جلسة نقاشية افتراضية تحت عنوان "إعادة صياغة حراكنا النسوي خارج المُنظمات وتمويلها"

نظمت مؤسسة جيم جلسة نقاشية افتراضية تحت عنوان "إعادة صياغة حراكنا النسوي خارج المُنظمات وتمويلها"، بهدف إعادة تسييس النساء حراكهن باستقلالية ودون الاعتماد على التمويل الأجنبي الذي ساهم بتغيير طبيعة وشكل الحراكات النسوية.

سوزان أبو سعيد

بيروت - تناولت الجلسة النقاشية الافتراضية يوم أمس الأربعاء 18 أيلول/سبتمبر تحت عنوان "إعادة صياغة حراكنا النسوي خارج المُنظمات وتمويلها"، بحضور ناشطات من مجالات حقوقية وإعلامية واجتماعية، الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها المنطقة.

ركزت الجلسة النقاشية الافتراضية على أنه بظل الظروف الاقتصادية القاسية التي تعاني منها المنطقة مع الحروب والفساد وقوانين العمل التمييزية ضد النساء، لم يعد أمام أغلب المنظمات النسوية في المنطقة من خيار سوى التماشي مع المشهد النسوي القائم على العمل ضمن المنظمات والمشاريع المُرتبطة بإنجازات مُخطط لها وتقارير بيروقراطية للجهات المانحة.

واعتبرت المشاركات أن ذلك أدى إلى إملاءات على نشاطات الحركات النسوية وعلى حقوق النساء والفتيات وتمكينهن في الجنوب العالمي وإلى تغيير طبيعة وشكل الحراكات النسوية فيها، ما أدى بالتدريج إلى تقليل تركيز العمل النسوي على المقاومة الشاملة ضد النظام الأبوي ليتحول إلى عمل قائم على المشاريع، مما خلق فجوة بين النظريات النسوية والنشاط النسوي.

ويسرت وأعدت النقاش مديرة تحرير منصة جيم زينة ارحيم وهي صحفية نسوية من سوريا، تعمل كمدربة واستشارية في مجالات الإعلام والجندر، بمشاركة سبأ حمزة من اليمن وهي شاعرة وباحثة وتربوية تتناول أبحاثها التقاطعات بين إنتاج المعرفة والذاكرة والعدالة الاجتماعية من خلال عدسة إنهاء الاستعمار، تدرس أعمالها بشكل نقدي هياكل السلطة المضمنة في المجتمع، باستخدام الفن والتدخلات الأدبية كأدوات للتعليم والوساطة الاجتماعية والتغيير، إضافةً لخلود صابر بركات، وهي ناشطة نسوية مصرية، استشارية صحة نفسية، وباحثة ما بعد الدكتوراه بجامعة لوفان ببلجيكا، تغطي مجالات اهتمامها البحثية التروما والعنف الجنسي والمقاومة لدى النساء والمجموعات المعرضة للتهميش بالمنطقة العربية، وليلى العودات، وهي محامية سورية تعمل على قضايا النساء والعدالة والدفع بالحراك المدني.

وقالت زينة ارحيم في تقديم الندوة "من الخطأ التفكير أن الهدف من الحراك النسوي واحد، فعلى الرغم من تنوعه وأدواته وتعدد القائمين عليه وتعدد أهدافه، أي التركيز على أشياء محدودة، فنحن نتطلع إلى طيف نسوي واسع يقبل الحراك والأثر التعويضي الذي يغير هيكليات القوى بكاملها، وليس بعض التفاصيل التجميلية والضيقة، وبالعمل التراكمي في هذا المجال والانفتاح والأفكار والأدوار المختلفة بالعمل والتفكير والكتابة كجزء من النضال النسوي لإحداث التغيير التحويلي المنشود، ومنها تناول آثار تحول الحراك النسوي وخضوعه لإملاءات الجهات المانحة والعودة  إلى الشارع ومقاومة النظام الأبوي بتجلياته المُتعددة قانونياً وسياسياً واجتماعياً وتعليمياً".

