في رفع الشكاوى ضد الطلاب، واضطر عدد كبير من الطلاب، وأنا منهم، إلى ترك الجامعة ومواصلة تعليمنا بطريقة غير حضورية، لأن الضغوط الموجودة جعلت الالتحاق بالجامعة شبه مستحيل".

فيما تتذكر روزين (اسم مستعار)، وهي طالبة سابقة في جامعة أورمية، النشاطات المحفوفة بالمخاطر لدعم مقاومة كوباني "في ذلك الوقت، كان اهتمامنا جميعاً، من الكرد إلى الطلاب الآخرين ذوي الأفكار الأممية، منصباً على كوباني ومقاومتها التاريخية، وكنا ننظم في الجامعة العديد من التجمعات، ومن خلال ترديد شعارات مثل "تحيا مقاومة كوباني" و"الشهداء لا يموتون"، شعرنا بالتضامن والقوة، ومن أهم الشعارات التي تكررت مرات عديدة شعار " Jin Jiyan Azadî"، ولم تصبح مقاومة المرأة في كوباني موضوع نقاشاتنا اليومية فحسب، بل إن أفكار وفلسفة القائد عبد الله أوجلان ودور المرأة في حركة التحرر الكردستانية وجدت تدريجياً مكاناً خاصاً بيننا، وتم تداول الكتب والمنشورات المتعلقة بأفكار القائد أوجلان بين الناشطين، وكانت هذه التجربة شرارة كبيرة في تفكير العديد من الطلاب وجعلتنا نصل إلى فهم أعمق للمقاومة والحرية".

كذلك قالت إسرين (اسم مستعار)، وهي إحدى الناشطين المدنيين الذين لعبوا دوراً فعالاً في التجمعات الشعبية الداعمة لروج آفا وكوباني "كنا مع مجموعة من الناشطين المدنيين في عدة مدن في شرق كردستان، نحاول تنسيق مسيرات حاشدة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتمكنا من تنظيم مسيرات في عدة مدن، لكن في الوقت نفسه، تم استدعاء أصدقائنا واعتقالهم والتحقيق معهم بشدة في بعض الأماكن، ورفع النظام القضائي قضايا ضدهم، وخلال هذه الفترة، توجه العديد من الناشطين، وخاصة النساء والشباب، إلى قنديل وروج آفا للانضمام إلى المقاومة، فبالنسبة لنا، كانت كوباني رمزاً للوحدة والتضامن، حيث قطعنا عهد الحرية بدمائنا".

وأضافت "في المجتمع التقليدي والأبوي، كانت مقاومة كوباني إحدى أكبر شرارات كسر الفكر الأبوي؛ وفي الوقت الذي كانت فيه الكريلا ومقاتلي وحدات حماية الشعب/المرأة يقاتلون ضد ظلام داعش، رأينا كيف انهارت المعتقدات القديمة في جميع أنحاء كردستان، وكان تأثير هذه الفترة عميقاً لدرجة أنه يمكن القول إنها أصبحت مؤسس الانتفاضة الثورية "Jin Jiyan Azadî" عام 2022 عندما بدأت هذه الانتفاضة، وجدنا نفس الأصدقاء الذين كانوا معنا لدعم كوباني وروج آفا وشنكال مرة أخرى، وعادت ذكرياتنا إلى الحياة".

ولفتت إلى الأنشطة الأخرى في ذلك الوقت "كانت الأنشطة الرمزية مثل زراعة الأشجار وجمع تبرعات الناس أيضاً من بين أعمالنا، وعلى سبيل المثال، كان الأزواج الشباب يتبرعون بذهبهم وهداياهم في حفلات الزفاف لمساعدة المقاومة، كما شهدنا انضمام مجموعة من الشباب إلى صفوف المغاوير، وكانت هذه الحركات في ذلك الوقت رمزاً للتضامن والدعم العميق للشعب لمُثُل كوباني والحرية".