حرب بيئية ممنهجة تستهدف إقليم كردستان وسط غياب الردع القانوني
حذرت الباحثة البيئية يريفان شاسوار من تصاعد التهديدات التي تواجه البيئة، مشيرةً إلى أن الحرائق وقطع الأشجار في المناطق الحدودية لم تعد مجرد حوادث عرضية، بل باتت نتيجة لسياسات ممنهجة تستهدف الطبيعة وسكان المنطقة.

هيلين أحمد
السليمانية ـ تشهد البيئة العالمية تدهوراً متسارعاً، حيث أصبحت الحرائق أحد الأسباب الرئيسية لتلوث البيئة وانحسارها، ولم تكن بيئة إقليم كردستان بمنأى عن هذه الأضرار، إذ أن التغيرات المناخية وتلوث الهواء والتربة تؤثر بشكل مباشر على المنطقة، في ظل غياب الحلول، مما يهدد الحياة فيها.
التغيرات المناخية الناتجة عن النشاط البشري تؤدي إلى تفاقم الأضرار البيئية، والحرائق التي تطال الغابات تترك آثاراً خطيرة على المناطق المتضررة، فالغابات تُعد مصدراً رئيسياً لتنقية الهواء، لكن تدميرها يؤدي إلى تدهور الحياة البيئية، ويؤثر سلباً على صحة المواطنين، حيث تبقى آثار التلوث لعدة أشهر في البيئة.
وتشير الإحصائيات الصادرة عن مديرية شرطة الغابات والبيئة في مدينة السليمانية بإقليم كردستان إلى أنه منذ بداية كانون الثاني/يناير وحتى منتصف آب/أغسطس 2025، تم تسجيل أكثر من 112 حالة حريق وقطع للأشجار بفعل البشر، كما أن المناطق الحدودية في إقليم كردستان تواجه هذه الظواهر نتيجة لأسباب سياسية واستهداف مباشر للكرد من قبل جهات خارجية، مما يؤدي إلى تدمير ممنهج للبيئة في الإقليم.
ورغم وجود قانون الغابات رقم 10 لسنة 2012 في إقليم كردستان، والذي يتضمن مجموعة من الإجراءات لحماية الغابات وزيادة المساحات الخضراء، إلا أن تطبيقه لا يزال ضعيفاً، ولم يتمكن حتى الآن من ردع المخالفين كما ينبغي، سواء بالغرامات المالية أو العقوبات السجنية.
"حرائق الغابات تعكس غياب الوعي البيئي لدى المجتمع"
أكدت الباحثة البيئية يريفان شاسوار، على أن حرائق الغابات تُعد ظاهرة عالمية متعددة الأسباب، إلا أن معظمها في إقليم كردستان والمناطق الحدودية ناتج عن تدخل الإنسان، مشيرةً إلى أن "الحرائق قد تكون طبيعية أو مفتعلة، لكن منطقتنا لم تصل بعد إلى مرحلة تكون فيها الأسباب الطبيعية هي الغالبة، إذ إن التدخل البشري يشكل العامل الرئيسي في اندلاع الحرائق، خاصة في المناطق الحدودية".
ولفتت إلى أن جزءاً كبيراً من تلك الحرائق، إلى جانب عمليات قطع الأشجار، يُعزى إلى تدخل الدول المجاورة التي تسعى إلى إلحاق الضرر بالبيئة المحلية، مما يجعل من هذه الممارسات تهديداً مباشراً للتوازن البيئي في المنطقة.
وأشارت إلى أن أقل مساحة تتضرر بفعل هذه الحرائق لا تقل عن عشرة دونمات، وأن أنواع الحرائق المختلفة تخلف آثاراً بيئية عميقة وطويلة الأمد، إذ قد تبقى تداعياتها في الغابات لمئات السنين، ورغم ذلك، تحاول بعض الأشجار وبذورها الصمود بعد الحريق، فتسعى إلى التجدد من خلال إنبات أنواع جديدة.
ولفتت إلى أن الإنسان يدرك أهمية زراعة الأشجار والحفاظ عليها كعامل أساسي لحياة صحية "إلا أن الواقع في منطقتنا مؤلم؛ إذ نزرع ونعتني سنوياً بنحو ألفي شجرة كبيرة، لكن في يوم واحد فقط، نفقد مئات الدونمات من الغطاء النباتي نتيجة لسلوكيات غير واعية، وعلى الرغم من جهود التشجير المستمرة طوال العام، فإنها لا تكفي لتعويض الخسائر الهائلة التي تتسبب بها الحرائق، خاصة في شهري تموز وآب".