وفي مداخلتها قالت خلود صابر بركات "هناك تنوع في أجندات الحراك النسوي سياقياً وجغرافياً، وفرق في الاستراتيجيات والأدوات المستخدمة، وهذا واضح من المراحل التي مر بها الحراك النسوي في المنطقة، وهو جزء من الحراك المدني السياسي الأوسع، بما يعني أن هناك تأثير وتأثر بالجو العام للدول والأجندات النسوية، ومنها الحراك السياسي الذي كان موجوداً في سبعينيات القرن الماضي، ومرحلة التسعينيات التي شهدت تصاعداً في الخطاب الحقوقي، حين ظهرت منظمات تبنت الأجندات الحقوقية وتحاول كسب مساحات وأرضية من خلال هذه الأجندات المرتبطة بقضايا النساء وكذلك ما بعد 2011 والتغييرات الكبيرة التي حصلت".

وأضافت "من المهم وضع سؤال حول الحراك النسوي والمأسسة في السياق الأوسع وفي اللحظة الآنية وهي لحظة خاصة وإشكالية، خصوصاً بعد الإبادة في غزة، وعلينا مناقشة شكل هذه الأزمة منذ الإبادة، وحتى في اللحظات التاريخية الأقدم منذ 2011، والتغيرات السريعة حيث لم نأخذ الوقت الكافي في تأملها والتعلم منها، سواء في الأجندات والأدوات لهذا الحراك النسوي سواء بشكل مؤسسي أو غير ذلك، خصوصا بعد الذي حصل في سوريا بعد 2011 وفي مصر بعد 2013"

وعلقت سبأ حمزة على موضوع "الأنجزة" قائلةً أنه "أنه جزء من الحراك النسوي، ولكن هناك حراك مجتمعي يعمل بدون مأسسة، وغالباً يكون معه قضية مشتركة واستمرارية في العمل، فبعكس المنظمات حيث يضع المانح برنامج وفي فترة زمنية أي ليس هناك استمرارية، حيث غالباً ما تلعب البيروقراطية والتقارير والسياق الخاص بالمنظمة الممولة دوراً، وهذا يجعلنا نعيد التفكير في دور الحراك كحراك نسوي محلي، وبعض الأمثلة في تونس واليمن وفلسطين، مثل حركة أمهات المختطفين باليمن باختلاف أطياف النساء الموجودة فيها، والتي لم تبدأ كمنظمة بالمعنى المطروح، وانتشرت لتشمل عدداً كبيراً من النساء اللاتي تطرحن الحلول، بعكس المنظمة حيث يتحكم رئيس المنظمة بأكثر الأمور، ولا مجال لتحرك الأفراد أو المتابعة والمناقشة في طبيعة البرامج".

وقالت ليلى العودات "الحراك النسوي في منطقتنا، واقع بين مطرقة وسندان، من ناحية القوى الرجعية ونظام ذكوري وأبوي يضغط علينا بشكل عام وعلى الحراك النسوي والنسويات بشكل خاص، وهناك حراك عالمي نسوي للأسف لا يزال لديه طابع استعماري وعنصري وامبريالي في كثير من جهاته، ولا نعمم هنا، فكأن الغرب سيأتي لإنقاذ النساء في منطقتنا، وأضيف عامل ثالث وهو الرأسمالية المتفشية في مجتمعاتنا، فالمال هو جزء من الأدوات التي نستعملها للوصول إلى أهدافنا، ولا سيما وأن الحراك النسوي وتحت هذه الضغوطات المهولة وهي ليست ضغوط اجتماعية واقتصادية فحسب، بل تهديد وقتل للمناضلات، فبعض الجهات الأكثر تطرفاً في المنطقة أصبحت الناطق باسم المانح، بالمقابل فهناك جهات تقول كل مانح ومال سيء ورديء، ليبقى نطاق العمل لدى هؤلاء ضيقاً للغاية، وهناك بالمقابل طيف واسع يستفيد من الحنكة والأدوات الموجودة، وبالنهاية فالأموال التي تصل إلى المجموعات النسوية لا تذكر نسبة للأموال التي تدفع على التنمية والمساعدات الغذائية والطبية وغيرها في منطقتنا، وتم استخدام الأموال لتقوية الحراك التحويلي، وهناك مثال اذكره أن هناك مؤسسات نسوية عظيمة عملت عملاً ليس له مثيل في النضال النسوي بعد الإبادة في غزة، وبدأ الضغط بعدها من المانحين، بهدف عدم الإشارة إلى فلسطين وغزة أو خطاب معين، والتهديد بوقف المنح، فتحول الحراك وبقوة جمعية ولم يعد بإمكان المانحين أن يتحملوا السمعة الرديئة التي نتجت عن هذا، لذا علينا أن نقيم ونثمن نضالات النساء الصغيرة والتغييرات المتراكمة، فالمنح يوصل الأموال لنساء محتاجات، وعليه أن يكون مرناً ليرفع عن النساء الغبن ويحقق حاجاتهن ونجاحاتهن".

