خلال 134 يوماً في كوباني: عشنا الألم والفرح معاً
شهدت كليمة دمير كل لحظات مقاومة كوباني التي استمرت لمدة 134 يوماً بالحب والوفاء والشجاعة. وقالت بلهفة وحسرة وفرح أنه في لحظات التحرير، اعتصر قلبها الفرح والألم معاً.
برجم جودي
كوباني - شهدت مدينة كوباني أكبر مقاومة ضد الإرهاب في القرن الحادي والعشرين خلال أعوام 2014-2015. الحرب التي اندلعت في 15 أيلول/سبتمبر عام 2014 انتهت بالانتصار في 26 كانون الثاني/يناير عام 2015. لقد احتفظ شهود هذه المقاومة بآلاف الأحداث والذكريات واللحظات في ذاكرتهم التي يمكنهم إخبارها للأجيال القادمة.
عندما هاجم مرتزقة داعش مركز كوباني، توجهت كليمة شوكت دمير التي تبلغ 41 عاماً، ودون رغبتها وعبرت الحدود إلى شمال كردستان. بعد يومين، عادت إلى الحرب الدائرة وقامت بالأعمال المتعلقة بالشهداء بعزم كبير وطواعية وشجاعة كبيرة. وبسبب طبيعة عملها، رأت كليمة معظم المقاتلين والمدنيين الذين فقدوا أرواحهم واستشهدوا في المعارك وأولئك الذين كانوا يقاتلون في الخطوط الأمامية. بعد مرور ثماني سنوات على هذه المقاومة، لا تزال كليمة تتذكر ما عاشته في معركة كوباني.
"الحرب على كوباني مؤامرة دولية"
قيَّمت كليمة دمير الحرب والنصر الذي تم تحقيقه بالقول "الحرب التي حدثت في كوباني يمكن تسميتها حرباً للحفاظ على حياة الشعب الكردي. وكان هجوم داعش على كوباني مؤامرة دولية لأن داعش لم يتم تنظيمه من تلقاء نفسه. فالدولة التركية العضو في حلف الناتو دعمته من جميع الجوانب. ولهذا أقول إن زعيم حزب العدالة والتنمية AKP اردوغان هو العقل المدبر ورئيس المرتزقة الأكبر ويريد استمرارية خلافة داعش. وقد تم تأكيد ذلك خلال مقاومة كوباني، حيث حاصر داعش كوباني من ثلاث جهات في 29 تشرين الثاني عام 2014. فقط جانب شمال كردستان كان مفتوحاً والشعب هناك كان يدعمنا. في ذلك الوقت، أعطى أردوغان لداعش 4 ساعات لاحتلال كوباني بالكامل، حتى يعبر الناس والمقاتلين المتواجدين في كوباني إلى شمال كردستان وتركيا. لهذا قال أردوغان بثقة كبيرة سقطت كوباني أو ستسقط قريباً. ولكن مع صمود ومقاومة وبطولة مقاتلي YPJ وYPG وكتائب الوطنيين المختلفة لم تسقط كوباني وأعلنت النصر في كانون الثاني عام 2015. في كوباني، قُدمت تضحيات كبيرة للغاية، ويمكن القول إن دماء شباب الأجزاء الأربعة من كردستان والأمميين اتحدت في كوباني".
من أجل تخفيف آلام العائلات أثقلت على نفسها العبء النفسي والمعنوي
وبينت كليمة دمير أن سبب بقائها في كوباني والمشاركة في الدفاع تعود لإيمانها بحقها بهذه الأرض "أنا من عائلة قدمت الشهداء من أجل كردستان، وهذا خلق أساس الحب والارتباط بالأرض في شخصيتي. وكان بقائي في مقاومة كوباني قائماً على هذا الأساس، وفي ذلك الوقت واجهت خيارات الاستشهاد، وفقدان أجزاء من جسدي، وفقدان عقلي، وما إلى ذلك وأخذتها كلها بعين الاعتبار. ومع ذلك، واصلت بإصرار وولاء كبيرين رغبتي في البقاء في الحرب، كما أنني قمت بالعمل المتعلق بالشهداء. حيث كنت أقوم بجمع هوياتهم وتنظيف أجسادهم من الدماء وخياطة جروحهم وتغطيتهم ووضعهم في براد الجثث إلى أن نقوم بدفنهم أو نقلهم إلى شمال كردستان. وبدل من أن ترى العائلات الشهداء والتأثر بذلك أكثر، كنا نحن نتحمل تلك المعاناة عوضاً عنهم حتى يتمكن آباء وأمهات الشهداء من رؤية أبنائهم بأفضل حالة ممكنة. في كثير من الأحيان ظل الشهداء في براد الجثث لشهور، إلى أن كانت تتاح لنا الفرصة لأرسالهم إلى شمال كردستان. كما أن عشرات الاشخاص كانوا يأتون بعد إعلان النفير العام ولم نكن نعرفهم، كنا نبحث لأيام عن هويتهم وأسمائهم. حتى في مقبرة الشهيدة دجلة، هناك العديد من القبور المجهولة التي لا تحمل أية أسماء".