"الدول المجاورة تستهدف البيئة في إقليم كردستان ضمن حرب ممنهجة"
وأوضحت يريفان شاسوار أن إقليم كردستان يشهد حرباً بيئية تُمارسها الدول المجاورة ضد الشعب الكردي، حيث تم رصد عمليات ممنهجة لقطع الأشجار في مناطق مثل بارزان وسوران وهلكورد، ما يُعد اعتداءً صارخاً على الطبيعة وسكان تلك المناطق.
وأشارت إلى أن البيئة تُستغل أيضاً لأغراض تجارية، وأن النظام الرأسمالي السائد في الإقليم ساهم في تفاقم الأضرار البيئية، واستشهدت بما حدث في العام الماضي بجبل غويجة في مدينة السليمانية، الذي كان يُعد من أبرز المعالم الطبيعية، لكنه تعرض لتدمير جزئي نتيجة تحويل أجزاء واسعة منه إلى مشاريع استثمارية، مما أدى إلى فقدان قيمته البيئية لصالح المصالح الاقتصادية.
وكشفت الدراسات أن جبل غويجة يضم سبعة أنواع نادرة من النباتات التي لا توجد في أي مكان آخر، وقد تم تسجيلها عالمياً باسم "جبل غويجة"، ما يمنحه قيمة بيئية فريدة، وكان بالإمكان تحويل هذا الجبل إلى محمية طبيعية تخدم الباحثين المحليين والدوليين، وتُسهم في الحفاظ على الأشجار، وتوفير دخل اقتصادي للمنطقة، فضلاً عن إعادة السليمانية وإقليم كردستان إلى خارطة السياحة البيئية.
إلى جانب ذلك، كان جبل غويجة يشكل مصدراً مائياً مهماً للمنطقة، ويُعد دعامة خضراء لحماية مياه السليمانية، إلا أن الواقع اليوم يُظهر تحول الجبل إلى مساحة مغطاة بالخرسانة، ما ينذر بخسارة هذا المورد الحيوي.
أزمة مساحات بيئية ونداء عاجل لإنقاذ ما تبقى
ونوهت يريفان شاسوار إلى أن العديد من الحرائق تُنسب زوراً إلى السياح، متسائلةً "هل من المعقول أن السياح هم من يُشعلون كل هذه الحرائق؟"، لتؤكد أن تكرار هذه الحوادث يستدعي تدخل شرطة الغابات للتحقيق، مشددةً على ضرورة تعزيز الحماية البيئية المحلية.
وأشارت إلى أن ضعف الحس الوطني، نتيجة لسياسات ممنهجة، أدى إلى تراجع اهتمام المواطنين بحماية الأرض والبيئة، إلى جانب غياب الوعي والرقابة على الحرائق التي يفتعلها السياح، مما يشكل تحدياً إضافياً أمام الحفاظ على البيئة في المنطقة.
وشددت يريفان شاسوار على أهمية إيجاد حلول بيئية فعالة على المستويين المحلي والدولي، من خلال تشكيل فرق متخصصة تعمل بجدية لمعالجة القضايا البيئية المتفاقمة، مشيرةً إلى أن جزءاً من التلوث الذي يؤثر على بيئة إقليم كردستان والعراق مصدره خارجي، مما يستدعي اتخاذ إجراءات حاسمة للحد من هذا التلوث وتنظيف المناطق المتضررة.
وأكدت أن حماية البيئة مسؤولية جماعية يجب أن يتحملها الجميع، من الأطفال إلى كبار السن، داعيةً إلى تعزيز ثقافة زراعة الأشجار المنزلية لما لها من دور في تنقية الهواء وتحسين جودة الحياة.
كما طالبت منظمة الصحة العالمية بإطلاق حملات توعية حول أهمية المساحات الخضراء، مشيرةً إلى أن المعدل المثالي هو 9 أمتار مربعة من المساحات الخضراء لكل فرد، بينما لا يتجاوز المعدل في السليمانية 3 أمتار مربعة فقط.
وفي ختام حديثها، دعت إلى تطبيق قوانين بيئية صارمة دون تمييز أو محاباة، مؤكدةً على ضرورة استقلال السلطة القضائية في التعامل مع القضايا البيئية لضمان العدالة وحماية الموارد الطبيعية في المنطقة.