وتطرقت خلود صابر بركات بعدها إلى "التوازن بين انتماء المنظمات للمأسسة والحراك معاً وعدم الارتهان لإملاءات المانحين"، وأشارت إلى أن "الأمر الأساسي هو أننا نتعلم أننا أمام لحظات واختبارات طوال الوقت في هذه المنطقة، وعلينا التعلم والمتابعة وبشكل ذاتي، فلحظة الأزمة والانقسام بين الشمال والجنوب والإملاءات من الجهات هذه، لا بد أن تنشئ تغييراً في العلاقة بين المؤسسات المانحة والمنظمات النسوية في المجتمع المدني، وأحد الأمثلة في مصر في بداية الإبادة، من احتكاك مباشر مع المؤسسات المانحة من دول أخذت مواقف شديدة السوء مثل ألمانيا، حيث قررت منظمات ومؤسسات نسوية عدة مقاطعة التمويل الألماني، وهذا تسبب في إعادة التفكير في شكل علاقات القوى بين المؤسسات والمنحى الخطابي للمؤسسات المانحة، وطرح أسئلة حول الاستدامة ولأي مدى يمكن الاعتماد على هذا التمويل، وكيفية تطوير مصادر أخرى للتمويل، وبالمقابل علينا النظر في كل مرحلة وفي السياق الخاص بها، بما حصل بعد 2011 من العلاقة بين الحراك النسوي والمؤسسات المانحة والذي كان شيئاً إيجابياً بالمجمل، على الأقل بما يخص مصر، ولكن هذا لا يلغي أخطاء حصلت بسبب هذا التزاوج، حيث أن المنظمات التي تأخذ طابع مؤسسي وأخذت تمويل أجنبي ساعدت على تجذير العمل على عدد كبير من القضايا لم تكن مطروحة على صعيد العمل النسوي المصري وفرضتها على الحراك الأوسع، وسمحت بقدوم لاعبات جدد من نساء لم يكن مهتمات بالعمل العام، وهناك أزمات في مؤسسات المجتمع المدني ليست متعلقة بالتمويل فحسب بل بالنظام والهيكلة أيضاً والفساد والصراع وشكل القوى داخل هذه المنظمات، وهناك القمع الكبير الذي حصل في مصر بعد 2013، واستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، فهذه الكيانات اختفى بعضها تماماً وأصبحت الحراكات في الخارج، وعلينا تطوير أدوات منها العمل ضمن نطاق مختلف وخصوصاً وأن النضال النسوي التقليدي في الشارع غير متاح، للتمتع بالمرونة واستقطاب جيل الشباب وقضايا واهتمامات ومساحة أكبر".

