حرية الصحافة بين المواثيق الدولية والانتهاكات الميدانية
حرية الصحافة تعني أن ممارسة العمل الصحفي يجب أن تكون بعيدة عن أي تدخل أو تقييد من قبل الحكومة أو السلطات أو المنظمات الدينية والمدنية، فالإعلام يُعدّ أساساً للتواصل والتعبير، ويجب أن يُحمى بموجب الدستور والقوانين الخاصة.

هيرو علي
مركز الأخبار ـ على امتداد التاريخ، واجهت الصحفيات تحديات جسيمة في سعيهن وراء الحقيقة والعدالة، وتعرضن لشتى أنواع المضايقات والتهديدات، من الترهيب والعنف الجسدي إلى السجن وحتى الاغتيال، ففي الوقت الذي تُعد فيه الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر بطبيعتها، تواجه النساء في هذا المجال أعباء مضاعفة، منها التهديد بسبب تقاريرهن، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
إعلانات عالمية ودولية لحماية الصحفيين
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أُقرّ عام 1948 من قبل الأمم المتحدة، يعترف بحرية الصحافة كجزء من حرية التعبير، وينص على أنه "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون اعتبار للحدود".
أما المشاركون في المؤتمر الدبلوماسي الذي عُقد بين عامي 1974 و1977 في جنيف، فقد أدرجوا بنداً خاصاً حول "أسلوب الحماية للصحفيين"، حيث تضمن ذلك المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والتي تتعلق بحماية الصحفيين الذين يؤدون مهامهم في مناطق النزاع المسلح، وتنص هذه المادة رسمياً على أنهم يجب أن يُعاملوا كأشخاص مدنيين، وذلك لضمان احترامهم وحمايتهم وفقاً لذلك.
في الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1997، اعتمد المؤتمر العام لليونسكو قراراً بعنوان "إدانة العنف ضد الصحفيين"، ودعا الدول الأعضاء إلى الالتزام بهذا القرار من أجل التحقيق ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، وقد عُرف هذا القرار باسم قرار اليونسكو رقم 29.
وفي الرابع من أيار/مايو عام 2007، وخلال مؤتمر اليونسكو حول حرية الصحافة، صدر إعلان ميديلين بشأن "تعزيز سلامة الصحفيين ومكافحة الإفلات من العقاب"، حيث دعت غالبية الدول الأعضاء إلى التحقيق في جميع أعمال العنف المرتكبة ضد الصحفيين، كما أكد على ضرورة الالتزام بالبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، وبالوعود الواردة في قرار اليونسكو رقم 29، من أجل تعزيز التشريعات الرامية إلى التحقيق ومحاكمة مرتكبي جرائم قتل الصحفيين ومكافحة الإفلات من العقاب.
في الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2009، تم اعتماد إعلان سلامة الصحفيين خلال الدورة الرابعة للمؤتمر العالمي للإعلام الإلكتروني في المكسيك، وقد حظي هذا الإعلان بدعم من منظمة اليونسكو، حيث يدعو الإعلان إلى "دعم دولي مستمر لمعالجة حالات قتل الصحفيين وفرق الدعم الإعلامي حول العالم، سواء في أوقات السلم أو أثناء النزاعات"، ويسلط الضوء على حقيقة مؤلمة وهي أن معظم هؤلاء الصحفيين لم يُقتلوا في ساحات الحرب، بل أثناء أداء مهامهم في بلدانهم وفي أوقات السلم.
هذا الإعلان يُعدّ خطوة مهمة نحو تعزيز حماية الصحفيين والصحفيات، ويؤكد على ضرورة اتخاذ إجراءات دولية فعالة لضمان سلامتهم ومحاسبة المسؤولين عن الاعتداءات ضدهم.
ووفقاً لمؤشرات حرية الصحافة العالمية لعام 2023، احتلت النرويج المرتبة الأولى في حماية حياة الصحفيين للسنة السابعة على التوالي، تلتها إيرلندا في المرتبة الثانية، والدنمارك في المرتبة الثالثة، أما أدنى مستويات حرية الإعلام فقد سُجلت في كل من فيتنام، الصين، كوريا الشمالية، سوريا، العراق والسودان.
نضال الصحفيات رغم التهديدات
وفي إقليم كردستان، وبناءً على طلب مجلس وزراء الإقليم، تم إصدار القانون رقم 35 الخاص بالصحافة في عام 2007 من قبل البرلمان، إلا أن هذا القانون، بحسب التقارير الدولية، لم ينجح حتى الآن في حماية حياة الصحفيين، بل يُستخدم أحياناً لمعاقبة الصحفيين وتقييد حرية الصحافة، حيث يتم اللجوء إلى قوانين قديمة تعود إلى عهد النظام العراقي السابق، أو يتم الاستناد إلى مواد وبنود تتعلق بالأمن القومي لفتح ملفات ضد الصحفيين.
القرن الحادي والعشرون هو قرن حرية المرأة وبداية ثورتها، مما دفع الدول المهيمنة إلى اتباع سياسات ممنهجة ضد الناشطات والصحفيات، اللواتي يحاولن من خلال أقلامهن وكاميراتهن إيصال الحقيقة.
ونضال الصحفيات في جميع أنحاء العالم، خاصة في إقليم كردستان، هو امتداد لنضال أوسع من أجل حرية التعبير والمساواة الجندرية، وفي الوقت نفسه، فإن التهديدات التي يواجهنها، من التهميش القانوني إلى الانتهاكات الموجة، تبقى عنيفة ومستمرة، فبينما استطاعت بعضهن كسر القيود والاستمرار في التغطية الصحفية، دفعت الغالبية منهن ثمناً باهظاً.
الانتهاكات ضد الصحفيين
ووفقاً للإحصاءات المنشورة من مركز "ميترو"، فقد تم تنفيذ 182 انتهاكاً ضد الصحفيين في إقليم كردستان خلال عام 2024، حيث أن 10 % من هذه الانتهاكات كانت ضد الصحفيات.
وبحسب الإحصائية ثلاث حالات قتل للصحفيين تمت بواسطة طائرات مسيّرة، 24 حالة اعتقال دون قرار قضائي، 17 حالة مصادرة معدات صحفية، 27 حالة اعتداء جسدي وتهديد، 103 حالات منع من التغطية، 6 هجمات إلكترونية، وحالتان من تدمير معدات صحفية، وبذلك بلغ مجموع الانتهاكات 182 حالة ضد 176 صحفياً وصحفية ومؤسسة إعلامية، وكانت نسبة الانتهاكات ضد النساء الصحفيات 10٪ من إجمالي الحالات.
حرية الصحافة في إقليم كردستان تُقيّد بالنسبة للصحفيين المستقلين، حيث يُمنعون من قبل السلطات من نقل الحقائق، ويُستهدفون أيضاً من قبل الدول المعادية، كما حدث مع كلستان تارا وهيرو بهاء الدين، اللتين استُهدفتا في 23 آب/أغسطس 2024 أثناء أداء مهامهما الصحفية من قبل طائرة مسيّرة تابعة للاحتلال التركي، مما أدى إلى فقدانهما حياتهما.
كما أشارت بيانات منظمة "مراسلون من أجل الحقوق والتنمية"، وهي منظمة غير حكومية تُعنى بحقوق الصحفيين في إقليم كردستان، إلى أن الانتهاكات تتزايد بشكل دراماتيكي، حيث أصبحت حرية العمل الصحفي موضع تساؤل، ومع ذلك، ورغم هذه التحديات، لا يزال الصحفيون والصحفيات مستمرين في أداء مسؤولياتهم تجاه خدمة المجتمع.