جنولوجي هي المرآة لداخلنا

عضوة أكاديمية جنولوجي على مستوى الشرق الأوسط زهيدة معمو
جنولوجي هي الاصغاء لهذه الأسئلة الخام التي تُرى من تلك المرآة, فعندما أقصد وجود المرأة, ماذا أكون؟ أين أنا من الهوية النسوية؟ في أي لحظة من نضال إثبات وجودنا, وطبيعة المرأة, وهوية المرأة الحرة أكون؟
بما أننا نعيش القرن الحادي والعشرين وصراعاته المتداخلة التي تلتهم المجتمعات بين فكيها دون الاكتراث لحجم الكوارث التي تخلفها وتظهر نتائجها علينا أن نتساءل حول العديد من الأزمات المتفاقمة التي تعمل عليها الأنظمة المهيمنة لإمحائها وإفراغها من وجودها, فالأزمة الأولى أزمة تشتت المجتمعات وتجريدها من كينونتها وجعل الحالة الفردية هي الأساس وإفراغها من الحالة الكومونالية التي سعت منذ آلاف السنين للحفاظ عليها.
وجعل موضوع المرأة محوري والتركيز على كيفية تحويلها من وجود إلى شيء أي تسييرها خلف التبعية الأبوية، الذكورية , لذا طرحت جنولوجي العديد من الاسئلة التي علينا نحن النساء في الدرجة الأولى أن نتساءلها حول وجودنا, هويتنا, طبيعتنا ونضالنا في سبيل الوصول إلى الحرية.
وهنا في هذا المسار لدينا العلم الذي يجيب عن هذه التساؤلات والسبل الجوهرية لتصل إليها النساء, لدينا جنولوجي التي تفسح المجال للمجتمع للوصول إلى تلك الحقيقة المخفية بالأيادي والأقلام الذكورية التي لطالما اخفتها تلك القوى المستبدة لحجب الحقائق والاتجار بالبشرية كاملة, علم يبحث في التاريخ الكوني للمجتمعات على مدى العصور يبحث في الميثولوجيا, الدين, الفلسفة, ويعيد صياغة العلم التي لطالما ابعدت اسماء النساء منها ووصفتها بالساحرة, الشريرة, العجوز الشمطاء, الضلع القاصر, المخلوقة من ضلع الرجل الأعوج والخ... ونسبت إليها صفات المرأة المطيعة الخجولة التي يسندها رجل وبدونه لا تقوى على استمرار الحياة.
وعمدت إلى التركيز على الجانب الأنثوي أكثر من أي شيء آخر بعيد عن وجود المرأة وكينونتها وكذلك الأمر بالنسبة للرجل أفرغته وجعلته هشا لا يقوى على قول لا لمن يكون مسؤولاً عليه أو حاكمه ومن هنا بدأ الشرخ وبدأ العلم يخفي الحقائق التي تقول بأن قوة الكروموسومات وبنيتها لدى المرأة كافية لإبراز القوة البدنية وهذا ما نجده اليوم، فالكثير من النساء لم تركز فقط على مقولة أن النساء جنس لطيف بل أثبتت إلى جانب اللطف الذكاء والقوة على فعل مالا يمكن للرجل أن يفعله.
وهنا أهمل العلم الوضعي وجود المرأة وهويتها وكفاحها وفعالياتها وانتفاضاتها وغض الطرف عن اكتشافاتها واختراعاتها، وانكر كدحها بشكل علني أو سري، ولا يزال الإنكار مستمراً حتى الآن.
ولهذا السبب لم تحظى طبيعة المرأة أو الطبيعة الاجتماعية بالدراسات الكافية من قبل علم الاجتماع. ربما كانت بعض فروع العلوم المختلفة قد وضعت بعض الأبحاث المتجزأة من خلال أفكار خاطئة وأطروحات ودراسات خاصة بالمرأة ولكنها لم تدرس أو تبحث في علم المرأة باعتباره علماً مستقلاً. ولهذا فإن تناول المجال العلمي بحساسية من خلال تركيب الذكاء التحليلي هو هدف ومطلب علم المرأة، حيث سيتناول وجود وكيان المرأة باعتباره علماً قائماً بحد ذاته.