ولفتت سبأ حمزة إلى "ارتباط نظام قاعدي في اليمن بصورة استثنائية بدون أي منظمة مانحة بنتائج ملموسة في مقابل العمل المؤسسي المعتمد على التمويل، والحراك النسوي ليست قضايا واحتياجات واحدة، وغالبا يأتي حراك معين من طبقة أقل وبهدف معين تسعى له وتناضل من أجله، وتشبك مع طبقات أكثر ضمن المجتمع مثل مجتمع النساء في القرى أو المدن، أما المنظمة بالتمويل الأجنبي، كون هذا التمويل يساعد الحكومات في بعض المجالات للوصول إلى الديمقراطية، معتبراً أن الطريق هو وصول النساء إلى الديمقراطية، فهل هذه الأنظمة القمعية في الدول العربية، ستوافق على الأجندات المطروحة من الغرب وهل ستطبق؟ فهناك جهات تعطي المنح للمنظمات الصغيرة وصانعة التغيير بالمقابل تنهكها بالعراقيل والمشاكل وتقارير للمانحين، وخطاب المانح باللغة التي يريد، وبالمقابل العمل على البرنامج الذي يفيد النساء في بلادهن، ويأتي الحراك القاعدي، وهناك أمثلة استثنائية، ويجب أن يكون نوعاً من البدائل، بعدم الركون إلى الدعم من الخارج لتمكين المرأة، فأحياناً ندخل في دائرة مغلقة، ويؤدي لتوقف الحراك النسوي، فهناك مشاريع متعلقة بالتنمية ودعم النساء والمشاريع والقروض الصغيرة ورائدات الأعمال، وانتهت بديون، فالعوائق التي تتعرض لها المرأة من المجتمع ليست قليلة، فعلينا العمل على التعلم من التجارب في الدول الثانية مثل أمريكا اللاتينية والبرازيل وغيرها، وإيجاد البدائل للحراك النسوي دون الاعتماد على التمويل الخارجي، ومن المهم التشبيك بين المنظمات في الدول العربية والتركيز على التواصل وإدارة المجالات المختلفة، وبرأيي فهذه المنح بمعظمها جزء من استمرارية الاستعمار وفكرية الفوقية الغربية في التأثير على النساء في دول العالم الثالث، فعلينا الاستفادة من هذه المنح دون التخلي عن مبادئنا وحراكنا واحتياجاتنا المحلية بمعزل عن فكر وهيمنة المستعمر، وهو ما حصل في قضية الإبادة في غزة، حيث أدى إلى أحداث صدمة كبيرة حيث توصلوا إلى فهم الفكر الاستعماري والأجندة الغربية الفوقية، بأني أدعمك فقط إن كنت تعمل ضمن طريقي وأجندتي، ودعانا لإعادة التفكير في عملنا وتمويلنا بشكل عام".

وجواباً على سؤال حول كيف يمكن الطلب من النسويات التطوع، وأن تخرجن من إطار الجهات المانحة في ظل الأزمات الاقتصادية والضغوط الأمنية والسياسية، والخروج عن سلطة التمويل والانخراط فعلياً في أهداف الشارع، قالت ليلى العودات "المال الآتي من الشمال للجنوب ليس بهدف تغيير آليات وهيكليات القوى، بل بهدف إنقاذ النساء أو تعزيز الفكر الاستعماري، فعلينا التطلع إلى جهات أخرى وطيف واسع للتمويل، وبعضها من الدول الغنية والأفراد الأغنياء فهناك طرق مستجدة وعلينا اعتبارها، والعمل على المتابعة في طرح جذري مع أخذي هذه الأموال، وألا يؤثر على استقلاليتي المادية والاجتماعية وفي وضع جهد للتخلص من بعض أشكال القمع والاضطهاد، والمشاركة بشكل غير مباشر في خلق مساحات تحررية لبعض الجهات التي ارتأت ألا تكون جزءا من دائرة التمويل، فعند اختيار واقصاء البعض من التمويل واعتبارهم خارج الحراك النسوي الناشط، فهو نوع من الإجحاف بحق مناقبية نضال هؤلاء النسويات، وعن الجانب الاقتصادي، فهناك جيل المناضلات الشابات، يجدن أنه في الماضي كان يمكن الاعتماد على دخل واحد وعمل نظامي وتكوين عائلات وتأمين مستلزمات الحياة والنضال، فهذا الأمر لا يصلح الآن، فهناك خيار بين أن أناضل أم آكل مثلاً، فكيف يمكن الجمع بين الإثنين، وعدم التخوين بالمطلق للعمل لتأمين الأموال ومتطلبات الحياة ومع النضال للوصول إلى حلول".

وتابعت خلود صابر بركات حول أن "التمويل وراءه أجندة تتغير، ويكون كاستجابة لتغيرات الفاعلين والفاعلات على الأرض من الحركات الحقوقية والنسوية، فلا يمكن أن نعتبر أنفسنا دوماً "مفعول به" من قبل المنظمات المانحة، ومن الأمثلة في الأزمة السورية، كان هناك معارضة ومقاومة للتمويل الكبير الموجه للتعافي من الصدمات النفسية المرتبطة بالحرب السورية أو دعم المنظمات الصغيرة التي تعمل في هذا المجال، كون التمويل موجه للأغراض الإغاثية والتنموية، وبعد خروج نقاشات ومدافعات ارتبطت بأثمان النضال والنشاطية وأعبائها النفسية، تحولت أجندات المؤسسات بالتعامل مع الجانب النفسي كأولوية في التمويل، وبالتالي لدينا مسؤولية بالضغط على المؤسسات المانحة، وعلى المؤسسات التعامل مع الموظفين كناشطين وليس كموظفين فقط، فعلينا العمل والإنتاجية والقيام بعملنا في الحراك، ولكن كيف يمكننا التوفيق بوضع شروطنا وفرز علاقتنا المؤسسية المختلفة، والمجال المرتبط داخل المؤسسات بحماية الموظفين/ات داخلها على مستوى علاقات القوة والصحة النفسية والتأمين الطبي وخلافها، فمعظمها لا تضع عقوداً ويعمل الموظف دون تأمينات طبية وبلا حقوق، أي علينا العمل على تحسين نطاقات التفاوض مع الممول ومسؤوليتنا بخلق حراكات أكثر عدالة وصحية ومساواة جندرية".