"انتصرت مقاومة كوباني بشجاعة وقيادة وجرأة النساء"
كان لمقاومة كوباني بقيادة مقاتلات وقادة وحدات حماية المرأة، صدى على الصعيدين الكردستاني والعالمي. وتحدثت كليمة دمير عن هذه النقطة بالقول "انطلقت المقاومة الأولية للمقاتلات في مدرسة قرية سرزوري. وقاتلت في تلك المدرسة مجموعة من المقاتلات بقيادة الشهيدة بيمان تولهلدان حتى آخر لحظة من حياتهن حتى لا يتمكن المرتزقة من الاقتراب ودخول كوباني. لم أرى المقاتلات آرين ميركان وفيان بيمان، لكن جميع المقاتلين تحدثوا عن بطولاتهما وكانوا يعتبرانهما كمصدر قوة لأنفسهم. رأيت القيادية زهرة بنابر وكفنتها بيدي. ذات مرة علمنا أن مقاتلة من YPJ سقطت من الطابق الثاني من المبنى وأصيبت. ذهبنا لزيارتها وسألناها عما حدث لها، فقالت لنا في بناية تحت قيادتها، كان هناك اثنان من المرتزقة. فهاجمتهم لوحدها ولم تسمح لأحد بالذهاب معها. كان المرتزقة يخافون بشدة من المقاتلات، وعندما رأوها رما أحدهم بندقيته وهرب، والآخر ركض نحوها وألقى بها من الطابق الثاني وهرب".
اعتصر قلبها سعادةً وحزناً
تم الإعلان عن تحرير كوباني رسمياً في 26 كانون الثاني/يناير عام 2015. اعترى المشاركين/ات في الحرب مشاعر مختلفة عند الإعلان عن التحرير بسبب الأحداث التي مروا بها. وعبرت كليمة دمير عن المشاعر التي عاشتها مع أصدقائها بالقول "بعد 134 يوماً من المقاومة والقتال المستمر، وصلتنا بشرى الانتصار السارة في 25 كانون الثاني 2015. اختبرنا مشاعر مختلفة، وأنا شخصياً اعتصر قلبي الفرح والألم معاً. في تلك اللحظات مرت أمام عيني آلاف الذكريات والشهداء والأمنيات والأحداث. وفي ليلة إعلان انتصار كوباني، دعانا المقاتلون/ات إلى حفل الانتصار. احتفلنا بتحرير كوباني بالدموع والتهاليل والغناء والرقص. بدت مشاعر السعادة والفخر والنصر في عيون المقاتلين/ات ووجوههم وابتساماتهم. وأكدت لنا هذه الأجواء هزيمة داعش وضمنت مشاعر الانتصار".
ذكرى مؤلمة من بين آلاف الأحداث
وفي ختام حديثها عبّرت كليمة شوكت دمير عن أكثر ذكرى مؤلمة لها "أكثر الأحداث إيلاماً بالنسبة لي كان الشهيد حمزة في كتائب حلب، حيث كان بجانبنا مجموعة من المقاتلين الجدد، ونحن في ذلك اليوم قررنا طهي المحاشي لرفاقنا على العشاء. في هذه الأثناء دخل الشهيد حمزة ووقعت عيناه على الطعام. قال إنه يحب المحاشي كثيراً لأن والدته كانت تصنعها له دائماً. بعدها جلس وساعدنا في طهي الطعام. وعلم أن الحرب اشتدت وعليه أن يغادر. قبل مغادرته سألناه متى سيتم تحرير كوباني، فقال الشهيد حمزة أن ذلك سيكون قريباً. بعد أن غادر استشهد برصاص قناص ولم يشهد التحرير. وبقيت جثته في المشرحة لمدة يومين، ذهبت إلى المشرحة وبشرته بالتحرير وقلت له رحلت روحك ولكن جسدك ما زال في كوباني. هذا الحدث مؤلم جداً بالنسبة لي لأنني كنت شاهدة عليه".