يبرز جنولوجي كعلم ينتقد العلوم الاجتماعية كونها وعبر سنوات عديدة لم تفكر أو تتطور كفرع لعلم المرأة, المرأة هي جوهر الطبيعة الاجتماعية كما إنها تعتبر خالقة المجتمعية، وبناء عليه لماذا لم تتخذ المرأة مكاناً لنفسها وسط العلوم الاجتماعية مثلما هو الحال مع العديد من فروع علم الاجتماع (السوسيولوجيا)؟ إن جنولوجي هو علم يبدأ من هذا التساؤل، إن العلوم الاجتماعية الموجودة لم تجعل من المرأة، حتى الآن، موضوعاً للدارسة على أساس أنها تمثل عاملاً رئيساً في الطبيعة الاجتماعية، والسبب هو النظام الذي يدار بعقلية الرجل المتسلط. وعليه فإن علم المرأة ومن خلال هذه المعرفة هو العلم الذي يهدف إلى تطوير مجالات الدراسة والتحليل بخصوص المرأة.
فالتحليل الذي نستطيع أن نستخلص منه من هذا العلم ومدى فاعليته في روح وعقل كل امرأة موجود على أرض الواقع من خلال الثورة النسائية الملهمة لجميع النساء والتي استخلصت من ثقافة المرأة المقاومة على مدى آلاف السنين المنصرمة ضمن ثقافة الشرق الأوسط وميزوبوتاميا والتجارب النسائية والنضالات التي حققتها النساء في أوروبا والأسس التي أرادت تصحيحها من الفامينية واستكمالا لتجارب النساء الكرديات اللاتي خضن الانتفاضات التي جرت في أجزاء كردستان وحركة التحرر النسائية هذه التجارب والأسس التي كانت الركائز الأساسية لهذا العلم والاستناد الأكبر لها لتطور من الثورات النسائية وبالفعل طورتها في أجزاء كردستان الأربعة فكانت فلسفة Jin Jiyan Azadî التي سطرها القائد عبد الله أوجلان شرارة الوقوف في وجه الاستبداد والنظام القمعي في إيران والتي برزت النساء فيها القدرة والقوة الكافيين للوقوف بمواجهة النظام ولا سيما بذكر التضحيات التي أبدتها النساء في إقليم شمال وشرق سوريا والعالم أثبتت مقولة جداتنا التي تقول بمعنى جوهري "ما تستطيع فعله النساء لا تستطيع العشيرة أن تفعله" وهي كناية عن القوة والإرادة النسائية وقدرتها على حل المشكلات والأزمات بطريقة علمية.
بالتأكيد تغيرت هذه الأقوال أيضاً عن النساء فما بدأت بتفسيره من قبل النظام الأبوي يفسرها بأنها كناية عن نشر بذور الشر والتفرقة في المجتمع وتشويه صورة المرأة وهذا ما نعمل عليه في جنولوجي بإعادة أحياء الحقائق وصياغتها بشكلها الحقيقي, وهناك الكثير من الممارسات التي تعتمد على تغيير الواقع الحقيقي وإبرازها بالشكل الذي يراد منه خلق التشتت والتجزئة في المجتمع وهذا مانحن نواجهه ولكن في مواجهة هذه المفاهيم هناك حرب حقيقية مع الذات والحفاظ على الكينونة والمثال الواقعي الأكثر إشراقة رؤية جنولوجي على أرض الواقع من خلال حرب الشعب الثورية والمقاومة البطولية التي أبدتها النساء والمجتمع بأكمله للحفاظ على هوية المجتمع ومكتسبات الثورة وبالأخص الحفاظ على مكتسبات الثورة النسائية.
هذا دليل واضح على وجود القوة الروحية وارتباطها بالأرض وهذه من خصوصيات النساء اللاتي كن في مقدمة الجبهة وحاربن وقاومن بكل قواهن الفكرية والجسدية وهي وحدات حماية المرأة التي حافظت على القوة الأنثوية في النضال ضد داعش واليوم مازالت بكل قواها تحافظ على كينونة المرأة الحقيقية في الحرب والسلم وهذا ما أدى اليوم إلى النصر واسترداد ما كان يراد أن يسلب بالأيادي الظلامية.
بالتأكيد لن يكن كافيا بذكر القوة المجتمعية فقط من خلال وحدات حماية المرأة بل حركة تحرر المرأة الكردستانية التي بات لها أثر خمسون عاماً وهي إحدى الأسس والركائز التي كانت مصدر الالهام ومدرسة بدأت منها رحلة الوجود ومعرفة الذات والهوية النسوية الحقيقة ومازالت متواجدة بقوة الروح الكومونالية وخلق التوازن ما بين وجود المرأة في الساحة العسكرية والساحة المجتمعية, العلمية, الثقافية, السياسية والخ.