ولفتت ليلى العودات إلى استخدام "الأجور كوسيلة لإقصاء النساء، فالرجل يؤجر على العمل بينما يطلب من النساء التطوع خصوصاً في دول الجنوب، وهناك فكرة أن هذا لن يكون نضالاً إن أجرت عليه، على الرغم من تكلفة هذا الأمر، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، من مؤسسات مرؤوسة من زوجات الأغنياء والمتنفذين، بإقصاء فئات كثيرة من الأجور، فعلى العمل النضالي أن يحفظ كرامات الناس، وان يكون طويل الأمد، ومتناسبا في الوقت والمتطلبات الأسرية وبصورة مستدامة".

وجواباً على سؤال إمكانية استمرار عمل نضالي غير ممول، أجابت سبأ حمزة "سواء أجرت المرأة أم لم تؤجر، يبقى الأمل بإحداث التغيير، ولكن هناك ثنائية في العمل النسوي وأنه لن يستمر بدون وجود دعم وتمويل أو كعمل تطوعي، ولكن اعتقد أن كل فرد وفي موقعه ومن خلال عملنا كمجموعات، فنحن لا نطالب بالرفاهية مثل في بلاد الغرب أو لدى المرأة البيضاء في الشمال أو الطبقة الغنية في بلادنا، بل نحن نبحث عن الأساسيات مثلا التعليم، فـ 50% من نساء اليمن دون تعليم، وهناك ارتفاع في مستوى الأمية في العالم العربي، فبدلاً من التطور مع الأجندات الخارجية لدعم المرأة العربية ودول العالم الثالث والخضوع للتمويل،  نجد الوضع يتراجع أو يراوح نفسه في موقع المرأة في المؤسسات التعليمية والمجال السياسي والاقتصادي، فعلينا التفكير في شكل النضال نفسه، مع الاتجاه لإحداث التغيير الإيجابي في كافة المجالات".

ولفتت إلى أن "نضالات النساء إلى جانب الرجال في مقاومة الاستعمار كانت فاعلة ومتساوية مع دور الرجال إلى حد كبير، وبعدها اتجهت السلطات لقمع هؤلاء النساء، والآن يحصل نفس الشيء من جهة السلطات القمعية ضد النساء في المظاهرات وعلى حساب احتياجات وقضايا النساء، فعلينا التفكير في التمويل بالتركيز على التمويل المحلي، وإعادة التفكير باحتياجاتنا الملحة الخاصة والمجتمعية، خصوصاً وأن العديد من المؤسسات تغير احتياجاتها بما يتناسب مع المشروع المقدم من المانحين ووفقاً لأجندته، ومع الأيام يحصل تماهٍ وننسى إن كان ما قدم هو ما نحتاجه فعلاً، ومع القضايا التي نعمل ونناضل من أجلها، وبأن تشمل كافة فئات النساء وليس صاحبات السلطة في هذه المنظمات واللاتي من طبقات غنية أو من الطبقة الوسطى وبذلك لا تمثل قضايا واحتياجات الطبقات الفقيرة والمهمشة".

وأعطت سبأ حمزة مثلاً على امرأة تقدمت بمشروع للجهات المانحة وتم رفضه، وتوجهت بعدها لرواد أعمال محليين، واستطاعت العمل على موضوعها النسوي المتمثل بمعرض ثقافي ومحاكاة لقصص النازحات في موطنها وجسدت معاناتهن كرسومات، وقد نجح نجاحاً كبيراً نظراً للإقبال وتفاعلوا مع القصص، ودون أي تأثير للمانح الأجنبي وهي طريقة مبتكرة وجديدة، بالاعتماد على مصدر محلي، ومنها إنشاء صناديق محلية بمعزل عن المنظمات الممولة.

من الأمثلة وفقاً لليلى العودات "مجلة محكمة في الغرب من مجموعة من الأكاديميات وهي Feminist review لتمويل المشاريع صعبة التمويل من دول ومنظمات، حيث يتم الأخذ بعين الاعتبار من المنظمات الممولة الرقابة والتقييم كأداة استعمارية وعسكرية، والنقطة الثانية صعوبة التمويل كموضوع أيديولوجي، وبدأنا نشهد كسر لظاهرة الجنوب والشمال فيما يتعلق بمساحات النضال، وفي المهجر اتجهت المجتمعات والنساء لهذا الأمر، حيث وصلتهم فكرة النضال ضد الاستعمار في صلبها، ويقومون بتغييرات بالتمويل الداخلي، بإنشاء صناديق للمشاريع صعبة التمويل ومنها التمويل المبني على الثقة".

وأشارت خلود صابر بركات إلى أن "هناك أمثلة ناجحة للغاية خارج التمويل في مصر، وفي العام 2020 كان هناك حراك ضد العنف ضد النساء، وهو حراك تم افرازه من تراكم النضال النسوي وبتفكير خارج الصندوق، فاجتمعت نساء دون تنظيم ولا يسمون أنفسهن نسويات ، ولا ناشطات ودون تمويل أو بناء مؤسسي وبشكل تطوعي، وبدأوا بصورة عضوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالعمل، وكان رد الفعل وردع الدولة عنيف للغاية، واتى عمل هؤلاء النساء على شكل نشر شهادات لناجيات من العنف الجنسي وفي طبقات مختلفة وفي مساحات جغرافية، وأفرز أدوات وتغيير في الخطاب المتعلق بالعنف الجنسي في مصر، وهو إنجاز لم نتمكن من القيام به كناشطات نسويات ومنظمات على مدى سنوات، واستطاعت النساء عبر درجة كبيرة من الإبداع على تكنيكات صغيرة لا تخطر على البال مثل نشر منشورات في ساعة ووقت معين على هدف معين، وحصل تعاون وتأثير مع النضال السياسي الأوسع، وكسر للقمع المفروض".

وتابعت "هناك مجموعات تتشكل الآن بما يتعلق بالإبادة في غزة، ومن خارج التمويل ومن داخل وخارج بلداننا، وتتطور وتحاول توسيع قواعدها قدر الإمكان، وضمن آليات مرتبطة بتقسيم العمل وايجاد مصادر تتيح الحركة، ومنها لدى جاليات عربية والتشبيك مع مجموعات من اوروبا بصدارة الخطاب المميز لهذه الجاليات وحتى في مجموعات داخل مصر وفلسطين وعلى الرغم من حظر المظاهرات في مصر وفلسطين من صحافيات وحقوقيات وغيرها واعتقال الكثيرين، فهي تتحدى فهمنا للنضال داخل المؤسسات وداخل أنظمة القمع، وهو ما يحيي الأمل أنه في وسط الأزمة الحقيقية وبرغم الخسائر الكبيرة بالمشهدية العامة في غزة والسودان وبلاد أخرى يمكن ان نطور أنفسنا ونجتر الحلول للقضايا المختلفة".

وقالت سبأ حمزة "أهم شيء في الحراك النسوي أن اهتماماتنا واحتياجاتنا غير متساوية، وألا نتجه الى الرومانسية بتكوين حركة بنفس الاهتمامات والاحتياجات، فالحركات الناجحة مثل ضد المتحرشين وأمهات المختطفين في اليمن، تتمثل بقضية جامعة على الرغم من الاختلافات، فبغض النظر عن الهدف والتمويل فيمكننا النجاح، فعلينا تقبل اختلافاتنا وعدم فرض أفكار معينة، والعمل على اهداف مشتركة جامعة مثل العدالة والتغيير والتي تجمع بين الفئات الفقيرة والغنية والأجيال المختلفة، والتشجيع على الابتكار، وقد سمحت وسائل التواصل والإيميلات مراكز القوى في المنظمات والحراك، فهناك منصات مفتوحة تمكننا من تنظيم حراكات لقضايا عادلة وتمس حياة النساء والمجموعات المهمشة وإنجاز التغيير على مستوى الأنظمة القمعية وعالميا في الأجندات الغربية".